سيناريوهات تشكيل الحكومة المقبله

ساهر عريبي

لم تسفر نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في السويد عن فوز أي من الأحزاب أو التحالفات بأغلبية النصف زائد واحد اللازمة لتشكيل الحكومة المقبلة, مما ترك البلاد في أزمة سياسية كان يمكن تجاوزها لولا التمسك بالقيم والأعراف الديمقراطية.

فالحزب الاشتراكي الحاكم الذي تصدر الانتخابات السويدية لم يفز إلا بـ 100 مقعد من مجموع مقاعد البرلمان السويدي البالغة 349 مقعدا. وأما على صعيد التحالفات السياسية فإن تحالف اليسار الذي يضم بالإضافة الى الاشتراكي كل من حزب اليسار وحزب البيئة بلغت مجموع مقاعده البرلمانية 144 فيما فاز تحالف يمين الوسط برئاسة حزب المحافظين بـ 143 مقعداً أي أقل من تحالف اليسار بمقعد واحد فقط.

لكن حزب السويديين الديمقراطيين المعادي للمهاجرين أصبح بيضة القبان إذ فاز ب 62 مقعدا , وأصبح مصير الحكومة الحالية في يده فهو قادر على حجب الثقة عنها أو دعمها أو منح أصواته لحكومة يشكلها اليمين. وتبدو امام الحزب الاشتراكي فرصة ذهبية للاستمرار في حكم البلاد للسنوات الأربع المقبلة فيما لو وضع يده بيد حزب الديمقراطيين.

لكن قيم ونهج الحزبين المتعارضة تحول دون ذلك, فتكتل اليسار يتبنى سياسة أكثر انفتاحا على المهاجرين , كما وأنه يضع نصب عينيه في سياساته وبرامجه الحكومية تحسين اوضاع الطبقة العاملة والمتوسطة عبر تخفيض الضرائب عنها ورفعها على الأغنياء. كما ان سياسته الخارجية معروفة بدعم حقوق الإنسان وخاصة حق الشعوب في تقرير مصيرها.

ويبدو حزب الديمقراطيين أقرب الى أحزاب اليمين فكلاهما معارض لحكومة الاشتراكيين ويتبنيان سياسات حكومة تختلف عنها, لكن كل ذلك لم يغير من قناعة الأحزاب اليمينية في عدم التحالف مع حزب الديمقراطيين الموصوف بـ “العنصري” لأسباب مبدئية أولا وكما عبر عن ذلك زعيم حزب الأحرار بيوركلند وكذلك زعيمة حزب الوسط آني ليف, و لخوف أحزاب اليمين من تصاعد شعبية حزب الديمقراطيين فيما لو دخل في الحكومة.

ولذا فقد أعلن تحالف اليمين قبيل الإنتخابات عدم عزمه التحالف مع هذا الحزب لتشكيل الحكومة الجديدة. لكن كلا الطرفين يرغب في اسقاط حكومة الاشتراكيين وهو ما بدأت بوادره عندما أعطى حزب الديمقراطيين أصواته لمرشح أحزاب اليمين للفوز بمنصب الناطق باسم البرلمان(الرئيس) وهو أعلى منصب في البلاد بعد الملك الذي لا يتمتع بأي صلاحيات. فقد فاز أندرياس نورلين بالمنصب , في حدث استثنائي لم يحصل منذ أربعين عاما في السويد وهو خسارة مرشح الحزب الفائز في الانتخابات لرئاسة البرلمان.

واللافت أنه ومنذ إعلان نتائج الانتخابات لم يغادر أي نائب فائز لحزبه أو كتلته وانضمامه لحزب أو تكتل آخر, فذلك يعتبر خزيا وعارا على النائب وإن كان مسموحا به قانونا لكنه يفقده مصداقيته ويثبت انه بلا مبادئ. كما وان عملية انتخاب رئيس البرلمان تمت بكل شفافية وسرية ولم تعكس سوى الواقع , فلا إجبار ولا إغراء للأعضاء للتصويت لصالح مرشح معين ولا مراقبة ولا محاولة إقناع ولو حصل ذلك فسيعتبر أسوأ فضيحة في تاريخ السويد ووصمة عار في جبين العملية الديمقراطية واستخفافا بالشعب السويدي وبكرامة البلاد وتشويها لسمعتها بين الأمم.

