لرغبته في الانتصارات السريعة ترامب يخسر جولته أمام إيران في الأمم المتحدة !

نشوى الحفني :

حاول الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، استقطاب الرأي العالمي وتعبئته ضد “إيران”، خلال كلمته أمام الدورة الـ 73 لـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة”، ووصفها بـ”دكتاتورية فاسدة”، مشيرًا إلى أن قيادتها “تنهب الشعب الإيراني لسداد تكلفة العدوان في الخارج”، على حد قوله، ويبدو أنه لم ينجح في ذلك هذه المرة التي لم تكن المرة الوحيدة، حيث يحاول منذ شهور كسب دول “الاتحاد الأوروبي” المشاركة في “الاتفاق النووي” مع “إيران”.

وأشار “ترامب” إلى أن “زعماء إيران ينشرون الفوضى والموت والدمار ولا يحترمون جيرانهم أو حدودهم أو الحقوق السيادية للدول”.
معربًا عن عزم “واشنطن” فرض عقوبات جديدة على “الجمهورية الإسلامية”، بعد بدء سريان الحظر الأميركي على الصادرات النفطية الإيرانية، في الـ 5 من تشرين ثان/نوفمبر المقبل. وناشد زعماء العالم الإسهام في عزل “طهران”، محملاً “إيران” المسؤولية عن تمويل وإطالة أمد النزاع السوري.

وأكد “ترامب” على أن عدة دول في الشرق الأوسط دعمت “واشنطن” في الانسحاب من “الاتفاق النووي”، موضحًا أن “طهران” استغلت “الاتفاق النووي” لتطوير برنامجها الصاروخي.

وقبل إلقاء كلمته؛ قال “ترامب” إنه لن يلتقي بالمسؤولين الإيرانيين قبل أن “يغيروا نهجهم”، مضيفًا أن إيران “تصرفت بشكل سيء للغاية.. ونحن نتطلع إلى إقامة علاقة جيدة مع إيران، لكن هذا لن يحدث الآن”.
وكتب “ترامب”، في تغريدة الثلاثاء الماضي، قبل موعد كلمته: “رغم وجود دعوات لذلك، لا يوجد لدي خطط للقاء الرئيس الإيراني، حسن روحاني.. ربما يومًا ما في المستقبل.. أنا متأكد من أنه رجل لطيف للغاية”.

لا محادثات..

وكان “ترامب” قد أعرب عن استعداده، في وقت سابق، للقاء الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، دون شروط مسبقة للتفاوض على اتفاق جديد، لكن الأخير صرح، يوم الاثنين الماضي، أن بلاده لن تجري محادثات مع “الولايات المتحدة” قبل أن تعود إلى “الاتفاق النووي”، المبرم مع الدول الكبرى عام 2015.

ردًا على كلمة “ترامب”؛ قال الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، خلال كلمته بـ”الجمعية العامة” إن “إيران” إمتثلت لكل إلتزاماتها، لكن “الولايات المتحدة” لم تلتزم وإنتهكت الاتفاق إنتهاكًا صارخًا، مضيفًا أن “واشنطن” تضغط على دول أخرى للانسحاب من الاتفاق النووي: “هذه المرة الأولى التي نرى فيها دعوة عامة من دولة لإنتهاك القانون وفرض عقوبات على من لا يلتزم بهذه الدعوة.. لكن يمكن أن يستأنف الحوار من هذه الجمعية ومن نفس الشخص”.

“روحاني” شدد على أن “إيران” والإيرانيين لم ينحنِ ظهرهم أمام هذه الأحداث، مشيرًا إلى أن سياسة التعاون مع “إيران” عادت بنتائج إيجابية على دول أخرى ومنها محاربة الإرهاب، وتابع: “ندعوكم للعودة لمائدة المفاوضات التي غادرتموها، والبقاء في المؤسسات الدولية”.

رفض دبلوماسي للولايات المتحدة..

وحسب ما أكدته صحيفة (وول ستريت غورنال) الأميركية؛ من مصادرها، فإنه خلافًا للإنحياز الأوروبي المعتاد إلى موقف “الولايات المتحدة” تجاه السياسة الإيرانية، رفض رؤساء الدول ووزراء الخارجية ذلك، مما أدى إلى رفض دبلوماسي غير معتاد لـ”الولايات المتحدة” على هامش “الجمعية العامة” السنوية.

