الحكومة الجديدة القديمة

تقاسمت الكتل و الأحزاب العرقية و الطائفية مرة اخرى المناصب الوزارية في الحكومة العراقية الجديدة ( العابرة للمحاصصة ) و ذلك بعد ان تقاسمت الرئاسات الثلاث المناصب الأولى في الدولة فكانت رئاسة مجلس النواب من حصة ( السنة ) و رئاسة الوزراء من نصيب ( الشيعة ) و رئاسة الجمهورية ذهبت الى ( الكرد ) و من هنا كانت تشكيلة الحكومة الجديدة منسجمة تمامآ مع المحاصصة التي قامت على اساسها الرئاسات فكان للشيعة حصة في هذه الحكومة و كان للسنة كذلك و اصبح للكرد عدة وزارات و هكذا دارت الدورة كاملة و عادت الى النقطة ذاتها التي انطلقت منها و ذلك منذ استلام الأحزاب الدينية الحكم في العراق .

فرضت الأحزاب و التكتلات مرشحيها الذين ينفذون توجيهات و تعاليم احزابهم و على رئيس الوزراء الجديد ان يختار منهم و هو الذي حاول ان يظهر و كأنه في حرية كاملة في اختيار وزراء حكومته و الواقع يقول عكس ذلك تمامآ فهو لم يستطع ان يخرج من قوقعة المحاصصة فكان ان وزع الحقائب الوزارية على اعضاء تلك الكتل الطائفية و العرقية كل حسب نسبته من عديد السكان و ليس حسب الكفاءة و الأختصاص و كما هو الحال الذي كانت عليه الحكومات السابقة و لم يتغير شيئآ من ذلك العرف السيئ الذي سنته الأحزاب القومية و الطائفية .

كل الكتل و الأحزاب القومية و الطائفية ترفع شعارات الغاء المحاصصة و اعتماد المواطنة و الكفاءة و النزاهة للمرشحين هذا في العلن اما في الخفاء فهي لا تتنازل عن مرشحيها للوزارات و نوابها و امتيازاتها و لو قليلآ لصالح الوطن و المواطنيين فهذه الأحزاب تمتاز بالرياء و النفاق و ان تظاهرت عكس ذلك ما يجعل من العملية السياسية و بوجود هذه الأحزاب التي تهيمن على البرلمان و الحكومة عملية فاشلة بشكل مريع حيث ينخر في اوصالها الفساد و الرشوة و تتآكل بفعل تعدد السلطات و مراكز القرار فأذا كان بأستطاعة زعيم ديني ان يحشد مئات الالاف من الناس و ينقض بهم على مقرات الحكومة و البرلمان كما حصل سابقآ او زعيم آخر يملك جيوشآ مسلحة تأتمر بقيادة اجنبية موجودة في الخارج .

هذه الدولة التي تعاني من ازمات مستعصية و مشاكل عميقة هي نتاج طبيعي لحكم الطوائف التي استولت على الدولة كغنيمة حرب و هي التي لم تحارب و من المستحيل التنازل او حتى المساومة على هذه الغنيمة للآخرين و بأستماتة المالك الذي يدافع عن ممتلكاته كانت احزاب الحكومة تدافع عن تلك السلطة التي كانت القوات الأمريكية المحتلة قد مكنتها منها ان تشبثت بها و بكل ما تملك من انتهازية و مكر و خديعة و هي غير مستعدة بالمطلق للتخلي عن الحكم و السلطة الا اذا اجبرت على ذلك بقوة العنف و السلاح .

اعادة السيناريو السابق الذي سارت عليه الحكومات المتعاقبة و منذ اكثر من خمسة عشر سنة سوف يعني تكريس حالة الأحتقان القومي و الطائفي و الذي من الممكن ان ينفجر في أي لحظة و ان يبقى السلاح منتشرآ و بشكل عشوائي و يباع على الأرصفة و ان تحتل الشوارع ميليشيات مدججة بالسلاح خارجة على القانون بشكل علني واضح ترفع اعلامها و تشهر اسلحتها و تفرض قوانينها و ان يسود العرف العشائري في الفصل بين المتخاصمين و ان تقام المحاكم في مضايف الشيوخ بدلآ عن قاعات دور العدالة و تنتشر الرشوة و يعم الفساد و تختلط الأمور و تسود الفوضى و حينها يؤخذ البرئ بجريرة المجرم و تمتلئ السجون بالأبرياء و يتجول المجرمون و المنحرفون بكل حرية .

لا نأتي بجديد ان قلنا ان التخلص من المحاصصة يعني ذلك و كما فعل الملك الراحل ( فيصل الأول ) حين استوزر شخصية مهنية و نزيه و جعل من ( ساسون حسقيل ) وزيرآ للمالية على الرغم كونه من اتباع الديانة اليهودية و هي قليلة العدد نسبيآ قياسآ مع باقي الأديان كالمسلمين و المسيحيين و مع ذلك لم يأبه الملك الراحل لأن القياس وقتها لم يكن قوميآ او دينيآ او طائفيآ بل كان و طنيآ بحتآ و كان من اكفأ الوزراء المشهود لهم بالنزاهة و الحرص على المال العام و مازال يذكر بالخير و الأمتنان و كانت تلك السنة الحسنة و التي لم يؤخذ بها لاحقآ و بالأخص بعد سقوط النظام السابق و سيطرة الأحزاب الدينية على الحكم حيث صار المعيار هو الولاء للطائفة او القومية بدلآ عن الولاء للوطن .

اذا كان رئيس الوزراء الحالي هو ذاته من تسنم عدة مناصب حكومية سابقآ من خلال المحاصصة الطائفية و يعتبر احد عرابي هذا النظام التقسيمي و احد رموزه فليس من المعقول و المنطقي و الحالة هذه ان يطلب منه ان يخلع عباءة الطائفية التي اوصلته الى تلك المناصب الحكومية الرفيعة السابقة و منصب رئيس الوزراء حاليآ فكان الأجدى به ان كان حريصآ على الوطن و المواطنيين ان يرفض التكليف و يعتذر عن تشكيل الوزارة و يعلن ذلك صراحة و علانية ان كان حقآ يعمل على تأليف حكومة من وزراء مهنيين اكفاء و مستقلين لا ينتمون الا الى الوطن بكافة اطيافه و مكوناته دون تمييز او تفريق لكن فاقد الشيئ لا يعطيه .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here