“أدلب” السورية — الفاتورة الملغومة الأخيرة

عبدالجبارنوري
توطئة/ وقد أدركتُ مبكراً أنّ من الممكن لفظ هؤلاء الطارئين على التأريخ بيد أنّ الحق لا يعطى ألاّ بعد أحداث بعض الضجيج/ جيفارا
مدينة ” أدلب ” محافظة سورية تقع في أقصى الشمال الغربي لسوريا تحاذي جزءاً من الحدود السورية – التركية ، وقد بلغ عدد سكانها في 2011 6-2 مليون نسمة وتبلغ مساحتها 5464 كم2 ، تمردت المدينة عن سيطرة النظام بشكلٍ كامل في آذار 2015 وبقيت كل من كفريا والفوعة والزبداني ومضايا محاصرة ولكنها تحت سيطرة النظام لخضوع هذه المدن الأربعة رهناً للأتفاقيات وخفض التصعيد ، وقف المشهد السوري العسكري اليوم على مفترق طرق يتوقف عندهُ رهانات المستقبل في دفع الجمهورية السورية لآخر فاتورة وطنية في مفهوم التحرير ، وقد أبلى الجيش العربي السوري ولمدة أكثر من ست سنوات بلاءاً حسناً وبشجاعة قيادته الحكيمة بخوض أشرس معارك الشرف في مفهوم تحريرالأوطان ضد موجات برابرة خارج تغطية التأريخ وكانت لأنعكاساته السلبية والمستلبة مشهد عسكري وأمني مضطرب مما دفعت قوى الظلام مدفوعة بالمال السعودي القطري الأماراتي وبتأييد أردوغان السلطان المعثمن وبنتاكون الشر ورئيسها تاجر العقارات المهوس ترامب أحتواء أدلب في دخول المعركة مع الحراك الشعبوي والفئوي التي بدأت كمعارضة ثم أستُثمرت وأستغلت مبكراً شأنها شأن المحافظات الأخرى والتي كانت بداياتها تظاهرات سلمية ، ثُم تطور الأمرإلى خط الكفاح المسلح كدفاعي ثم هجومي في 2012 بعمالة المال الخليجي الملياري وأستثمارمسارها من قبل الميليشيات الأثنية والطائفية ، وتبنت الحركات المتطرفة قيادة الغليان الشعبي في المدينة والسيطرة التامة عليها ، ثم خضعت أدلب لجيش الفتح 2015 ثم جبهة النصرة وبعدها هيئة تحرير الشام وما أفرزت من تمدد عسكري وأداري ومدني والسيطرة التامة على المحافظة وبأتفاق الأقطاب اللاعبة الأساسية على أرض الواقع كل من روسيا وتركيا وأيران في مؤتمر أستانا أخضعوا المدينة لعدة محاولات لوقف أطلاق النار أو ما سمي بخفض التصعيد والتوتر وتكررت لعبة مؤتمرات أستانا الستة في 15 سبتمبر 2017 وتمخض في تقاسم الأدوار والنفوذ في المدينة وتكريس فصلها عن سيطرة الحكومة السورية تماماً ,وخلال قراءتي لحيثيات المدينة رأيتُ عجب العجاب وكأنّ ” أدلب ” محاطة بحزام ناسف والصاعق لا يعرف بيد من !؟ ترامب أم أردوغان أم بيد كليهما !؟
الألغام والتحديات أمام تحرير المدينة /
-التحديات السكانية وهي أولى المعطيات الأنسانية حيث أختلاط المجموعات الأرهابية وتغلغلها بين السكان وتلك التكتيكات التي يستعملها العدو الأرهابي في الأحتماء بالبشر وأتخاذها دروعاً بشرية وهي من أشرس وأخطر المعارك والتي خرج منها الجيش العراقي منتصراً في تحرير الموصل ، وأصبح جو أدلب ضبابي يتكنفهُ المجهول والجدل والتفسيرات المغرضة والرغائبية التي تتولى أطراف خليجية وعربية وغربية وصهيو أمريكية وصراعات دبلوماسية عدوانية أيرانية تركية ببثها والترويج لها .
– تعتبر أدلب الملجأ الأساسي في التهجير القسري الممنهج من كافة المناطق أليها ، منذُ تهجير مدينة حمص القديمة في 2014 ثم حلب الشرقية وثم ريف دمشق والأنتهاء بتهجير ريف حمص الشمالي في أيار 2018 .
– والخطورة هنا أن معظم المهجرين يتخللهم مدنيين وعسكريين منتمين لمجموعات مصنفة كأرهابيين مما عقّد المشهد الديموغرافي علماً أن مشكلة الطرد المركزي للمدينة بسبب التخوف من الحرب المحتملة ستشكل مشكلة مستديمة للأتحاد الأوربي ، والتوقعات تشير إلى نزوح أكثر من 2 مليون أنسان مع مليون طفل .
– أدلب مفسمة بين أطراف النزاع كالتالي :1/مناطق سيطرة قوات المعارضة منتشرة على أغلب جغرافية المحافظة مساحة .2- مناطق سيطرة تحرير الشام متغلغلة مع قوات المعارضة . 3- مناطق قوات الميليشيات الموالية للنظام متواجدة على شكل نقاط عسكرية ذات نفوذ في أطراف المدينة من الخارج . 4- مناطق مراقبة للجيش التركي حول المدينة من الداخل ، مدعومة بقوات عسكرية من الكوماندوز ودبابات وعربات مجنزرة وسمتيات ومقاتلات أمريكية الصنع ومئات من الطائرات المسيرة وكأنها مقبلة على حرب كونية مصيرية ، ويظهر أن العملية سوف تبدأ خلال الأيام القليلة القادمة وسيكون لتركيا أسناداً عسكرياً ولوجستياً لفصائل الجيش السوري الحر والداعمة الأساسية لفصائل المعارضة .
