غياب العمل التطوعي للجانب الصحي وانعدام الخدمات الطبية الخيرية بين الواقع والطموح .

مدير مركز الرازي: هدفنا تقديم الخدمات الطبية وخصوصاً للعوائل المتعففة والنازحين فضلاً عن منتسبي الحشد الشعبي.

*الدكتور علي محي الدين : ينبغي على الحكومة توفير الضمان الصحي للشعب وخصوصا للأسر المحتاجة.

*الناشطة سارة السهيل : ضرورة اعادة ثقافة التكافل بين الناس و زيادة الوعي عبر وسائل الاعلام و في المدارس و الجامعات و المنابر الدينية .

*تقع على المؤسسات التشريعية في البلاد سن القوانين التي توفر الضمان الصحي للمواطنين وخصوصا للمحتاجين

زهير الفتلاوي

نرى مشاهدات تطوعية تقدم في الزيارات المليونية للعتبات المقدسة، وتقديم شتى أنواع الخدمات الخيرية بضمنها الطبية ولكن تكاد تنعدم في البلاد ، فإن العمل التطوعي الصحي ان توفر يعد من الأنشطة التطوعية المهمة ويخفف الأعباء التي تتحملها المؤسسات الصحية الرسمية ماديا ومعنويا، حيث يتم توفير الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية لبعض المرضى بالتعاون مع الجهات الحكومية وشركات الأدوية، ولكن لم نرى برامج حقيقية لتطوير العمل التطوعي الصحي للعاملين في الشؤون الصحية في البلاد. والمؤسف أن النتائج كشفت عن غياب شبه كلي عن العمل التطوعي الصحي بين العاملين في الشؤون الصحية مثل وزارة الصحة ونقابة الاطباء، والعيادات الطبية الخاصة والمستشفيات الاهلية، ولا توجد قوانين في وزارة الصحة تساند وتدعم تلك الأعمال ويتم دعم الاستثمار في هذا المجال. التقينا نخبة من العاملين في المجال الطبي والعمل الخيري في المؤسسات الصحية والقطاع الخاص لمعرفة دواعي غياب هذه الجانب المهم. كان اول المتحدثين الدكتور (أوس ناجح جميل) من مركز الرازي لتقديم الخدمات الطبية الخيرية أخصائي طب الطوارئ والأمراض القلبية إذ قال: «ان المجمع تابع لجمعية الهلال الاحمر العراقي ونعمل منذ اربعة سنين لنقدم العديد من الخدمات الطبية منها الاستشارات الطبية العلاجية (الأطفال – النسائية والولادة- الأنف والأذن والحنجرة– الباطنية– الجلدية– التجميل والليزر) يدعمها نخبة من الكوادر الطبية من الاستشاريين والأخصائيين وكادر تمريض مؤهل بأعلى الشهادات والخبرات بجميع الأقسام». وأضاف «المختبر يوفر التحاليل البيولوجية، البايوكمستري، الهرمونية والسيرولوجي وبأحدث الاجهزة ومن مناشئ عالمية، فضلا عن الأشعة واجهزة الرنين المغناطيسي، المفراس الحلزوني وجهاز x-ray، والفحص والتشخيص بأحدث اجهزة السونار من مناشئ عالمية وصيدلية متكاملة وبدوام صباحي ومسائي وعلاج الحالات الطارئة والضماد والعمليات الصغرى، والأسنان، وقائية وعلاجية، وفحص وعمل حشوات عادية وضوئية وتوفر اجهزة الفحص الاعصاب والناظور بأيدي اطباء اختصاص في هذا المجال». ويشير الى «تقديم الخدمات الطبية وخصوصا للعوائل المتعففة والنازحين فضلا عن منتسبي الحشد الشعبي كافة بالتعاون مع طبابة الحشد الشعبي وعوائل الشهداء والجرحى، وندعو من خلال صحيفتكم الغراء العوائل الفقيرة والمحتاجة الى الخدمات الطبية لزيارة المجمع اذ نقدم لهم الخدمات الطبية مجاناً، وهناك لجان تخصصية تعمل بالتعاون مع جمعية الهلال الاحمر لغرض الاهتمام بهذه الشريحة والعناية بفصائل الحشد الشعبي التي ضحت من اجل أمن وسلامة البلاد، ولدينا العديد من المختبرات للهرمونات و التحليلات المرضية ويزور المركز يوميا عشرات المراجعين ونقدم لهم افضل الخدمات الطبية». وأضاف «نقدم الخدمات بأجور رمزية لبقية المواطنين ولدينا اجهزة المختبرات والتحليلات المرضية الحديثة لاسيما ان كلفة تلك التحليلات في القطاع الطبي الخاص مرتفعة جدا، عيادات خاصة لطب الاسنان والعيون ومستمرون بالدوام الصباحي والمسائي، اطباؤنا لديهم الخبرة المتراكمة وتم تدريبهم في بريطانيا ونعمل وفق النظام الصحي المعمول في بريطانيا ونخضع لضوابط وعمل وزارة الصحة العراقية التي دائما ما تشيد بهذه التجربة وتثني عليها ولدينا العديد من كتب الشكر والتقدير للمؤسسات العراقية». ويضيف الدكتور أوس مدير المركز ان «هناك حملات تطوعية للمركز لزيارة المناطق التي تقع في اطراف بغداد الكرخ والمدارس ومعاينة التلاميذ والكشف عن المياه والنظافة وامور اخرى تخص الواقع الطبي، وقد شخصنا العديد من الملاحظات التي تخص صحة وسلامة التلاميذ ووضعنا لها الحلول الطبية الصحيحة، وهناك تعاون مثمر مع منظمات المجتمع المدني وارسال بعض المرضى الى خارج العراق لغرض تلقي العلاج، لدينا تنسيق مع المجالس البلدية لغرض تقديم افضل العلاج للعوائل المحتاجة والعناية بطب الاسرة وتم اجراء الفحص على النساء وخصوصا فيما يخص سرطان الثدي ويتم توزيع كراس خاص للإرشادات الطبية وصرف الادوية من صيدلية خاصة تابعة لجمعية الاهلال الاحمر العراقي اضافة الى التعاون مع القسم البلدي وبقية الجهات الامنية في توفير ما يحتاجه المركز».

