المبادئ تتسبب بأسوأ ازمة حكومية في السويد!

ساهر عريبي

[email protected]

تمر مملكة السويد هذه الأيام بواحدة من أسوا الأزمات السياسية في تاريخها الحديث, فبعد مرور ثلاثة اسابيع على إجراء الإنتخابات النيابية تبدو عملية تشكيل الحكومة الجديدة بعيدة المنال وذلك بعد ان لم تسفر نتائج الأنتخابات عن فوز حزب أو تحالف بالأغلبية النيابية اللازمة لتشكيل الحكومة.

فقد فاز تكتل اليسار ب ١٤٤ مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة ٣٤٩ فيما حاز تحالف يمين الوسط على ١٤٣ مقعدا وأما حزب الديمقراطيين السويديين المعادي للمهاجرين فقد حصل على ٦٢ مقعدا برلمانيا, حتى اصبح هذا الحزب بيضة القبان في تشكيل الحكومة الجديدة.

وتبدو للوهلة الأولى عملية ولادة الحكومة الجديدة يسيرة إذ بامكان كل من التحالف الإشتراكي الحاكم أن يبقى على سدة الحكم لمدة أربع سنوات آخر فيما لو تحالف مع الحزب المتطرف, وكذلك يمكن في ذات الوقت لتحالف يمين الوسط المعارض ان يشكل الحكومة فيما لو تحالف مع الحزب.

ولا تتطلب عملية التحالف مع هذا الحزب تقديم مناصب وزارية, بل تكفي الإستجابة لبعض برامج الحزب المتعلقة بمعضلة الهجرة. لكن كلا التحالفين الإشتراكي واليميني يرفضان لحد اللحظة تقديم أي تنازلات لهذا الحزب من أجل الحكومة. وقد وصل الأمر الى حد طرح مشروع حكومة وحدة وطنية من أجل تفويت الفرصة على الحزب الذي يوصف بالعنصري او الدعوة الى إنتخابات جديدة.

واما سبب هذا الرفض فيعود الى القيم والمبادئ الأخلاقية الحاكمة على الأحزاب السويدية. فهذه الأحزاب مشهورة باحترامها لحقوق الإنسان وتقديم العون للمهاجرين وقد استقبلت السويد ومنذ عقود مئات الآلاف من المهاجرين الهاربين من الحروب وممن الأنظمة الدكتاورية أو من الأوضاع الإقتصادية السيئة, وقد وفرت للسويد للاجئين كافة مستلزمات الحياة الحرة الكريمة ومنها الجنسية السويدية بالإضافة الى تعليم لغة الأم لأبناء المهاجرين في المدارس.

لكن الحزب العنصري وبعد إزدياد أعداد المهاجرين مؤخرا , تبنى سياسات معادية للمهاجرين حاله كحال الأحزاب الشعبوية التي تصاعد نجمها مؤخرا في اوروبا مثل الجبهة الوطنية في فرنسا وحزب رابطة الشمال في أيطاليا التي تحكم البلاد اليوم مع حلفائها. وتتعارض سياسات هذا الحزب مع جوهر الديمقراطية السويدية ومع السياسات التاريخية لتحالفي اليمين واليسار.

ولايبدو التحالفان مستعدان للتضحيات بتلك المبادئ والقيم من أجل الحكم ولذا قررا عدم التحالف مع هذا الحزب وتقاسما اللجان البرلمانية بينهما ودون منح الحزب المتطرف أي لجنة بالرغم من مقاعدها الكثيرة.

ولو فعلت ذلك لأتهمت بالنفاق وبالإنقلاب على القيم والمبادئ من أجل المصالح الحزبية, وبالتالي سيعاقبها الناخب السودي في الإنتخابات المقبلة لأن الشعب لا يتقبل مثل هذه الإردواجية.

هذا نموذج في الغرب ولدينا نوذج آخر في العراق حيث تدعي بعض الأحزاب والتحالفات بانها اسلامية تهتدي بمدرسة آل البيت وبسيرة علي والحسين اللذان لم يهادنا الحكام أبدا, لكن تلك الأحزاب ومن أجل كرسي الحكم تضع يدها بيد كل متردية ونطيحة. وكمثال على ذلك تحالفها مع خميس الخنجر الذي كان وحتى الأمس القريب يدعم تنظيم داعش الإرهابي ويتهجم على الحشد الشعبي الذي يقارع الإرهاب وقدم آلاف التضحيات في هذا الطريق , وعرف بعلاقاتها برغد ابنة الطاغية المقبور فضلا عن علاقته بأخيها عدي, لكن تلك الأحزاب لا تجد ضيرا في التحالف مععه واضعة المبادئ والقيم تحت قدميها وهي التي كان إعلامها يشهر بالخنجر قبيل الإنتخابات.

إنها ازمة أخلاق ومبادئ ولاعلاقة لها بالدين فكم من ناكر للدين أشد التزاما بالقيم الإنسانية ممن قضى عمره في الحلقات الحزبية التي يتعلم فيها القيم والمبادئ للدينية والإنسانية, لكنه وضعها جميعا وراء ظهره بل داسها بقدميه حال رؤيته لدنيا هارون الرشيد التي سقط في براثنها حتى عبث بإنسانيته وتنزّل بها الى أسفل سافلين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here