هل سنشهد معركة قرقيسيا ؟

التحولات الكبيرة والإحداث المتسارعه التي شهدتها الأزمة السورية منذ اندلاعها وليومنا هذا تدل على أن نهاية المطاف للازمة ستكون نتائجها وخيمة على المنطقة بلذات والعالم بأسره في حالة وصول الأمور إلى المواجهة المباشرة بين الدول الكبرى المتنازعة في سوريا ولعدة أسباب جوهرية وموضوعية له تتعلق بالصراع الدائر على الزعامة بين الكبار وعلى حسابات القوة والنفوذ في المنطقة و الحصول على ثرواتها وخيراتها الوفيرة ،وأهمية وجود قواتها في تلك المناطق لأسباب عديدة .
هذا الاحتمالات أو التوقعات بينت على مجموعة من الحقائق أو الوقائع التي أفرزتها الأزمة السورية منذ اندلاع شرارتها الأولى ، وما رافقتها من تطورات خطيرة تنذر بحدوث متغيرات مفاجئة تختلف عن بقية الدول التي شهدت ثورات التغيير والإصلاح أو ما يعرف بالربيع العربي هذا من جانب .
جانب أخر مجريات الأحداث على الأرض كانت مرآة حقيقية لوضع سوريا بتدخل عدة اطراف بشكل مباشر وغير مباشر ما بين أثارة الرأي العالمي على النظام على انه نظام يشكل خطورة على السلم العالمي بسبب مواقفه ودعم للإرهاب المقصود فصائل المقاومة المقدسة ومنها حزب الله المستهدف الأولى ، ودعمهم بمختلف الوسائل والطرق لعدة جهات بحجج عدة لتغير نظام حكم الأسد لأنه نظام قمعي دكتاتوري بمعنى أدق أساليب وأدوات الكبار التي استخدمتها اختلفت وتغيرت حسب مقتضيات كل مرحلة من مراحل الصراع السوري والمواجهة الغير المباشرة مع سوريا وحلفائها .
ففي بداية الأمر خرجت تظاهرات مطالبة في تغير نظام حكمه أو إصلاحات حقيقية ، ثم تحولات الأمور بين ليلة وضحاها أن تتحول هذه التظاهرات إلى ما يعرف بالفصائل المسلحة وبتسميات عدة وبدعم من عدة دول عظمى وبأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة ووسائل الاتصالات الحديثة، والمساعدة في وصول ألآلاف من المقاتلين من مختلف الجنسيات إلى سوريا ليكون قوة ضاربة ليومنا هذا ، ومازال الآلاف منهم موجودون في سوريا مع أسلحتهم ومعداتهم العسكرية ، ويشكلون عائقا كبيرا في إنهاء الأزمة السورية ، وفي الطرف المقابل تدخل أطراف أخرى غيرت المعادلة التي أردت فرضها أمريكا وحلفائها على الجميع، وقلبت موازين القوى من اندحار كامل إلى تحرير معظم الأراضي ، وبوجود الآلاف من المقاتلين الموالين للنظام السوري وحلفائها ،وهذا لم تشهده أي دول أخرى شهدت أزمات مماثلة في تغير نظامها السياسية القائم .
التواجد والتحشيد العسكري الكبير الذي لم نشهد منذ الحربين العالمتين الأولى والثانية وبإحداث الأسلحة المتطورة من طائرات وسفن حربية وغواصة نووية،وبعدد مقاتلين بلغت المئات الآلاف، وبناء قواعد عسكرية ضخمة لأكثر من جهة خارجية على الأرض السورية ، وبدون حتى موافقة الدولة السورية أو بقرار أممي مصوت عليه في مجلس الأمن الدولي حيث فرضت وجودها بحكم القوة ، وإصرارهم على البقاء في سوريا رغم تحرير معظم الأرضي السورية دلائل على الأمور لن تحل سلميا أو عبر طاولة الحوار والتفاوض رغم المساعي المبذول لحلها من عدة أطراف إقليمية ودولية سلميا وإيجاد تسويات ترضي الجميع ، وعدم وصول الأمور نحو التصعيد والمواجهة المباشرة .
نقطة التحول الاستراتيجي في سوريا لها ارتباط مباشر بعدة عوامل منها سعي واشنطن على المحافظة على زعامتها بدون أي منافس أو تهديد ، وتنفيذ سياستها و مخططتها في المنطقة دون تدخل أي طرف ، واستحواذها على الثروات الطبيعية الهائلة لدول المنطقة ، وحماية ابنها المدلل على حساب دمار البلدان العربية ودماء شعوبها المستضعفة من حكام القصور الفاخرة ، وهذا لم تستطع تحقيقها بوجود خصوم مثل إيران وروسيا وفصائل المقاومة المقدسة التي أفشلت كافة مشاريعها وخططها ومن يقف ورائهم .
هل نشهد معركة قرقيسيا قريبا جدا في ضوء كل المعطيات المتاحة ، واغلب التوقعات والاحتمالات تؤكد أن خيار الحوار والحلول الآنية لم تدوم طويلا في ظل تنعت كل اطراف الصراع في فرضت أجندتها على الآخرين ليكون الزعامة له بدون منافس ويتقاسم معهم الكعكة حسب ما يفرض عليهم ، وهذا لن يتحقق ألا من خلال معركة دامية ينتصر بها طرف على أخر ، و التي لم تشهدها كل المعارك السابقة في التاريخ ولا حتى الحرب العالمية الأولى والثانية لتكون معركة قرقيسيا هي الحاسمة لهذا النزاع المحتدم .

ماهر ضياء محيي الدين

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here