ويحدثنا (مصطفى أحمد فاضل) مدير إدارة مركز الرازي قائلاً: «تم تأسيس المجمع سنة 2011، ويقدم الخدمات الطبية التي تخص المواطن والاسرة عامة حيث يعتبر مركز الرازي الطبي الخيري من المؤسسات الصحية الرائدة في بغداد جانب الكرخ، حيث تقدم الرعاية الطبية والعلاجية على أحدث المستويات وتحت إشراف نخبة من الأطباء الاستشاريين والمتخصصين بخبرات عالمية، ومهنية بمختلف التخصصات الطبية بإدارة متخصصة وكفوءة وقد تم تجهيز المجمع بأحدث الأجهزة في العيادات والأقسام المختلفة». واضاف: «يتم اجراء الحملات التوعوية الخاصة بالأمور الطبية. ولدينا فريق عمل طبي متميز ومثابر يعمل بدوام مزدوج صباحي ومسائي، مرضانا سعيدون بالعناية وتقديم الخدمات الطبية». وتابع: «طابع عمل العيادات الاستشارية ذو توجهات خيرية وبأجور رمزية، يعتبر المجمع الطبي الوحيد في بغداد، وهناك مستشفيات جوالة تقدم الخدمات للنازحين والمهجرين ولذوي الدخل المحدود، الفحوصات في المختبرات مدعومة من جمعية الهلال الاحمر العراقي، ولغرض ديمومة العمل نأخذ من المراجعين مبالغ مالية رمزية».

