عطش في بلاد النهرين !

ماجد زيدان

قبل اربعين عاما بدأت الصحف والمنتديات ومراكز البحوث تناقش وتبحث في ازمة المياه في الوطن العربي وعندما قرأنا ما تمخضت عنه البحوث شعرنا بالخوف ، ولكن لم ناخذه على محمل الجد ، ومما طرح ان بلدان الوفرة المائية ومنها العراق التي تحصل على معدلات عالية نسبيا لنصيب الفرد الواحد منها ستعاني من مشكلات وشحة وندرة في مياه الشفة وليس للاستخدامات الاخرى فحسب التي قد تكون شبه معدومة .

الواقع ان عمل الحكومات تفاوت من بلد الى اخر لمعالجة المشكلة واتخاذ الاحتياطات لتلافيها ومنها بلدنا ولكنها ليست بالمستوى المطلوب والملبي للحاجة وما نزال نتعامل معها بمسؤولية متدنية ،رغم ان الحكومات لم توفر المياه الصالحة للشرب لجميع السكان في البلاد وملاين تستهلك المياه الجوفية وباقل من المعدل المتعارف عليه دوليا .

لقد تاخرنا كثيرا في تامين حقوقنا من المياه مع دول الجوار” تركيا وايران ” وهما يستغلان ضعف حكومات العراق وتمزق وحدته الوطنية وتوزع ولاءات قواه السياسية على دول المنطقة مما يعيق اتخاذ اجراءات فعالة للحفاظ على حقه القانوني والطبيعي .

الان المشكلة مشخصة والحلول والمعالجات يمكن ادراكها اذا توفرت الارادة الوطنية وحشدت الطاقات والتعامل مع الازمة بجدية واعطائها الاولوية والاسرع في تنفيذ الحلول ..

شكلت الحكومة مجلس للمياه وحسنا فعلت ليضع ستراتجية واضحة بهذا الشان لكل الجهات العامة والخاصة ولكن على ما يبدو العمل يسير ببطء ولم يتقدم بشان جوهر الازمة وتفعيل الاجراءات السابقة او اتخاذ الجديد منها الذي يلامس المشكلة او يخبرنا بشان التقدم في المباحثات مع ايرا ن اوتركيا..

ونامل بهذا الصدد ان يسعى العراق الى تشكيل مجلس اعلى للمياه في البلدان العربية واخر اقليمي لتوفير مناخ ملائم ومستمر لابرام اتفاقات القسمة العادلة للمياه على وفق القانون الدولي وما صدر من الامم المتحدة في هذا الخصوص لمعالجة المشكلة على الصعيد العالمي من اجل ضمان وتيسير حصول العراق على حصته من الموارد المائية وعدم حجبها عنه .

ان تلك الإجراءات وفي أغلب الدول العربية لم تسهم بصورة فعالة في وضع علاج أساسي للأزمة أما لكونها لا تطبق بصورة كاملة أو لكونها جهود صغيرة لا تحيط بحجم الأزمة الهائل .

لقد قامت تركيا بتنفيذ مشروع الغاب على مجاري نهري دجلة والفرات، ويشتمل المشروع على سبعة سدود على نهر الفرات وستة سدود على نهر دجلة. وقد تسببت هذه السدود بحرمان العراق من حصته المائية المقررة بموجب الاتفاقيات الدولية،الأمر الذي أدى إلى تصحر مساحات شاسعة من أراضيه الزراعية، وارتفاع نسب الملوحة فيها، مما يستلزم إعادة استصلاحها إذا ما أريد زراعتها ثانيا. وقامت إيران بتحويل مجاري بعض الأنهار مثل أنهار الكارون والوند إلى داخل أراضيها بدلا من وجهتها المعتادة نحو العراق، مما حرم مدنا وقرى كثيرة من مواردها المائية دون وجه حق.

