موسكو وواشنطن في سورية… إلى أين؟

محمد سيد رصاص | تحقيق

الأسبوع الثالث من آب (أغسطس) 2018، كان محدداً رئيسياً لمسار الأزمة السورية من خلال حسم الإدارة الأميركية قرارها باتجاه عدم الانسحاب العسكري من الأراضي السورية. صدرت تصريحات عدة في ذلك الأسبوع (بريت مالغورك، المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد «داعش»: «المهمة مستمرة ولم تنته بعد». دافيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط: «أكدنا للروس أن لا إعادة إعمار دولية لسورية من دون مسار سياسي غير قابل للتراجع عنه ومصادق عليه من الأمم المتحدة». جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي: «إخراج الإيرانيين من سورية أو لا صفقة أميركية مع روسيا في سورية. الشرط المسبق هو انسحاب القوات الإيرانية والمدعومة من إيران. روسيا عالقة في سورية»). تلك دلالات على الاتجاه الأميركي الذي يناقض تصريحات الرئيس ترامب حول الانسحاب العسكري من سورية، يضاف إليها تعيين السفير الأميركي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري ممثلاً للإدارة الأميركية في الملف السوري في 17 آب. في 11 تموز (يوليو) كان السفير جيفري مشاركاً مع مدير إدارة تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية سابقاً دينيس روس وآخرين، في وضع وثيقة صدرت عن معهد واشنطن بعنوان: «نحو سياسة أميركية جديدة في سورية: النقطة الصفر لدحر إيران وردع عملية إحياء داعش»، تبنتها الإدارة الأميركية في الشهر اللاحق. تدعو الوثيقة إلى «حظر جوي وحظر مركبات في شمال الفرات السوري وشرقه – منع الإيرانيين والقوات النظامية السورية من إقامة وجود عسكري في شرق الفرات – إيجاد بدائل لحلفاء الولايات المتحدة في شرق الفرات، أي قوات سورية الديموقراطية – «قسد» ومجلس سورية الديموقراطية – «مسد»، تجعلهم يستعيضون عن توريد النفط والغاز والمنتجات الزراعية لدمشق».

سيوازي الأسبوع الثالث من آب 2018 في تحديد المسارات السورية ما كانه يوم 30 أيلول (سبتمبر) 2015 عندما بدأ الدخول العسكري الروسي إلى سورية. إنه إعلان عملي عن بدء صراع أميركي مع روسيا في سورية. حدد بولتون الأهداف الأميركية الرئيسية وهي إخراج القوات الإيرانية والقوى الموالية لطهران ومنع إقامة جسر بري عبر سورية من إيران حتى البحر المتوسط. في الوثيقة المذكورة، هناك تحديد لأهداف أميركية أبعد: تحويل سورية إلى الميدان الرئيسي لهزيمة إيران والاتجاه المتشدد في طهران ممثلاً في «الحرس الثوري الإيراني» – الضغط على روسيا عبر تطويل الأزمة من أجل التعاون لإخراج الإيرانيين من سورية – عدم القبول بحل سياسي سوري بديل عن القرار 2254 تضغط الولايات المتحدة عبر وجودها العسكري في سورية من أجل تحقيقه، في اتجاه واضح نحو منع الروس من أن يكونوا عرابي الحل السياسي السوري، كما أوحوا عبر مؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية التي وافقت الأمم المتحدة على تشكيلها وفقاً لنص بيان مؤتمر سوتشي، ونحو أن تكون لواشنطن قوى محلية موالية في سورية ما بعد التسوية.

