أستحالة الخروج من عنق المحاصصة

لا نأتي بجديد ولا نعيد اختراع العجلة ان قلنا ان هذه الأحزاب و التكتلات القومية و الدينية و الطائفية لا يمكن لها ان تكسر نظام المحاصصة هذا لأنها اساسآ قد قامت و نشأت بما لديها من حصة او نصيب من هذا الشعب المتنوع الأعراق و الأديان و المذاهب و لم يكن هناك من حزب او حركة سياسية عراقية مؤثرة و فاعلة في الميدان السياسي لا تؤمن بالمحاصصة و المقاسمة عدا الحزب الشيوعي العراقي و هو حزب اصبح ذو تأثير محدود او غير مؤثر و عدد آخر من الحركات السياسية الصغيرة و التي لا اهمية تذكر لها في الشأن السياسي العراقي .

اجبرت الأحزاب القومية الكردية على الدخول في المعترك السياسي العراقي من خلال رفض الحكومة العراقية و دول الجوار نتائج الأستفتاء الذي تم في اقليم كردستان بشأن الأستقلال و تقرير المصير و الذي كانت نتائج ذلك الأستفتاء الجماهيري الواسع في صالح تقرير المصير و اقامة الدولة الكردية المستقلة الا ان الوضع الدولي و الأقليمي لم يكن في وارد القبول بتلك الدولة فقد تم وأد نتائج الأستفتاء و ان بقي حلم الدولة الكردية حبيس النفوس و لم يبرحها و هكذا كانت هذه الأحزاب المعبر عن آمال و طموحات الشعب الكردي و المدافع عن حقوقه و منجزاته بالدرجة الأولى و ان ادعت انها في موقع الدفاع عن مصالح و آمال الشعب العراقي بكافة قومياته و اديانه و اقلياته فأنه يبقى مجرد ادعاء لا اكثر .

اما الأحزاب الدينية و المذهبية فبقيت تراوح مكانها و لم تستطع ان تبرحه الى الديانات و المذاهب الأخرى فكان كل حزب ديني مختص بأتباعه و المؤمنين به يدافع عنهم و عن مصالحهم فقط دون غيرهم و كذلك كانت الأحزاب الطائفية معنية فقط بأولئك الذين ينتمون اليها و يؤدون طقوسها و شعائرها و يلتزمون بتعاليمها ان تذود عنهم و عن مصالحهم و اما الآخرين من اتباع المذاهب الأخرى فلهم من يدافع عنهم من احزاب هي الأخرى طائفية و مذهبية بأمتياز .

حين كان لابد من النهوض من الكبوة و الأستفاقة من الغفوة كان لابد من تحطيم احزاب الثالوث المشؤوم الحاكم القومي- الديني- الطائفي و الذي على اساسه و وفق معطياته تم تقسيم البلاد و السلطات و المحافظات و المناطق و لم يكن بأستطاعة الشخص الكفوء و المؤهل و النزيه من شغل مكانه المناسب لأن ذلك المكان مخصص للأقوام الذين هم من غير ملته او ذلك المكان كان من حصة حزب ديني من غير ديانته او حركة مذهبية تخالف طائفته و هكذا استولى على المناصب و الوظائف الرفيعة في الدولة أناس و شخصيات غير مؤهلين و لا هم ذو اختصاص او نزاهة لكنهم ينتمون لتلك القومية او يدينون بتلك الديانة او يعتنقون ذلك المذهب .

لقد جربت كل الأحزاب و الحركات السياسية في العراق و على مدى السنين الماضية هذا النمط من انظمة الحصص و المقاسمة فكانت النتيجة مفزعة و مفجعة فقد ادار و قاد الدولة و منذ الأحتلال الأمريكي مجموعة من الأشخاص الأنتهازيين و المرتشين و عديمي الضمير الذين كان جل اهتمامها مصالحهم الشخصية اولآ و مصالح احزابهم و كتلهم ثانيآ اما مصالح الشعب و الناس فأنها لم تكن في حساباتهم ابدآ ما انعكس سلبآ و واقعآ مزريآ على حياة المواطنيين الذين ذاقوا العذاب و تجرعوا المرارة من فقدان هيبة القانون و انعدام الأمن و تردي الواقع المعيشي و تدني مستوى الخدمات .

لم يكن مستغربآ ان تدافع هذه الأحزاب عن اسلوب المحاصصة و التقسيم الفاشل هذا في الحكومة و مجلس النواب و هو ما يضمن لها المقاعد البرلمانية و من ثم الوزارية و هذا ما تصبو اليه تلك الأحزاب في اقتسام الغنيمة و توزيع ثروات البلاد فيما بينهم و الأستحواذ على مقدرات الدولة و هذا ما حصل فعلآ و هذا ما يتيح لها النظام التحاصصي لذلك ليس من مصلحة تلك الأحزاب و الحركات التخلي عن المحاصصة و الذي يعني التخلي عن ( حصتها ) في الحكم و ( نصيبها ) من ثروة البلاد و هذا من المستحيل القبول به حتى و ان كان ذلك الثمن الغالي في خراب البلاد و تدميرها و ما عرف من امتلاك تلك الأحزاب الفاسدة من الأنتهازية و النفاق ما يجعلها منسجمة مع الطبيعة النفعية التي جبلت عليها و اصبح من المستحيل التخلص من نظام الحصص هذا طالما بقيت هذه الأحزاب تمارس العمل السياسي في تغطية لأعمالها المشبوهة في القتل و الأيذاء و نهب المال العام تحت مظلة شرعية الدولة و رعاية القانون و حماية الأجهزة الحكومية لذلك فأن هذه الأحزاب غير مستعدة للتنازل عن تلك المنافع و الأمتيازات و ليذهب الوطن و معه المواطن الى الجحيم .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here