ان المشكلة في بلادنا تتطلب حلولا سريعة ومعروفة وفي وقت سابق تم العمل بها غير انها كانت بداية محدودة وتوقفت ولم تعمم وتتلخص المعالجات :

1- تغير نوعية المزروعات والمحاصيل لجهة تقليص التي تتطلب كميات مياه كبيرة والاتجاه نحو المزروعات ذات الحاجة القليلة الى المياه ،واستنباط وتطوير سلالات من البذور تستهلك كميات مياه اقل من المعتاد .

2 – استخدام أساليب ومنظومات ري حديثة كمنظومات الري بالتنقيط ،والري بالرش وتبطين الترع والسواقي واستخدام الانابيب لنقل المياه.

3- تطوير بذور تتحمل درجات عالية من الملوحة، من أجل الترشيد من أستخدام المياه المستخدمة للزراعة.

4- تخزين المياه الفائضة عن الحاجة والاستغلال الامثل لمياه الامطار في المواسم المطيرة ، بإنشاء السدود والخزانات الكبيرة والصغيرة .

5- تقليص الفاقد من المياه عن طريق التبخر والتسرب أثناء نقلها أو استخدامها في الأغراض المختلفة.

6- الاستثمار في مشاريع تقنية تحلية مياه الخليج العربي والسعي إلى خفض تكاليفها.

7- التوسع بمعالجة مياه الصرف الصحي وتشجيع استخدامها للأغراض الصناعية والزراعية.

8- البحث العلمي واعداد الدراسات لامكانية حفر قناة من الخليج العربي الى عمق الاراضي العراقية لغرض الاستخدمات الصناعية

9- عقد الاتفاقات الدولية بين دول الأنهار المتشاطئة بما يضمن التقسيم العادل لهذه المياه على وفق قواعد القانون الدولي.

10- ربط التعاون الاقتصادي مع دول الجوار بحجم تعاونها والتزامها بالقسمة العادلة للمياه .

11- ايلاء تلوث المياه الاهمية القصوى والتقيد بالتطبيق الحازم للقانون وتشديد عقوباته .

12- تحسين شبكة انابيب مياه الشرب والتخلص من الضائعات فيها التي تصل الى 60% حسب تصريحات لمسؤولين في امانة بغداد ،وذلك لايصالها الى جميع السكان .

الحقيقة ان الخوف الذي اثاره وزير الموارد المائية حسن الجنابي مبرر ومشروع لأن الأزمة أكبر من الإمكانيات المتوفرة سواء نتيجة ازدياد عدد السكان أو الإدارة القاصرة أو عدم توفرالامكانيات في الظرف الراهن غير انه هذا لا يعفي الوزارة من مسؤولياتها وضعف الانجازالذي اتسمت به ما بعد التغيير ، الان المطلوب اتخاذ الاجراءا ت لتخفيف الاضرار وعبور الازمة وايضا الاستعداد لمواسم اقل شحة وتلافي الاخطاء السابقة ووضع السياسات على ان البلاد لن تحصل على وفرة مياه مثلما كان الامر في السابق قبل انشاء السدود التركية .

هناك حاجة ماسة لتغيير سلوك الناس إما عبر التوعية أو خلق محفزات اقتصادية ، فلابد ان ينتهي سوء الاستعمال وعدم ترشيد الاستهلاك، فلا زلنا في العراق نشاهد يوميا الناس يقومون بتنظيف السيارات بماء الحنفية وكأننا لا تشكو من الشح.

الى جانب أنه لا زال الماء لا يحظى بتقييم اقتصادي يغير سلوك الناس في مقابل الخدمات المائية كان يترك الفلاح المياه سائبة في ارضه.

مشكلة المياه من المسائل التي تشكل تحديا كبيرا لا يمكن معالجته في مادة واحدة وانما الى دراسات كثيرة ،ففيه جوانب متعددة ولابد من متابعة مستمرة ومراقبة دائمة تقع على عاتق الحكومة والمجتمع معا لانه عصب الحياة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here