الحكومة العتيدة

لم أرد الكتابة من جديد وكنت شبه عازف عنها أو مطلقها ، لكن حياة العراقيين دفعتني دفعاً لكي أبين رأيي فيما جرى ويجري وماهو آت ، ليس من شك إن وثبة العراقيين وحماستهم وحلمهم ليكون لهم بلد مثل باقي بلاد الله ، كبيرة ولكنها تصطدم دائماً هذه الرغبة وهذا الحلم ، بأشباه الرجال الذين يضيعون الحق قطعة قطعة  ، حتى صار نهباً لمن هب ودب ، وأنتفت عندهم قيم القانون وحفظ النظام ، ومالوا حيث مال الشرير للحريق والسلب وكأنهم يطالبون بالحق في لغة أهل الباطل .
وكنا كما شعبنا صبورين ومحتملين لعل هناك في بلدنا رجل رشيد ، يحافظ على بعض هويته وبعض كرامته وبعض من تبقى له من عظام ولحم ، وكنا نناشد الخيرين وهم كثير ليهبوا هبةً وطنية خالصة بعيدين عن عجرفة وخسة الطوائف والاحزاب والشعبوية الضيقة ، ولم نألوا جهداً في مناصرة طالبي الحق والقانون ، ولازلنا ولازال أملنا باق مادام هناك نفس عراقي حر أصيل .
ونحن نعيش ذكرى أيام الإمام الحسين ودعوته (ع) للإصلاح وبناء الإنسان البعيد عن القبلية والفئوية ، يحدونا أمل أن يراجع كل فينا نفسه وعمله وتوجهاته ، ويضع نصب عينيه تلك الأرامل والثكالى وأولئك المعذبين الطالبين للقمة عيشهم بعز وكرامة ، ونحن نعيش الذكرى لابد أن لا ننسى أبداً أننا ببركة هذه الذكرى أصبحت لدينا دولة وحكم ، ولهذا يجب أن نفكر بعين الرضا والوحدة وننسى أننا  أجزاء متفرقات ليس ببننا وبين وطننا ربط وعقد ، بل الواجب ان ننسى خلافتنا وأنانيتنا ونجعل مصلحة الوطن والجميع أمام أعيننا ، حين نفعل وحين نخطب وحين نهمس في آذان الرفاق والأصحاب ، وننتهي من لغة التآمر والكراهية والحظ على الفتنة والتمرد على أسس الدولة ومؤوسساتها ، وعلى جميع المكونات ترك الثرثرة والكلام الفارغ والتوجه لبناء الوطن وإعماره ، فنحن بلد يستطيع النهوض سريعاً ومجدداً ولانحتاج كغيرنا لسنوات ، ذلك أننا نمتلك الإرادة والعزيمة ونمتلك الصبر والتعالي على المحن ، فلنتوجه جميعنا لتحديد مصير الوطن من دون حسابات ضيقة ومكاسب لا تسمن ولا تغني من جوع .
وإن ثقتي ببعض الشباب الذين دخلوا المجلس النيابي ان يفرضوا لغة الوحدة ولغة الوطن الواحد ، وان يجسدوا بالعمل معنى ذلك كما ان ثقتي بالشعب المطالب بحقوقه ان يهدأ قليلاً فقد آن الآوان للتوجه نحو العمل ، وليعلم الجميع ان بلد خرج للتو من مجموعة حروب وفتن حري بنا ان نقف معه نضمد جراحه ولا نزيد الطين بله ، نعم كان هناك فساد في الإدارة وفساد في السياسة وفي الإقتصاد وفي كل شأن وناحية من شؤون ونواحي الوطن ، وكنا نأمل أن يُحاسب هؤلاء على ظلمهم لشعبهم ، وأن يسود القانون والنظام  –  ولكن لا رأي لمن لا يطاع –  ، فضاع زمن الحساب وضاعت بوصلة التعريف بهوية ونوع المفسدين والفساد ، وكان السائد تلك المقولة العفنة  –  شيلني أشيلك –  وفيها طم على كثير مما كان مفروضا فعله وعمله ، فتقلصت يد العدالة ولم تمتد إلاَّ على الضعفاء والمساكين ومن ليس بيدهم حيلة ،  ولهذا نحن أمام إرادة لازمها العزم والحزم للتغيير من غير خوف ولا وجل ولا تطييب الخواطر ، خاصةً والبلد تنتظره مهمات جسام في ظل ما يحيط بالمنطقة والعالم ، وإن لم يكن من يتقدم المسيرة الرجل الرشيد القوي الأمين فلا خير بكل هذا العبث والفعل .
المنطقة ستمر بهزة كبيرة وأكبر مما نتصور ، وسيكون هناك تغيير في قواعد اللعبة ، والتدارك قبل فوآت الآوان فعل يقوم به الراشدين من القوم ، فإلى هؤلاء أقدم التذكير والنصيحة   أن أقطعوا الشك بالقين فلرب فرصة لم تعود ان لم تستغل على نحو صحيح وتام وناجز ، وهنا أشير عجلوا في تشكيل حكومة يكون للوطن فيها الصوت القوي ، فهي بحاجة له وهو بحاجة لها وأمر الحكومة العتيدة لا يجب ان يكون خاضع لمساومات وترضيات وإن كان ذلك كذلك  ،  عندها سيتراجع الوطن وتموت النار وليس هناك من ناجي بعد اليوم ..
راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here