مصير حكومة لوفين

ومع انتخاب رئيس للبرلمان فإن عملية تشكيل الحكومة الجديدة دخلت مرحلة مهمة , إذ دعا رئيس البرلمان الجديد الى التصويت على منح الثقة للحكومة الحالية التي يرأسها الاشتراكي ستيفان لوفين بعد يوم من انتخابه, ومن المتوقع أن يتم حجب الثقة عنها اليوم الثلاثاء عبر تصويت السويديين الديمقراطيين ضدها ولصالح أحزاب اليمين, فما يهم هذه الأحزاب حاليا هو إسقاط حكومة الأقلية الاشتراكية.

ثم تبدأ المرحلة الثانية ألا وهي تكليف رئيس البرلمان لأحد المرشحين لتشكيل الحكومة ومن المتوقع هنا أن يكلف مرشح اليمين وهو رئيس حزب المحافظين أولف كريستورسن. وهنا لابد من ان يحصل المرشح على أغلبية النصف زائد واحد وهو مايفتقده تحالف اليمين وهنا يأتي دور الحزب الديمقراطي لمنحه الثقة وبالتالي يتم تشكيل الحكومة الجديدة.

سيناريوهات

وهنا تبدو ان هناك عدة سيناريوهات محتملة وأولها أن يتحالف اليمين مع حزب الديمقراطيين ويشكل الحكومة الجديدة على ان يمنح هذا الحزب بعض المناصب الوزارية ولكن هذا الاحتمال يبدو مستبعدا حاليا لأن ذلك سيشكل فضيحة لأحزاب اليمين في ان تتحالف مع حزب يوصف بانه عنصري من ناحية, ومن ناحية اخرى فإن هذا التحالف يخشى من صعود نجم هذا الحزب الشعبوي.

واما السيناريو الثاني فهو أن يشكل اليمين الحكومة لوحده وان يحظى بدعم من حزب الديمقراطيين دون دخولهم في الحكومة, لكن هذا السيناريو مستبعد أيضا فهذا الحزب لا يمكنه ان يقدم دعما مجانيا لهذا التحالف ولابد في هذه الحالة من تعهد تحالف اليمين بتطبيق سياسة هجرة متشددة وفقا لرؤية الديمقراطيين, وهذا الشرط سيعني رضوخ اليمين لمطالب الديمقراطيين وهو مايعني تقوية شوكتهم وفي المقابل إضعاف اليمين وبما يؤدي لتراجعه في الانتخابات المقبلة.

وأما السيناريو الثالث فهو فشل المرشحين لرئاسة الحكومة ثلاثة مرات في نيل ثقة البرلمان وهنا لا بد من الذهاب الى انتخابات مبكرة خلال ثلاثة شهور, ويبدو هذا السيناريو أيضا مستبعدا نظرا لأن ذلك يعني مجازفة تحالفي اليسار واليمين في الدخول في انتخابات قد تؤدي الى مزيد من تراجعهما خاصة وان الحزبين الرئيسين أي الاشتراكي والمحافظ خسرا مقاعد لصالح حزب السويديين الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة.

ولذا فإن السيناريو الأقرب هو أن يشكل تحالف اليمين حكومة أقلية لن يسقطها تحالف اليسار بل يعطيها أصواته مقابل عدم تنفيذ اليمين لسياساته المتعلقة بالضرائب وغيرها بشكل متطرف , لأن المهمة التالية للحكومة هو تقديم موازنة البلاد في موعد أقصاه يوم 15 من شهر نوفمبر المقبل, حيث يمكن للاشتراكيين وحلفاؤهم حينها عدم تمرير الموازنة وبالتالي اسقاط الحكومة. ويبدو هذا الخيار ردّا للجميل من تحالف اليسار لتحالف اليمين الذي سمح للاشتراكيين بحكم البلاد خلال الأربع سنوات الماضية بالرغم من عدم تمتعهم بالأغلبية البرلمانية لكنه آثر عدم التعاون مع حزب الديمقراطيين من أجل اسقاط الحكومة الاشتراكية.

إن تطور الديمقراطية السويدية ورقيها لا يعود الى انها تجربة عمرها عشرات السنين فحسب ولكنها نتاج للرقي الأخلاقي والقيمي الذي تفتقده الديمقراطية العراقية التي تباع فيها وتشترى أصوات النواب في سوق النخاسة, فمن يبيع صوته لصالح مرشح معين لرئاسة البرلمان هو حاضر لأن يبيع العراق مقابل ثمن أكبر , لأن الانحطاط والدناءة وصلت الى مستويات غير مسبوقة ولا علاقة لها بعمر التجربة الديمقراطية , فهي تعكس انحطاطا في الأخلاق والقيم بالرغم من ادعاء هؤلاء بألسنتهم بان منظومتهم القيمية هي الأفضل , لكنها أثبتت بأنها الأرذل!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here