الانسان وفضائل الاخلاق!

* د. رضا العطار

ثمة مجموعة من القواعد السلوكية والمعايير الاخلاقية التي يضطلع بها الانسان في مجريات حياته المتباينة، رغم وجود معايير مشتركة بينه وبين ابناء مجتمعه. الا ان هناك معايير اخلاقية يستهدي بها، خاصة به، بغض النظر عن مدى تشابهها او تباينها عن معايير الاخرين في تصرفاتهم وفي علاقاتهم الاجتماعية. فالى جانب معاييره الشخصية يتفاعل ايضا مع ثقافة عصره ومع المجتمع العالمي بأسره.

فالجانب الشخصي المتمثل بفضائل الاخلاق لا يذوب بل يظل محتفظا بكيانه وملامحه وتقاطيعه، وشاهد ذلك هو المجتمع الواحد. خذ القيم الاسرية مثالا. فانت تختلف عن اخيك الذي نشأ معك بنفس البيت وتختلف عن قيم تلامذة المدرسة وتلقى مقومات خبرية مشابهة للمقومات التي اكتسبتها ولكن حيث ان ما جبلت عليه من مقومات موروثة يتباين عن تلك التي اورثها اخوك.

ولا شك ان القيم الاخلاقية التي يتذرع بها الفرد، تتأثر تأثيرا بعيد المدى بالمواقف والخبرات التي يتحلى بها الاخرون. فالشخص الذي كان ينفق على اصدقائه يمينا وشمالا، قد افلس يوما، فأشاح الجميع عنه. فهذا الشخص بعد ان كان يأخذ بمعيار اخلاقي يتسم بالايجابية، استحال بعد هذا الى شخصية سلبية تاخذ بمعيار اخلاقي مختلف فيما يتعلق بنيات الناس ومواقفهم منه. انه استبدل مبدئه القديم المتفائل بمبدأ متشائم. فابتعد عن اصدقائه وحتى عن اقربائه.

اما فيما يتعلق بالطبيعة البشرية هناك فريقين. فاصحاب الفريق الاول يفسرون الطبيعة البشرية بانها طبيعة خيرة وان الانسان يميل الى الخير بطبعه وان الاصل في جبلة الانسان هي الخير وليس الشر وعلى هذا فان اصحاب هذا الاتجاه يعتبرون الطفولة طاهرة نقية وان تلك الطبيعة لا تتلوث ولا تنحرف الا بعد ان يختلط الطفل بالمؤسسات الحضارية الزائغة تغيره، فالفطرة نقية والحضارة شريرة.

اما اصحاب الفريق الثاني فانهم يعتقدون ان الشر وليس الخير هو السمة الرئيسية التي يتسم بها الانسان. فان الحضارة تحاول ان تعدل الالتواء الذي تتسم به طبيعة الانسان الفطرية وذلك بان تقلم اظافره وتحد من حدة انيابه وتقف ضد نوازعه الشريرة وميوله الطبيعية الخسيسة. وهكذا نجد انهم يقولون ان الطبيعة البشرية شريرة وان الحضارة خيّرة.

اما فيما يتعلق بالعقائد فقد انقسم الناس الى فريقين ايضا الاول يقول ان الله لا يقدم للانسان سوى الخير وان الشر الذي لحق به انما مصدره الشيطان او الالتواء الروحاني. وحتى بالنسبة الى الظواهر التي تبدو شرا الا انها في باطنها تخبئ في الحقيقة الخير للانسان. فموت الابن الوحيد في الاسرة وان بدا شرا، فربما يكون ذلك لخير الابن المتوفي. اذ ربما كان ليجد في حياته الكثير من الاهوال والمخاطر والشرور. وما يقال عن حالات الموت ينسحب بازاء جميع المصائب التي يبتلي بها افراد من المجتمع. بينما موقف الفريق الثاني يكون على عكس ذلك تماما.

اما بخصوص المرأة، فالموقف المتفائل يقول بان طبيعة المرأة طبيعة مساوية لطبيعة الرجل في الذكاء والميل الى الخير والحق والجمال وانها هي سبب سعادة الرجل في الحياة بل انها هي البهجة التي تجعل حياته سعيدة رائعة.

اما الفريق الاخر فيذهب مذهبا عكسيا، ويعتقد ان المرأة هي الشر ذاته وانها الجسد الذي يرتديه الشيطان لأغواء الانسان واغرائه لانتهاج طريق الفشل و الضلال في الدنيا والنزول الى الجحيم في الاخرة.

وكذلك انطباعهم حول الشيخوخة. فالفريق الاول يعتقد ان لكل عمر له جماله وروعته ونشاطه الذي يليق به. ويجدر بالمسن ان يمارس انواعا من المناشط المفيدة بحيث لا تستحيل شيخوخته الى فترة انتظار الموت، وحتى الموت نفسه في نظرهم ليس مخيفا بل هو الدخول في التهاية الحتمية للوجود. بينما الفريق الاخر يعتقد انه كلما تقدمت السن عند الانسان فانه يذوى ويضعف ويرتمي في احضان اليأس والقنوط . ومن هنا فان فترة الشيخوخة لا تعدو الاّ ان تكون فترة توقع الامراض والانتهاء الى الموت والتعفن وبئس المصير. وهكذا نجد ان الانسان في اتخاذه موقفا تفائليا من هذه المحاور يكون قد اختار لنفسه فلسفة اخلاقية فاضلة تعمل عملها سواء بطريقة شعورية ام بطريقة لا شعورية.

* مقتبس من كتاب التفائل والتشائم ليوسف ميخائيل اسعد، دار نهضة مصر للطباعة والنشر القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here