الطبيب والمؤرخ (على عبد الرزاق محيي الدين) يرى في حديثه ان «هذا الجانب يقع على عاتق المجتمع والمؤسسات المدنية الخيرية، كما ينبغي على الحكومة توفير الضمان الصحي لكافة افراد المجتمع وخصوصا للأسر المحتاجة للرعاية الصحية، وترتقي بمستوى الاداء الخدمي والطبي في المؤسسات الصحية، لا توجد استراتيجية صحيحة في الوزارة لهذا الموضوع الانساني المهم فضلا عن غياب التخطيط والمتابعة على الرغم من صعوبة الاوضاع وتراكم المآسي ووصل الحال الى هذا المنحدر». ويشير محيي الدين الى ضرورة «وضع الرؤية الجديدة للنهوض بهذا المجال وتقديم الخدمات الطبية للمجتمع المحتاج غير القادر على توفير الأموال الكافية للعلاج وشراء الدواء»، وبين ضرورة «وجود قيادات نشطة لها من الخبرة والكفاءة الكافية لتنشيط هذا المجال وهو ليس مستحيلا، كل دول العالم لديها اهتمام بالخدمات الطبية الخيرية، ممكن ان تضع وزارة الصحة ونقابة الاطباء والجمعيات الخيرية ورجال الأعمال برنامج عمل ناجحا ومعمقا ومشتركا ينفذ من خلاله تقديم الخدمات الطبية ويمكن تقديم الافضل بتكاتف الجميع وبعيدا عن التفكير بالمصالح الشخصية». واضاف: «إن هذا العدد المتواضع للنشاط الصحي الخيري في مجال تقديم الخدمات الطبية وهو أنموذج للعمل التطوعي مؤشر خطير يستلزم الانتباه الجاد وتركيز وزارة الصحة وبقية الجمعيات الخيرية واهل الخير ورجال المال والاعمال لدعم تلك المشاريع الانسانية وتطوير هذا الجانب كأحد أهم الانشطة التطوعية الصحية، ولعل وجود الأبحاث العلمية والدراسات المعمقة والتنسيق مع اصحاب القرار سوف يسهم في تطوير العمل بهذا الجانب والتخفيف من معاناة الفئة المستهدفة ورفع الأعباء المالية وتوفير بيئة نفسية مشجعة للمجتمع المحتاج الى هذه الخدمات الطبية». ويقول الدكتور والمحامي (جاسم العزاوي) مدير مركز الدراسات والاعلام والقانون الطبي: «ان مفهوم المؤسسات الصحية الخيرية شيء راقٍ تعمل به شتى الدول المتحضرة وتكون المساهمة به من قبل المنظمات المدنية مع الحكومة لتقدم تلك الخدمات مدعومة في الاسعار يستفيد منها المجتمع ذو الدخل الواطئ. وتعتمد تلك التجربة على الاشخاص الذين يحملون الافكار الوطنية الناضجة ولديهم الإمكانيات المادية التي تدعم تلك المشاريع الانسانية. نحن في العراق لا نعول على المؤسسات الحكومية وخصوصا الصحية تعبانة ومتعبة للغاية. لدينا بعض الشخصيات وهم يسعون الى بلورة تلك الافكار والعمل عليها وبقيت هذه الاعمال تراودهم ولكن قلة الجانب المادي وعدم تعاون الاثرياء وتقصيرهم بهذا الجانب اسفر عن عدم اكتمال تلك المشاريع الانسانية الخيرية».

ويصف العزاوي بعض الشركات والمؤسسات الغنية بالأموال بـ(البخيلة) ولديهم الحرص الكبير على اكتناز الاموال ولا يبادرون بتقديم هذه الخدمة وحتى الحكومة تغفل هذا الجانب ولا تروج له، ويضيف «هناك امور تتعلق بالفساد وشبهات محذورة تحوم حول الجهات الاجنبية التي تود عمل تلك المشاريع ولا تلاقي الدعم الكافي من الدولة بحجة تمويل خارجي ومن ثم تفشل»، واستغرب من خلو البلاد من اي منظمة انسانية تقدم الخدمات الطبية للمواطنين وخصوصا في القرى ومناطق العشوائيات ومساكن الفقراء. ولفت العزاوي الى وجود دراسة اجراها المركز بخصوص عدم مساهمة المجتمع المدني في بناء المؤسسات الصحية الخيرية، كاشفا عن عدة اسباب، منها:

* تغلغل الفساد في شتى مجالات الحياة وخصوصا في القطاع الصحي.

* عدم تعاون الدولة.

* ضعف العمل لدى مؤسسات المجتمع المدني.

* لا وجود لثقافة التعاون ومد يد العون للمحتاجين من قبل الشركات التجارية التي تبرم عقودا مالية كبيرة مع الحكومة والقطاع الخاص.

* عرقلة الحكومة لعمل منظمات المجتمع المدني ووضع العراقيل امام تنفيذ البرامج بحجة عدم وجود الاجازة وكشف مصادر التمويل واسباب اخرى.

* مراقبة اعمال المنظمات والتدخل بأعمالها بحجة التنظيم والتدريب وتقديم الخبرة والمعرفة في العمل وهذا مخالف لقانون منظمات المجتمع المدني التي تعمل باستقلال وحيادية.

* عدم جدية وتعاون وزارة الصحة وهي لا تملك الإمكانيات التي تسهم بهذه الاعمال الانسانية خصوصا ان الجانب الطبي ليس سهلا وفيه تفاصيل كثيرة.

* لا وجود لقانون تقديم الخدمات الطبية الخيرية في وزارة الصحة، بل قانون الاستثمار وإنشاء المستشفيات الاهلية والعيادات الخاصة ويأخذ الجانب التجاري البحت ولم يأخذ الجانب الطبي والانساني والوطني.