في هذا الصدد، ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في 29 آب أن بولتون أخبر المسؤولين الإسرائيليين بأن بوتين أبلغه في زيارته الأخيرة موسكو «بأنه لا يريد بقاء الإيرانيين في سورية ولكنه ليس واثقاً من قدرة روسيا لوحدها على إخراجهم من هناك». من الواضح أن الأميركيين يضعون في سلة واحدة موضوعي سورية وإيران، وإلا ما حصل التزامن عندما تم تعيين برايان هوك ممثلاً للإدارة الأميركية في الملف الإيراني في اليوم السابق لتعيين السفير جيفري مسؤولاً عن الملف السوري. على الأرجح سيستخدمون الأكراد السوريين كقوى محلية مساعدة على تحقيق أهدافهم ضد طهران، وأيضاً إسرائيل، ولكن تبقى الوسيلة الرئيسية هي الضغط على موسكو من أجل الوقوف مع واشنطن ضد طهران في سورية عبر وسائل، من أهمها تطويل الصراع السوري وجعله في حال استنقاع، فيما موسكو، «العالقة في سورية «وفق تعبير بولتون، مستعجلة أكثر من غيرها على حل الأزمة السورية. ليس خارج هذا الإطار اتجاه واشنطن إلى مبادرة تحصل للمرة الأولى وهي عدم حضور الولايات المتحدة لقاءات آستانة من أجل «مناطق خفض التصعيد» في سورية كما حصل في اللقاء العاشر في 31 تموز 2018. في الاتجاه ذاته، كان تفشيل واشنطن لقاء 7 أيلول الذي كان مقرراً أن يجمع روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا من أجل بحث ملفي «اللاجئين السوريين» و «إعادة الإعمار».

وليس من دون دلالة أن يستبدل اللقاء الرباعي في اليوم ذاته بلقاء ثلاثي: روسي – تركي – إيراني، ويحمل الكثير من المعاني عقده في إيران. هذا يعني أن الكرملين يدرك أن فتح أبواب الصراع مع واشنطن في سورية سيضطره إلى تقاربات مع الإيرانيين والأتراك، وهما في حالة صراع معلنة مع واشنطن عند الإيرانيين وشبه معلنة في الحالة التركية. ليس بعيداً أن أردوغان الذي يعيش الهاجس الكردي، ستقوده زيادة اعتماد واشنطن على الفرع السوري لحزب عبدالله أوجلان إلى الارتماء أكثر في الحضنين الروسي والإيراني، وهو يدرك أن منطقة شرق الفرات، تحت الرعاية الأميركية، ستكون موجهة ليس فقط ضد موسكو وطهران ودمشق، بل أيضاً ضد أنقرة.

ليس بعيداً الاحتمال أن يتحمس هذا الثالوث بانضمام باكستان المتوترة العلاقات مع واشنطن التي تتجه أكثر نحو الهند، وبانضمام الصين.

كمكثف: الأزمة السورية منذ أن تم تدويلها عام 2012، بعد فشل «السورنة» و «التعريب» و «الأقلمة» للأزمة، كان وقود محركات الحل السياسي يأتي من التوافقات الأميركية – الروسية. يبدو أن الأزمة السورية ستطول ما دام الموضوع الإيراني قد أصبح مترابطاً عضوياً مع نظرة واشنطن إلى الأزمة السورية وما دام هو «الشرط المسبق» لأي اتفاق أميركي – روسي حول سورية كما أوضح جون بولتون. لذلك، من الممكن أن تصل الأزمة السورية إلى استنقاع طويل كما حصل في لبنان بين عامي 1977 و 1990 بعد حرب السنتين إلا إذا حصل توافق موسكو وواشنطن ضد طهران في شكل مفاجئ في المدى القريب أو المتوسط. سيقود التحول الجديد في السياسة الأميركية إلى جعل القرار 2254 مطروحاً على جدول الأعمال من جديد بعدما أوحت تطورات ما قبل الأسبوع الثالث من آب 2018، بأن «بيان جنيف 1» و «القرار 2254» قد أصبحت شمسهما بحالة غروب لمصلحة انتقال سياسي سوري يرسمه مسار عمل اللجنة الدستورية التي ولدت مع مؤتمر سوتشي في مطلع عام 2018.

* كاتب سوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here