أزمة القطاع العام وعرقلة التنمية في العراق

د. عبدالرضا الفائز
[email protected]

أزمتنا في العراق ليست أزمة مال أو رجال أو أرض أو موارد فكل هذا موجود، وإنما هي أزمة قيادة وأزمة إدارة وأزمة أنانية مستحكمة يفرزها إعلاء حب كراسي السلطة على حب الوطن والشعب ووضع مصالح كتل شلل “الأحزاب” أولا قبل الناس والوطن. إن لدينا كثرة من “السياسين” وكثرة فيهم يعتقدون إنهم كذلك، لكننا نفتقد الإداريين المبدعين القادرين على إخراجنا من إقتصادنا الريعي المهلهل ومأزقه المأزوم.

ولأن الإدارة علم قائم بذاته ولأن الروتين عدو أي إدارة، فشلنا بعد 2003 في إدارة النمو والإقتصاد والاستثمار والموارد البشرية خصوصا والدولة عموما، لأننا لم نقدر ذلك العلم ولم نحارب عدوه. إن ركيزة فشل التنمية والإستثمار في العراق، هو تخلف القطاع الحكومي العام الذي وجب أن تكون وظيفته الحقيقية “دعه يعمل” من أجل تسهيل ما يحمي سيادة الوطن وأمنه وإدارة شأنه العام في بيئة الابداع من أجل التنمية والإستثمار التي يجب أن يتولاها (تحت رقابة ذلك القطاع) القطاع الخاص.

إن القطاع العام العراقي الذي يعمل بإدارة “لا تدعه يعمل” تحت سلوكيات فساد إدارية متخلفة، روحها العرقلة والمماطلة والتسويف هو قبر يتسع كل يوم لقبر القطاع نفسه بعد أن قبر ذلك القطاع فرص مجتمعه وخنق نموه وعرقل حياة أفراده في روتين بدائي متخلف، يستخدم العتيق من وسائل وأدوات وتعليمات لا تسند النمو أو تشجع الاستثمار.

إن هناك فرق، بين حكومة ناجحة لها قطاع عام مدرب ونزيه يتماهى مع الحديث والمتقدم في الإدارة، يزيل عن طريق مواطنيه العراقيل والعقبات من أجل العمل والتطوير والإستثمار للنجاح الجمعي والتميز الفردي والمؤسساتي. وحكومة فاشلة (في دولة ريعية … غالبا) قطاعها العام عتيق كسول ومترهل، يحارب التنمية ويعرقل الإستثمار والتقدم، تعمل دوائره (الحكومية) ونقاط إدارته الكسولة المترهلة على تعويق بعضها البعض وتحارب (ما أستطاعت) القطاع الخاص الذي لا ينظر له إلا منافسا أو عدوا (لا شريكا) في التنمية ورديفا في البناء. فتجد ظواهر الفساد البينة التي تظهر في توزيع مناصب ذلك القطاع (المتهالك) بالمحاصصة المذمومة التي لا تأخذ الكفاءة والمسؤولية وخدمة الوطن والناس، ناهيك عن الأمانة والصدق والإخلاص … في الإعتبار.

أن يكون لنا في العراق قطاع عام صحي ونزيه هي أمنية نتمنى تحقيقها. لكن الأماني حلم المستيقظ وسلوة المحروم إن لم تؤسس حول فكرة ورؤية ثم مشروع يجعل ذلك قضية وطنية عليها تستند شرعية وصول ومنها تصنع مشروعية تأهل لم تتوفر لدينا بعد بفضل ما يدعى أحزاب … للأسف. إننا كعراقيين نحتاج إلى تغيير مجتمعي يشمل نواحي عديدة ليس أولها الحاجة إلى ظهور أحزاب عصرية تعي التنوير والتطلع إلى المستقبل والتخطيط له. ليست حبيسة أزمات وإحتقانات لا دخل لأبناء الحاضر بها، تعمل بحاجات العصر (ولا تتخندق بألتباسات الماضي). تفهم تطور المنطقة والعالم وما جرى فيهما من إرهاصات حديثة أولدتها الثورة الصناعية الرابعة وما أنتجه اقتصادها وأساليب الإدارة فيها من توأمة الرقمنة (Digitization) والأتممة (Automation) وما صنعته النمذجة الافتراضية (Virtualization). وبدون ذلك لن نتغير مع أحزاب سلبية الذهن عتيقة التفكير والعقل فقيرة الرؤى لم تطرح مشروعا وليس لها قضية (أو شعار لها) لا تملك القدرة على التغيير إن لم تكن نفسها هي عدوته من أجل مصالحها التي تقدمها على كل إعتبار.

إن الفشل في الانتصار على روتين البيروقراطية والفساد لا يعني نجاح البيروقراطية أو ثبات الفساد بل هو إثبات لفشل أولئك الذين ظهروا (صدفة) على مسرح الأحداث في العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here