وختم العزاوي حديثه بالقول «لدينا الطموح بالعمل وتقديم تلك الخدمات لبلادنا وانا شخصيا عضو بالمجلس العالمي للقانون الطبي، زرنا بعض دول العالم وشاهدنا تقدم هذه التجربة الرائعة والناجحة، ولدينا بعض التجارب الصغيرة مثل الذي تقوم به جمعية الهلال الاحمر العراقي ومركز الرازي، وتجربة اخرى هي في محافظة كربلاء المقدسة (مستشفى الكفيل) وكنا نتأمل ان تكون خيرية ولكنها اخذت منحى الجانب المادي وارتفعت اسعاره فيما بعد بل وزادت عن القطاع الخاص، على الرغم من انهم لديهم القدرة على جلب الاطباء الاجانب لهذا المستشفى، نستغرب من عملهم كثيرا، انهم تجاوزوا القانون وتعدوا عليه في استقدام الكفاءات الطبية على الرغم من الموارد المالية المتوفرة لديهم».

الناشطة النسوية وصاحبة الاعمال الخيرية (سارة طالب السهيل) قالت لـ(للنهار): «قال الله تعالى في كتابه الكريم بصيغة الأمر (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)» وكما نعلم ان الصدقة غير الزكاة التي لها موازين ومقاييس وفقا لثروة الفرد ومدخراته والتي تفسيرها انه لا تدخل البركة صحتك وبيتك ولا يستجاب دعاؤك الا وانت تطعم الفقير وتكسيه وتسهم في الاعمال الانسانية، فالصدقة التي هي مشتقة من الصدق برأيي هي دليل على صدقك وتمام إيمانك فلا تكون صادقا الا لو كنت معطاء تؤثر الآخرين على نفسك وتقاسمهم خبزك نابذا الانانية التي بداخلك مؤمنا بالتكافل الاجتماعي». وتضيف السهيل: «ان في مجتمعاتنا أكثرنا تغافل عن دوره في هذا التكافل واخذ جانبا وللأسف أكثرهم من الأغنياء فنجد ان الفقير او متوسط الدخل هو الأكثر شعورا بالآخرين حتى تحسبه من الاثرياء بينما الثري الحقيقي في عالم آخر لا إذن تسمع ولا عين ترى واخص بقولي هذا المسؤولين ورجال الاعمال الذين قلما تجد لهم مساهمات انسانية الا في وقت الترشيح والانتخابات، كما ان جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ومحاولاتهم أكثرها جيدة وبعضها لها أهداف مخيفة وآخرون يحملون اجندات خارجية يتسللون من خلال الاعمال الإنسانية الى كسب الناس لأهداف سياسية خطيرة. وبالعودة للمرضى من الفقراء والمحتاجين وخاصة من لديهم أمراض مزمنة او خطيرة او من مصابي الحروب فتجدهم يعلنون عن طلب المساعدة واحيانا كثيرة من دون مجيب رغم ان الخير لا يمكن ان ينقطع وان الطيبين لا بد انهم موجودون بأياديهم البيضاء هنا وهناك».

فيما يقول سيف البدر مدير اعلام وزارة الصحة: «تخضع تلك المؤسسات الصحية الى متابعة وتقييم الوزارة وهناك لجان تخصصية تقوم بزيارة هذه المجمعات اسوة ببقية المجمعات ولكننا نحذر المواطنين من ان هناك البعض من هذه المختبرات والمجمعات الطبية تعمل خارج ضوابط وزارة الصحة ولا ننصح المواطنين بزيارته واللجوء الى المؤسسات الصحية المجازة رسمية من وزارة الصحة»، ويضيف البدر «ان وزارة الصحة تقوم بتسهيل مهام من يروم انشاء مشروع صحي سواء اكان مستشفى او مركزا ومختبرا وعيادات اطباء خيرية او استثمارية بالتعاون مع نقابة الاطباء وبقية الجهات الصحية الاخرى . وبين البدر ان وجود تلك المؤسسات الصحية العائدة للقطاع الخاص دليل تطور القطاع الصحي الاهلي وهو خاضع ايضا لتعليمات وزارة الصحة ونرى هناك بعض المؤسسات الصحية تعمل بشكل جيد ويستطيع المواطن العالج فيها مثل المؤسسات الصحية في محافظة كربلاء ونتمنى ان تتوسع التجربة ويتم تطوير العمل في المؤسسات الصحية الخيرية والوزارة داعمة ومساندة لهذه الخطوات وهي ذات النفع العام ولدواعي انسانية اسوة بتجارب بقية الدول التي نهضت بهذا القطاع المهم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here