الكاميكازي

د.عامر ملوكا

قبل ان نكتب عن قيم وقيمة الولاء للوطن واهميته للانسان في علاقته مع هذا الوطن لابد ان نعرج قليلا على مصطلح الولاء ومصطلح الانتماء للوطن . فالانتماء ،قد يشير في احد معانيه الى الولاء ، ولكنه لايرتقي ولايصل الى الولاء. فالانتماء قد يكون مؤقتا او دائميا وقد يكون طوعيا او متوارثا كالانتماء الى نقابة او فريق معين او الانتماء لقبيلة اوعشيرة او الانتماء الى دولة معينة من خلال الجنسية , وحتى التفاني وتكريس الذات والاخلاص والوفاء لاتستطيع ان تصل الى الولاء .اما الولاء فمن خلال التعريفات الواردة في المعاجم اعطيت له عدة معاني: المِلْكُ والقُربُ و القَرابةُ و النُّصرةُ و المحبَّةُ و الطَّاَعَة وَالإِخْلاَص.

وتشير معظم هذه المعاني التي اجدها لا تفي بالمعنى الحقيقي للولاء على الرغم من انها تشير على الرابطة العاطفية بين الانسان والوطن مادمنا نتحدث عن الوطن. والولاء هو تلك العاطفة وذلك الشعور الذي يمتلكه الانسان عندما يتذكر اسم الوطن ، وهو التفاني الارادي والعملي في حدوده المتناهية من قبل ذات معينة تجاه قضية معينة، وتكون هذه القضية قادرة على ان توحد مجاميع مختلفة في الدين والطائفة والقومية والعرق لخدمة هذه القضية. المشكلة التي تواجه بلدنا العراق هي كيف يمكننا المحافظة على الولاء لبلدنا في ظل التعقيدات التي يعيشها بلدنا العراق , اذ حل محل الولاء للوطن الولاء للطائفة او للقومية او للدين و…..الخ .

الولاء للوطن يجب ان يكون ذا قيمة ثابتة ومطلقة بعيدة عن التجاذبات والمتغيرات المحلية او الدولية ولاتتاثر بالنظم السياسية او الايدولوجية فهي ترتقي الى القيم العليا والثابتة كحقوق وحرية الانسان .اما الوطن فله معانٍ ودلالات كثيرة فهو الارتباط التاريخي للفرد بالارض من خلال الاصول والاجداد وهو مسقط الراس والبيت الكبير وهو حاضنة لتاريخ اجيال عبر الاف السنين وهوالارتباط بالارض ان كان عضويا او عاطفيا والجانب العاطفي يكون هو المتغلب والذي يجعل من تعريف الوطن ياخذ افاقا بعيدة وواسعة. وهو ايضا ذلك البيت الكبير الذي تستريح فيه النفس، وتأوي إليه الروح، وهوتلك الأرض التي تختزن بقايا موتانا والارض التي نعيش ونحيا ونموت فيها . واذا امنا بان الوطن هو فكرة جميلة وخالدة والتي تنصهر في عقلية كل افراد المجتمع بمختلف خلفياتهم ومرجعياتهم وانتمائاتهم لتُنتج واقعا اسمه الوطن والذي يتفوق على كل الانتماءات والافكار .اذا الوطن هو ذلك الموقف من تلك الارض التي توفر الامن والامان وتعطي الحقوق وتفرض الواجبات .ومن خلال هذه الجدلية : الاخذ والعطاء ، يسعى الانسان المواطن الى الاخذ اولا ثم العطاء وبقدر العطاء يجب ان يكون مقدار الاخذ لكي يتساوى الجميع ويشعر بالمساواة وهكذا وبتطور هذه العملية والتي تصبح تقاليد واعراف ينصهر مفهومي الاخذ والعطاء ليصبحا تقليدا وعرفا وليس مسالة مقايضة مع الوطن.