– من الأعلام العسكري الروسي أن الجيش العربي السوري مع حلفائه سيحشدون 25 ألف جندي مقاتل لتحرير مدينة أدلب السورية المنيعة جداً والمليئة بالتحصينات والخنادق والأنفاق وآلاف الألغام والعبوات الناسفة أضافة التحصينات معدة من خبراء عساكر جنرالات الجيش التركي والصهيو أمريكي في نصب الكمائن والأسلاك الشائكة وألاف القناصين المحترفين .
– ويتواجد في أدلب جيش الشام وجيش جبهة النصرة الأرهابية والجيش السوري الحروالجيش التركي ، وتحالف يضم 27 منظمة عسكرية من الأكراد والعرب والسريان والأرمن التركماني الهدف أنشاء سوريا ديمقراطية علمانية بقيادة كردية ربما من PKK عدوة تركيا التقليدية وهي مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدد قواتها بين 40-50 ألف مقاتل ومقاتلة ، ومجال عملياتها تشمل محافظات حلب والحسكة والرقة ودير الزور ، ويوجد بعض التنسيق بين المنظمة والجيش السوري في المهمة المشتركة طرد داعش ، وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على مساحات حدودية شمال سوريا من القامشلي وحتى حدود ( تل أبيض ) ثُمّ ( منبج ) التي تعتبر أقرب نقطة لعفرين ، بينما القوات التابعة لتركيا تسيطر على المثلث الواقع بين مدن جرابلس والباب ومدينة عزاز السورية .
– والطبيعة الوعرة لجبل الزاوية المحيطة بالمدينة والتي تقدم خدمات عسكرية تحصينية للأرهابيين ، وربما حتى الطيران الروسي يصعب عليه أنجاز مهماته وبالتأكيد سوف تكون معارك ضارية وشرسة وكبيرة وسوف يفتح الجيش العربي السوري أبواب جهنم على العدو الغاشم ويدخل من عدة جبهات ومحاور متعددة بدءاً من أريحا إلى مدينة جسر الشفور وألى مدينة معرّة النعمان وإلى ضاحية سراقب ، وبغياب البديل أمام الجيش السوري الهمام سوى تحرير أدلب العزيزه ، وخلال متابعتي لأبجديات المعركة وجدتُ ” أصرار وتحدي سوري جعل معركة أدلب مفتوحة حتى نيل النصر وفرحة التحرير للأرض السورية المغتصبة وذلك للمعطيات الأيجابية والمعنويات العالية لدى المقاتلين السوريين المرتكزة على عقيدة حب الأوطان والتضحية للتحرير، والضمان الثابت والأكيد للموقف الروسي لسورية من خلال الدبلوماسية والدعم العسكري الغير محدود ، أضافة إلى فشل مؤتمر أستانه لجلساته الستة في تمييع القضية السورية ، وأنقسام وتصدع جبهات الأعداء من خلال صراع الديكة بين أيران وتركيا وأنعكاساتها على تشظي الميليشيات الأرهابية .
– التدخل التركي : يأتي- حسب قناعتي – لمنع حصول أتصال بين أدلب والمناطق الخاضعة لسيطرتها التي على حدودها مع سوريا ، فهي تنظر إلى وحدات حمية الشعب الكردي بنفس النظرة لحزب العمال الكردستاني لذا أنها بكامل الجهوزية العسكرية بثلاث فرق مدرعة وفرقتان مشاة وثلاث فرق مدفعية و32 مروحية و18 طائرة أمريكية حديثة وإلى 150 طائرة مسيّرة بدون طيار أضافة إلى مئات القناصين المدربين أوربيا وجهد هندسي، وآخر الأخباراليوم تعزيز تلك الترسانة العسكرية الغاصبة والمعتدية بأرسال قوات كوماندوز إلى منطقة ( ريحانه ) على الحدود السورية التركية ويبدو المشهد التركي العسكرتاري وكأنها داخلة لحربْ كونية .
أرى أخيرا أن كل الأحتمالات والسينيوروهات مفتوحة لكون الأستعدادات مريبة وبشكل مخيف ومرعب مشوبة بغليان وهوس أوربي غربي الأتحاد الأوربي يتخوف من توسونامي المهاجرين وألمانيا وبشكل غير مسبوق تصرح ميركل بدخولها في الحرب في حالة دخول الجيش السوري المدينة ، وقد أبدو محقاً حين أتوقع أستنساخ ما حدث قبيل الحرب الكونية الأولى في حكاية مقتل أرشيدوق النمسا في مدينة سراييفو على يد الصربي ( غافريلو برينسيب ) المدفوع من قبل منظمة اليد السوداء الصربية ، وفي أرتكاب أحد المجرمين المهوسين حماقة أغتيال رأساً مهما كبيراً وتشتعل المنطقة حينها !؟ وتبقى الآمال معقودة على صمود الجيش العربي السوري والمتحالفين معهُ والقوة الجوية والبحرية الصاروخية الروسية الضاربة تتمكن من تأمين الحماية لقاعدتي حميحيم وطرسوس مع تقديم الدعم العسكري والأستشاري واللوجستي للجيش السوري في مواجهة أساطين الأرهاب الدولي .
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
18-أيلول -2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here