حقبة العراق … “الإسلامية”

د. عبدالرضا الفائز
[email protected]

العراق الحديث حقب، في إرهاصاتها (رغم وجود من ليس منها فيها)، نسبة إلى طابعها العام ونمطها الغالب. فالحقبة التي تلت الفتح البريطاني ملكية، وما تلى 14 تموز جمهورية، وأبناء عارف والبعث إشتراكية، والتي تلت مجزرة الخلد صدامية. كذلك تكون التي تلت السقوط “إسلامية” نسبة إلى طابعها الغالب ورجال عهدها. ولكل حقبة ملامحها وسماتها.
ولأننا نعيش الحاضر فلابد أن نسأل ما هي ملامح وسمات الحقبة الأخيرة “الإسلامية” التي نعيشها وماذا سيكتب عنها؟ … أتت “ديمقراطيا” بعد سقوط … فهل تواكبت مع الطموح، وهل طورت الواقع، فتفاعلت فكرا ووجدانا رغم ما حظيت به من دعم وفرص؟ وهل تكلمت لغة الناس الذين أعتقدوا برجالها الأمل بعد عهود؟ وهل لبت قيم الإسلام ومبادئه الكبرى “العدل والطهارة” لتذهب في إنجازات للناس والوطن كما أنتصرت في العالم حقب تكلمت لغة الناس، أم تعثرت برجالها عن ما يريده الناس ليقضى عليها كما قضي على ما قبلها؟ فتلحق بغيرها بعد فشل تجربة وتنزوي بعد قلة خبرة في دهليز ضيق وأصيص عتيق؟
حقب العراق التي مرت “دول”، كل حقبة تبدأ تباشير عهدها قبل أن تتمكن وتتولى، وكل حقبة تتمظهر نهايتها قبل أن تزول. فقد سقط صدام بعد الكويت وعند تأسيس ذلك في مجزرة الخلد وحروب عبث، وإن بقى لمن أرادوه تفاحة فاسدة يسهل قطعها ولا يرفض أحد سحقها. فكتب قانون تحرير العراق وتم تصوير سيناريو إسقاطه، بسنوات سبقت السقوط.
إن فشل اليساريون والقوميون في دول العالم الثالث ليس عفويا، لإن سياسة “الضرب تحت الحزام” قد أقرت أيام الحرب الباردة خيار الضد النوعي، وهي حرب بلا تكاليف عدا لوجستيات داعمة. هكذا خسر اليساريون والقوميون والوطنيون معاركهم (وقضاياهم) في قتالات بينية (النوع ضد نوعه) بعد أن خسروا الناس حين تعثروا في لغة الناس. فهل ركب إسلاميوا السلطة في العراق قاطرة الخسارة والزوال وهم في فخ نشوة السلطة التي تورط فيها قبلهم؟ إن فقرهم النظري وتعددهم “الحزبي” وضعفهم العملي وشهيتهم للقوة والسلطة والمال وألتباس بصيرتهم وأرتباك نسيجهم وعملهم بغير المناسب يزيد عزلتهم، ولهم يترتب عن ذلك بعد ذلك، ما يحكم التاريخ الذي سوف لن يعذر الغافلين ولا ينسى الذين أنساقوا وراء غرائزهم وفضلوا ملذاتهم على قضاياهم.
فالعراق اليوم يتميز كونه اشهر الدول فسادا والاول في الإنجاز تخلفا، وهذا ليس في الكشف سرا، أو في القول سبقا. وذلك ما يتراكم الآن وينتشر كالوباء (!) وذلك ما تتحمله الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، حيث يحتل الإسلاميون النسبة الأعلى، بل القيادة. مما يجعل تسمية الحقبة “إسلامية” في النوع (دون الجوهر) مشروعة. ففي ممارستها السلطوية ينقسم رجالها قسمين، فاسد وساكت (وإستثناء قليل).
إن تميز هذه الحقبة عموما بالفساد والفشل في أشكاله العديدة وأثره المكلف والفادح على العراق يجعل سكة الحقبة الإسلامية في طور الزوال أن لم تتقن لغة الناس، فهل تستطيع وهل ترى يستبصر رجالها الخطر، أم هم في العسل يغفون، تحيمهم مواكب الحراسات وترضيهم فائض الإيداعات. إن لغة الناس بسيطة ومباشرة تكلمت بها كل الأديان والمبادئ وحدثها الأنبياء والمصلحون. أسس أبجدياتها التواضع والصدق والعفة والإمانة والإخلاص بالإلتزام والحزم في الإتقان. وعنوانها الباهر الكبير، الطهارة والإنجاز.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here