ولكن هل الولاء للوطن يتساوى بين من يتمتع بالحقوق وينعم بالامن والحرية والمساواة وبين من يعيش تحت خط الفقر وعددهم يتجاوز الخمسة عشر مليون في بلدي العراق. فبالتاكيد ان مفهوم الوطن والولاء له سوف يكون مهددا بالاهتزاز لان الجائع والمظلوم وفاقد الامان قد يكون الولاء للوطن بالنسبة له كالذي يغرق وتساله ان كان بحاجة للاكل او تساله ماذا ستفعل غدا .وهناك من احزاب الاسلام السياسي التي ترفع شعار المعتقد الديني او المذهبي اولا وتهمش او تلغي الولاء للوطن ، اي الاسلام اولا. وان الوطن هو صنيعة غربية تستهدف الاسلام والمسلمين ولايفوتنا ان اوربا قد تركت المسيحية اولا منذ اكثر من قرنيين واصبح ولاؤها للوطن وللانسان في بلدانهم او في عموم الكرة الارضية، ولهذا تاسست الكثير من المنظمات والهيئات الدولية التي تدافع عن حقوق ومستقبل هذا الانسان. وان الدول المتطورة والغربية لوعادت الى مبدا المسيحية اولا فسوف لن يكون ذلك في صالح الامم والشعوب المتخلفة او النامية.

لاشاعة مفهوم الولاء لابد من تدريب المجتمع على الولاء للوطن وهو تهيئة الاجيال الصغيرة على القدرة على الادراك والفهم لاية قضية اجتماعية نريدها ان تكون كاعراف وقيم وادخالها في المناهج التربوية وبالتدرج الى سن المراهقة يكون الانسان مهيأ للمرحلة القادمة. وعلينا طرح نماذج عراقية وطنية يقتدى بها وتصبح مثلا اعلى لهم وننتقل بالشباب من الولاء للاصدقاء والفرق الرياضية والفنية الى الولاء للقيم الاخلاقية والاجتماعية وبالتالي للولاء للوطن . فمثلا عندما يشجع غالبية الشعب العراقي منتخبنا الوطني لكرة القدم والذي يشكل من كل مكونات واطياف الشعب العراقي فهو صورة مصغرة للولاء للوطن الكبير العراق على الرغم من المحاولات البائسة لاحزاب الاسلام السياسي خنق وحرف مثل هذا الولاء من ان يكون باتجاه الوطن الى اتجاهات اخرى لاتخدم سوى مصالحهم الشخصية.

من اروع الامثلة على الولاء المطلق للوطن ومن خلال التضحية باهم مايملك الانسان وهو حياته جسدّها الطياريون اليابانيون في حربهم مع الولايات المتحدة وسميت هذه الظاهرة بال “الكاميكازي” ، وملخص فكرة “الكاميكازي” ، ان يجعل الطيار الياباني طيارته عبارة عن قنبلة كبيرة ويتجه الطيار بطائرته المحملة بالقنابل ومليئة بالوقود وباقصى سرعة يصطدم بالسفن الامريكية فيتم تدمير السفينة بالكامل وقتل من فيها او تعطيلها , وسبب ذلك خسائر كبيرة قاربت العشرة الاف قتيل والكثير من السفن والبوارج تم تدميرها وبلغت الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة بسبب الكاميكازي 10% من مجموع الخسائر طوال الحرب وجعلت البحرية الامريكية تعيش حالة الرعب والترقب لكل طائرة قادمة من جهة اليابانيين. ومعنى كلمة كاميكازي هو رياح الالهة فمتى تهب رياح الالهة على شعبنا ويتحول الكثير من شعبنا الى الكاميكازيين في حب الوطن، وفي مجالات العلم والتعليم والبناء والاعمار واحترام القانون واحترام العمل والوقت والدفاع عن الوطن ، ومن خلال تاريخ الشعب العراقي وصفاته الطيبة والموغلة في التاريخ وهو الاقرب الى الكاميكاز والولاء للوطن من بقية الشعوب .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here