نصيحة لرئيس الوزراء المكلف

ادهم ابراهيم

اننا نعلم انك لم تكن مرشح الاحزاب الحاكمة . وانما الظروف الصعبة التي يمر بها العراق وانتفاضة اهلنا في الجنوب وخصوصا في البصرة الصامدة قد اجبرت الكتل المتنازعة على اختيار شخصية شبه مستقلة لادارة الازمة العراقية وازمة الاحزاب التي تورطت ليس بالفساد فحسب ، وانما بدماء الشعب فاصبحت احزابا عدائية استبدادية ، لاهم لها الا البقاء في السلطة وامتصاص دماء العراقيين وكبت انفاسهم . يدفعهم جهلهم بالسياسة والادارة وبالدين ايضا . وبالرغم من انك ابن المنظومة السياسية الحاكمة ، الا ان امامك فرصة تاريخية للتغيير . اقول التغيير لان الوضع في البلد لايحتمل مزيدا من المماطلة والتسويف والادعاء بالاصلاح فنحن نحتاج الى ثورة سياسية وفكرية وادارية لاعادة بناء ما افسدوه على مدى السنوات العجاف الماضية . ووضع قاطرة الدولة على السكة الصحيحة . . واول خطوة في هذا المجال لاتكمن في توفير الكهرباء او توصيل الماء العذب للمواطنين ولا الخدمات العامة او الصناعة ولا حتى الزراعة اوالتعليم رغم ان الشعب بحاجة ماسة اليها ، الا ان هناك اولويات لايمكن تجاهلها وهي اساس اي عمل سيادي او وظيفي للدولة . مما يستدعي العمل السريع لانجازها

انها هيبة الدولة التي ضيعت من قبل ميليشيات وازلام الاحزاب والكتل السياسية الفاسدة ، والتي تسببت في اهانة الوطن والمواطن على حد سواء

ان هيبة الدولة تعتمد على تطبيق القانون والنظام ، الذي هو اساس ضبط المجتمع واحترام كرامة الانسان

ان فقدان هيبة الدولة يؤدي الى ضياع الامن وتطاول الاحزاب والمافيات والعصابات الاجرامية على الدولة وممتلكاتها وعلى المواطن وحقه في الحياة الحرة الكريمة . . وفي هيبة الدولة يتحقق الاستقرار وتحافظ الامة على الاخلاقيات والقيم العليا وفي ضياعها تنتهك حقوق الفرد والمجتمع ايضا

ولضمان تحقيق هيبة الدولة علينا اولا نزع سلاح الميليشيات الحزبية ، وجمع كافة الاسلحة الثقيلة والمتوسطة من العشائر . ومنع العجلات غير المسجلة او ذات الستائر السوداء من التجوال ، والعبث بامن السكان الامنين ، والاستيلاء على اموال الدولة والشعب وتسليب المواطنين بدعاوى شتى . . ان ضبط النظام يبدأ من شوارع العاصمة بغداد والمدن العراقية الاخرى ، مرورا بالدوائر والمؤسسات والوزارات . حيث ان الامن اساس الحكم ، لكونه يوفر العدل ويضمن حقوق الدولة والمواطن على حد سواء

ان الحق والعدل والنظام لايتحقق بالامنيات والدعوات ، ولا بالنصح والارشاد كما يدعو البعض خطأ . . انه يتحقق فقط باستخدام قوة القانون فالسلم الاجتماعي بلا قوة تحميه سيكون شعارا فارغا لاقيمة له

ان ماجرى في سنغافورة مثالا يحتذى به لضبط النظام والتقدم حيث كانت دولة فقيرة تضم طوائف متناحرة ويعم فيها الفساد والعصابات . فعمل رئيس وزرائها السيد ليكوانيو على التعامل مع مواطنيه بنوع من الصرامة وكان عليهم ان يتقبلوا حكومة تميل الى الاستبداد لضبط الفوضى المنتشرة آنذاك . وقد تقبل الشعب ذلك حفاضا على تماسكه وضمان عيشه وامنه

ان العراقيين من الشعوب الذكية ولكنهم كالحصان الجامح ، فهم بحاجة الى

الضبط والنظام حتى يستطعوا العمل والابداع وفق ضوابط محددة تستند على القانون وفرض النظام بالقوة العادلة ، ومحاسبة اي شخص يهدد السلم والامن المجتمعي بسرعة وصرامة وعدم التهاون في كل مايتعلق بالامن العام ونظام الدولة وقوانينها

عندما تتحقق هيبة الدولة سيعمل الشرطي والموظف والوزير في

اطار المصلحة العامة التي هي احدى غايات الدولة الرشيدة ويبتعد عن الولاءات الحزبية والفئوية والعشائرية . ان هيبة الدولة من هيبة القانون ، وما الفساد السياسي والاداري الا مظهرا من مظاهر خرق القانون . ولايمكن محاربة الفساد او تقديم الخدمات الى المواطنين من دون تفعيل سيادة القانون والنظام في الشارع وفي المؤسسات العامة والخاصة . ان الفساد يبدأ من الاخلال بالنظام العام وماالمخالفات والجرائم المستمرة الا نتيجة لضعف الدولة وعدم توفر الاحترام اللازم لها

ان اولى خطوات العمل الجاد لادارة الدولة يبدأ من فرض القانون والنظام في الشارع والمدرسة والدائرة والوزارة صعودا الى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وهم يمثلون القدوة للمواطن والموظف

ان سلطة الدولة وهيبتها تبدأ من فرض القانون على المواطن وعلى المسؤول بنفس الدرجة من الوعي والمسؤولية . وهنا يبرز دور القضاء المستقل ونزاهته في التعامل مع المواطن والمسؤول على حد سواء من العدل والضبط

ان الشرخ الحاصل الان بين المواطن والدولة ، والذي وصل الى حد القطيعة يعود الى عدم ثقة المواطن بالحكم وعدم رضاه على سياسات الدولة

ان من واجبنا في هذه الظروف التي يمر بها البلد من انعدام الامن وانتشار الفساد ان ننبه الى عظم المخاطر المحدقة بالفرد والمجتمع نتيجة انهيار هيبة الدولة ، واننا بحاجة الى ثورة ادارية تعيد للدولة مكانتها وهيبتها امام المواطن بالدرجة الاساس . وليعلم الجميع ان لاخدمات عامة تقدم الى المواطنين ولا استثمار يعول عليه من دون وجود دولة قوية تقوم على اسس العدل والقانون والنظام ، ولها هيبتها في الداخل والخارج لتكون محل احترام الجميع

ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here