ظاهرة ” التنمر” المدرسي—- أسبابهُ علاجهُ

عبدالجبارنوري
توطئة / الذي شجعني في البحث في مثل هذه الظاهرة الخطيرة والمهملة من قبل القيادات التربوية والسلطة المركزية بتغاضيها وعدم النظر أليها وهي تسير نحو النكوص بالعملية التربوية وربما كانت مهنتي كتدريسي لمدة أكثر من 35 عاما لكل المراحل ، وثمة صدفة أن أشاهد أحدى القنوات تعرض برنامجاً تربوياً تعرض صورة لمجموعة من التلاميذ يضربون ويركلون تلميذا بشدة وقساوة وهو يصرخ ويطلب النجدة من المدير والمعلمين ولا من مجيب ، فهم جماعة متنمرة ومستأسدة ومستقوية
بدأت ظاهرة ” التنمر ” Bullying تنتشر بكثرة في الآونة الأخيرة وأصبحنا نرى التنمر في كل مكان في الشارع في المدرسة أو الجامعة ، والمنزل حتى في مكان العمل .
أذاً ما هوالتنمر ؟! : هوشكل من أشكال العنف والأيذاء والأساءة التي تكون موجهة من فردٍ أو مجموعة من الأفراد حين يكون الفرد المهاجم أقوى من الأفراد الباقين بأستعمال لسانه بالتحرش والأستفزاز وعندما يرى الضحية تلبس الضعف والجبن عندها يستعمل يديه وربما رجليه ، فهو سلوك عدواني متكرر يهدف للأضرار بشخصٍ آخر عمداً جسدياً أو نفسياً بهدف أكتساب السلطة على حساب شخصٍ آخر وتتضمن بعض التصرفات التي تعتبر ( تنمراً) كالتنابز بالألقاب أو الأساءات اللفظية الجارحة والأقصاء المتعمد من بعض الأنشطة والمناسبات الأجتماعية ، تأخذ أحياناً الأحتكاك الجسدي الضرب والركل أو المزاح الثقيل ، ويتصرف المتنمرون بهذه الأساليب القسرية بدافع الغيرة أو ألفات النظر على أنهم أقوياء.
وهناك تنمر ألكتروني بأستغلال الأنترنيت لأيذاء الأشخاص بطريقة متعمدة وعدوانية كأستعمال الرسائل الي تسعى للترهيب والأيذاء والتخويف والقمع وتشويه السمعة ، ويتبع الأشخاص المتنمرون سياسة الترهيب والتخويف والتهديد أضافة إلى الأستهزاء والتقليل من شأن الضحية ، وقد تدفع تداعيات هذه الظاهرة الخطرة بالضحية الضعيفة إلى التسرب من المدرسة وألى العزلة والتوحد وربما حتى اللجوء ألى النهاية المحزنة ألى الأنتحار ومن تداعياته الأخرى : أن ظاهرة التنمرلا تنعكس آثارها على الضحية فقط حين أظهر ت الدراسات أن المتنمرين أنفسهم من المحتمل أن يكونوا أكثر عرضة للفشل في حياتهم المستقبلية وهم أكثر عرضة لأرتكاب الجرائم في سنٍ مبكرةٍ ، والتنمر المدرسي الذي يقوم على البلطجة والترهيب والأستئساد والأستقواء أسماء مختلفة لظاهرة سلبية مستلبة في الغرب الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وصلت ألينا وبدأت تغزو مدارسنا بقضل تأثيرات العولمة والغزو الأعلامي الغربي والأمريكي ، ففي أمريكا مثلاً تعتبر ظاهرة التنمر المشكلة التربوية المعاصرة والأكثر حضوراً ويشار أليها بالعنف المدرسي ، وتشير الدراسات الأستبيانية للعملية التربوية الأمريكية : أن 10 من طلاب المدارس الثانوية يغيبون يوماً في الأسبوع على الأقل بسبب الخوف والأيذاء من الذهاب إلى المدرسة خوفاً من تلقي العنف والأيذاء الجسدي وأتضح أن 65% من الطلاب في النروج والسويد وآيسلاندا تعرضوا لممارسات التنمر وأظهرت الدراسة الأستبيانية أن 50% من طلاب الولايات المتحدة الأمريكية يتعرضون ألى مثل هذه الممارسات المخيفة والمرعبة من أقرانهم في المدرسة ، وأن هذه الظاهرة المخيفة تبدو وأنها تسربت إلى مدارسنا الروضة والأبتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعة بنسبة تترواح بين 35- 37 % ، وتشير بعض الدراسات المسحية أن 61% من الفتيان و43% من الفتيات يعانون التنمر في مدارس العراق ، وهذه الأحصاءات المقلقة تدفعنا للتساؤل حول هذه الظاهرة وتحليلها ومعالجتها حتى لا يستفحل أمرها وتتحول إلى عامل هادم ومخرب للعملية التربوية تحت عنوان ( الهدر المدرسي )
ومن علامات التنمر للطفل الضحية : أنسحاب الطفل بشكلٍ متكرر من الأنشطة المدرسية ، وأبتعاده عن زملاءه التلاميذ ، وأهمال في منظرهِ العام أي شكله الخارجي ، وأهمال واجباته المدرسية ، وهروب الطفل من واقعهِ الذي يعيشهُ ، التأخر عن الدوام ، يتعرض الطفل المعرض للتنمر حالة عصبية في الغضب والتوحد ، الأرق وقلة النوم ، الصداع وآلام المعدة ، وحالات من الخوف ، قد يخفي أدوات حماية نفسه كبعض أدوات جارحة ، وربما يعاني حالة من فقدان أو زيادة في الشهية والوزن .