وقال الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”: “يجب على مجلس الأمن العمل معًا لمعالجة المخاوف التي يواجهها ترامب وغيره؛ بشأن الصواريخ بعيدة المدى لإيران والنفوذ الإقليمي المتنامي لها”، مضيفًا أن “الأمر سيتطلب إستراتيجية طويلة الأجل”، مؤكدًا على أن التعامل مع “إيران” لا يمكن أن يتحول إلى مجرد عقوبات وإحتواء.

خسائر مالية وتجارية بسبب الخروج من الاتفاق..

وعلى صعيد آخر؛ أكدت الصحيفة الأميركية، أن بعض أعضاء المجلس أشاروا إلى الخسائر المالية والتجارية المحتملة لبلدانهم نتيجة لقرار “الولايات المتحدة” الخروج من الاتفاق وفرض عقوبات على الشركات التي تواصل التجارة مع “إيران”.

وقالت وزيرة الخارجية السويدية، “مارغوت وولستروم”: “الاتفاق النووي الإيراني يمثل قيمة تجارية كبيرة، وكان المجتمع الدولي يسير على طريق العقوبات والعزلة مع إيران من قبل ولم ينجح ذلك”.

الموقف الصيني الرافض لتحركات “ترامب” السياسية والاقتصادية، تمثل في حديث “وانغ يي”، وزير الخارجية، والذي شدد على ضرورة “احترام حق جميع الدول في إقامة علاقات اقتصادية طبيعية وتجارية مع إيران”.

في حين شدد وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، على أن انسحاب “الولايات المتحدة” من “الاتفاق النووي” يهدد جهود منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

المقايضة آلية للحماية من العقوبات الأميركية..

وأعلن الأوروبيون، مطلع الأسبوع، أمام “الأمم المتحدة” عن آلية مقايضة معقدة تهدف إلى إبقاء الشركات الأوروبية والأجنبية في “إيران” مع حمايتها من الإجراءات العقابية الأميركية.

ونددت الإدارة الأميركية بهذه المبادرة وأعرب وزير الخارجية، “مايك بومبيو”، عن “خيبته العميقة”؛ إلا أنه حاول الحد من أهمية المبادرة الأوروبية، مشددًا على أن المبالغ المعنية “غير مهمة”.

ويعتبر “مجلس الأمن”؛ هو الهيئة الدولية الوحيدة التي تستطيع فرض عقوبات اقتصادية ملزمة ضد بلد ما، وقال خبراء في العقوبات الإيرانية وسياسة “الولايات المتحدة” إن اجتماع المجلس أوجز الصراع الشاق الذي يواجهه “ترامب” في نهجه الذي يتطلب أقصى ضغط على “إيران”.

للقضاء على النظام الإيراني..

وحول أسباب هجوم “ترامب” على “إيران”، قال “إيهاب عباس”، المحلل السياسي من “واشنطن”، إن هجومه يوضح مدى رغبته في القضاء على النظام الإيراني بصورة أو بأخرى.

وأضاف أن الرئيس الأميركي وصف النظام الإيراني أنه يسرق شعبه وسبب انتشار الفوضى في البلاد ودعم الإرهاب في الشرق الأوسط.

موضحًا أن كل تصرفات الرئيس الأميركي هي رغبة عارمة في القضاء على النظام الإيراني الحالي، وإن العقوبات على “إيران” ستستمر وسيتم تنفيذ المزيد من العقوبات في 5 من تشرين ثان/نوفمبر القادم، وسوف تطال “قطاع النفط” وتقسم النظام الإيراني وتأجج الشعب الإيراني على النظام الحاكم.

كلام لن يحقق على أرض الواقع..

في صحيفة (المستقبل)؛ كتب “خيرالله خيرالله”، موضحًا أنه في المدى البعيد، يبقى كلّ الكلام الكبير الذي صدر عن الرئيس، “دونالد ترامب”، عن “إيران” كلامًا في غياب أفعال على الأرض. يمكن قول ذلك على الرغم من أنّ توصيفه للحال الإيرانية في غاية الدقّة، خصوصًا عندما يتحدث أمام “الجمعية العمومية للأمم المتحدة” عن دورها الإقليمي ومساهمتها في نشر الفوضى والعمل على زعزعة الاستقرار والدمار في المنطقة كلّها.

