الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق لا تجرب

لم تستطع المرجعية الدينية في النجف من النأي بعيدآ عن المعترك السياسي و هي التي عرفت بأبتعادها عنه منذ نشؤها و تفرغها لأمور الناس العبادية و الشرعية و تقديم النصح و المشورة لهم في ذلك الشأن الا ان الأحزاب الأسلامية كانت في اصرار شديد على اقحام المرجعية الدينية في الشأن السياسي من خلال الرجوع اليها في كل المسائل و المشاكل صغيرة كانت ام كبيرة في استدراج خفي و خبيث لأستنساخ حكم ( ولاية الفقيه ) القائم في ( ايران ) و تطبيقه في ( العراق ) و جعل المؤسسة الدينية على رأس السلطة السياسية و هذا ما ترفضه و بشدة المرجعية الدينية في النجف .

لطالما تبجحت الأحزاب الأسلامية ( الشيعية ) بتبعيتها الى المرجعية و استماعها للنصائح و الأرشادات الصادرة منها و التزامها بتعليمات المرجعية و تنفيذها و لطالما استغلت تلك الأحزاب الأنتهازية و قياداتها الفاسدة رموز المرجعية في حملاتها الأنتخابية من خلال الأدعاء كذبآ و بهتانآ بدعم هذا المرجع او ذاك لبرنامجها الأنتخابي و نهجها السياسي في محاولة وضيعة لكسب اصوات الناخبين و المقترعين من المواطنيين الذين يكنون الأحترام و التقدير لتلك المرجعيات و لها في نفوسهم شأن كبير و قد نجحت تلك الأحزاب البارعة في التحايل و المراوغة من استغفال المواطن البسيط و اجباره على التصويت لصالحها تحت طائلة العقوبة الألهية التي سوف تنال منه لاحقآ في الحياة الآخرة .

كان الفشل الذريع حليف تلك الأحزاب الدينية منذ سنوات عديدة مرت على تسلط تلك الأحزاب والتي اتاح لها الأحتلال الأمريكي للعراق من حكم البلاد وكانت تلك المدة من السنين الأكثر بؤسآ و تعاسة على الوطن و المواطنيين و من جميع النواحي الأمنية و الأجتماعية و الخدمية و لم يكن بأستطاعة ( حزب الدعوة ) الذي حكم العراق منذ سقوط نظام ( صدام حسين ) و لحد الآن ان يجد حلولآ مقنعة للمشاكل و الأزمات التي كانت نتاج سياساته الطائفية الأقصائية التي اوصلت البلاد الى هاوية الحرب الأهلية و حافة الأفلاس المادي و التدهور الأقتصادي و التقسيم القومي و الطائفي للمدن و الأحياء و حتى الأزقة .

ذلك ( النداء ) الذي اطلقته مرجعية النجف الدينية و التي يجب ان يسمعها من يدعون الألتزام بتوجهات المرجعية قبل غيرهم ( المجرب لا يجرب ) أي ان الذي نال حظه في الحكم و لم ينجح عليه الأنزواء و الأعتذار و فسح المجال امام الآخرين الذين لهم الحق ايضآ في التصدي لمهام الحكم و خاصة اولئك اصحاب الكفاءآت و الأختصاص و من خارج الكتل الحزبية التي اثبتت اخفاقها و فشلها و فضلت ولائها الحزبي على الولاء الوطني و كان حزب الدعوة هو النسخة التي تعكس توجهات كل الأحزاب الأسلامية بشيعتها و سنتها و التي لا تختلف عنه الا في التسمية فقط اما الأسلوب و التوجهات و الممارسات فهي طبق الأصل .

( نلزمهم بما الزموا انفسهم ) و هي الأحزاب و الحركات الدينية ( الشيعية ) و التي تصدح وسائلها الأعلامية بأستمرار و كثرة بالتغني بمآثر المرجعية و وجوب الألتزام بتوصياتها و تنفيذ نصائحها لما عرف عن المرجعية من حرص و اهتمام على مصالح الشعب و مستقبل ابناءه حسب رأي تلك الأحزاب و عليه فأن تلك الحركات السياسية الشيعية وجب عليها الأنصياع و الطاعة لأوامر و توصيات المرجعية و التي تدعو الى عدم ( تجريب المجرب ) و بما انها كانت قد حكمت البلاد ( العراق ) من خلال حزب الدعوة لسنوات عديدة و لم تنجح و لم تفلح في تقديم الأمن و الأستقرار و فشلت في تقديم الخدمات و لم تستطع النهوض بالواقع الأقتصادي فقد حولت الدولة العراقية و التي كانت من اوائل الدول العربية الوطيدة الأساس و الراسخة البنيان الى دولة فاشلة و ضعيفة تشكل حكوماتها برضى و موافقة الدول الأقليمية و تحكمها القوانين و الأعراف العشائرية و تتصدق عليها دول الجوار بالمساعدات و الهبات حتى صارت دولة ليست ذو شأن او اهمية .

لو جربت هذه الأحزاب الجاثمة الصدق و الألتزام بتعهداتها و لو كانت تحترم المرجعية و تقدر مواقفها حقآ و كما تدعي لكان من الواجب عليها الأستماع جيدآ الى نداء المرجعية و تنفيذه و هي أي تلك الأحزاب المعنية مباشرة بتلك التوصية و كان عليها ان تعلن موقفها بالأبتعاد عن الشأن السياسي و الأهتمام بالشأن الديني الأيماني الذي هو صلب عملها و اساس تكونها و ان تدرك جيدآ ان كل المشاكل و الأزمات كانت نتاج طبيعي من تداخل الدين بالسياسة و تشابكهما و ان الفصل بينهما هو احترام هيبة الدين و اهميته في نفوس المؤمنيين و ترك شؤون الحكم للسياسيين من اهل الصنعة و اصحاب المهنة الذين هم اعرف بالسياسة و دروبها و دهاليزها و اهل مكة ادرى بشعابها .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here