أسبابه/ -الأسباب السيكوسوسيولوجية : وهي مجموعة موروثات جينية تتعلق بأنحداره الطبقي الموبوء ببعض الأضطرابات النفسية وليس بعيداً أن تتحوّل إلى منظمة أرهابية تحت عنوان ” الجريمة المنظمة “.- الأسباب الأسرية : في ترك المتابعة وعدم معرفة ما يدور حولهُ في المدرسة ، ولتكن العلاقة بين الطفل وأبويه علاقة صداقة لمعرفة ما يعاني في المدرسة ، وقد تكون العلاقة بين الزوجين متنافرة تسودها أشكاليات العنف الأسري حينها تقلد من قبل الأطفال واليافعين المراهقين فيطبقونها على زملائهم .- الأسباب المرتبطة بالحياة المدرسة : أنحدار العملية التربوية بعد الأحتلال إلى وضعٍ غير مسبوق في ظاهرة تدخل أولياء الأمور وأعتداءهم على ملاك المدرسة مما أدى إلى تراجع هيبة المعلمين وعدم تمكنهم من التأثير على الطلاب ، والخطأ الأخر حين يفوّض المعلم المركزية في التحكم ربما يستعمل العنف حيث يُقلدْ من قبل المتنمرين في ساحة المدرسة والشارع ، أساليب التعليم التقليدية المرتكزة على العقاب المهين تزيد من عدوانية أصحاب الشخصية المتنمرة ، مع غياب (الأنشطة الموازية) داخل المدارس وأختزال برامجها في تحفيظ المناهج المقررة . – الأسباب المتعلقة بالأعلام والثورة التقنية : كالأدمان على (الآي بات) ومشاهدة أفلام العنف وما يعرضه الأنترنيت وما تعرضه قنوان الدولة الفضائية من أفلام الجريمة ، وخصوصاً أذا ما أستحضر الطفل ميله الفطري إلى تصديق هذه المشاهد ينحو إلى التقليد وأعادة الأنتاج.
علاجهُ/- دور الأسرة : في وضع خطة جادة وفعالة مع مدرسة الطفل للأطلاع على سلوك التلميذ ومدى أستيعابه للمواد العلمية المقررة وعلاقاته مع أقرانه .- متابعة الضحية والمتنمروأفهامهما بالسلوك السوي .- التحكم في مشاهدة الطفل لبرامج العنف والجريمة ، أشراك الأطفال في نوادي رياضية لتقوية الأجسام للدفاع عن نفسه فقط.
دور المدرسة :- سن قوانين حازمة تمنع الأيذاء سواء كان بدنياً أو نفسياً.- تكثيف المراقبة داخل الصف وفي الساحة المدرسية .- أعداد الكادر التعليمي من خريجي المعاهد والكليات التربوية المختصة بالعملية التربوية .- تنمية ثقافة الصداقة بين الطلاب ، وتقويم الوازع الأخلاقي لديهم وتعزيز قوة الشخصية وعوامل الثقة بالنفس والكبرياء لدى الطفل ، وعلى الدولة الأشراف الكامل على عروض القنوات ودور السينما ، وأستثمار الفراغ في العطلات المدرسية في أشغال الطفل في السفرات القصيرة لأكتساب خبرات حياتية ولملآ الفراغ ، أعادة العمل بالبطاقة المدرسية التي فيها معلومات مستفيضة عن التلميذ ومستواه العلمي وعلاقاته وتوازنه النفسي وعنوان مسكنه وهاتف ولي أمره .
باحث عراقي مقيم في السويد
في29/10/2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here