لا شكّ أنّ “ترامب” كان أمام “الجمعية العمومية للأمم المتحدة” في وضع هجومي، إذ أكد أنّه “لا يمكن أن نسمح للراعي الرئيس للإرهاب في العالم بأن يمتلك أخطر الأسلحة على كوكبنا”، أي السلاح النووي.

موضحًا أنه على الصعيد العملي، أدت العقوبات الأميركية، التي استهدفت “إيران” والتي ستزداد بدءًا من تشرين ثان/نوفمبر المقبل، إلى تحقيق جانب من المطلوب، فقد أفهمت الإيرانيين أنّ بلدهم ليس قوّة اقتصادية قادرة على الدخول في مواجهة مع “أميركا”. ولعلّ أكثر ما يدلّ على ذلك انخفاض سعر العملة الإيرانية إلى رقم قياسي، (170 ألف ريال في مقابل دولار واحد)، بعد أقلّ من أربعة وعشرين ساعة على إلقاء “ترامب” خطابه في “الأمم المتحدة”.

مهاجمة رموز النظام الإيراني..

وأضاف “خيرالله” أن كلام مستشار الأمن القومي، “جون بولتون”، الذي ترافق مع خطاب “ترامب”، أكثر قساوة بالنسبة إلى “إيران”. لم يتردّد “بولتون”، الذي لديه الهاجس الإيراني، في ذكر المرشد، “علي خامنئي”، بالاسم مع تركيز خاص على دور الجنرال، “قاسم سليماني”، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، حيث قال إن الولايات المتحدة “لن تسمح لخامنئي بتدمير دول الشرق الأوسط. نحن نستهدف كبار المسؤولين الإيرانيين، من بينهم قاسم سليماني، وسنواجه كل الخطط الشريرة التي ينفّذها”.

لاعب إقليمي استفاد من أخطاء أميركا..

مشيرًا إلى أنه وسط كلّ هذا الجانب الفولكلوري لخطاب الرئيس الأميركي، يخطيء “ترامب” وأركان إدارته إذا كانوا يعتقدون أن المواجهة مع “إيران” ستكون سهلة وسريعة. فـ”إيران” في الأعوام الممتدة منذ 1979، صارت لاعبًا إقليميًا. استفادت من كلّ الأخطاء الأميركية، خصوصًا من بقاء “القضية الفلسطينية” معلقة، فإذا بها تخطفها من العرب وتحولها إلى تجارة رابحة لها. لذلك، لا يمكن إلا تفهّم لماذا هذا الإصرار لدى الملك “عبدالله الثاني” على إبقاء خيار “الدولة الفلسطينية” المستقلة التي عاصمتها “القدس الشرقية” خيارًا متاحًا. صحيح أن “إيران” لا تستطيع أن تبني، لكنّ الصحيح أيضًا أنها موجودة في كلّ المنطقة وتتحرّش حتّى بدولة مسالمة مثل “المغرب”؛ بهدف الإعتداء على سيادته الوطنية عبر تلك الأداة الجزائرية التي اسمها جبهة “بوليساريو”.

يحتاج لانتصارات سريعة..

وتكمن مشكلة “ترامب” في أنه في حاجة إلى انتصارات سريعة. لديه امتحان كبير، بل مصيري في غضون ستة أسابيع عندما تجري انتخابات فرعية لمجلسي الكونغرس. الكثير سيعتمد على نتائج تلك الانتخابات، وعلى ما إذا كان الجمهوريون سيبقون مسيطرين على مجلسي الكونغرس، أو على أحدهما. لا يمكن الاستخفاف بأن الرئيس الأميركي لا يزال يمتلك أوراقًا عدة يمكن أن تساعده في بلوغ نهاية ولايته بسلام. في مقدّم هذه الأوراق وضع الاقتصاد الأميركي، حيث البطالة للمرّة الأولى منذ فترة طويلة دون نسبة الثلاثة في المئة. من لا يجد عملاً هذه الأيّام في أميركا هو من لا يريد أصلاً أن يعمل. الأهمّ من ذلك كلّه، أن الخطاب الذي يخرج به “دونالد ترامب” يستهوي الأميركي العادي، أي أميركا الريف والمدن الصغيرة التي أوصلته إلى الرئاسة. ما لا يمكن تجاهله أن “ترامب” خسر كلّ المدن الكبرى أمام “هيلاري كلينتون” في العام 2016، لكنّه فاز حيث يجب أن يفوز كي يصبح رئيسًا للولايات المتحدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here