القفص (قصة قصيرة)

في موسم التكاثر , تبحث الذكور عن الإناث , التي تغرد بشكل خاص لجذب الذكر المناسب لها , وربما مارست بعض الطقوس لإثارة الذكور العاشقة , الصياد الماكر لم يغفل عن هذه المعلومة , فعمد الى صنع قفص متوسط الحجم , وقسمه الى ثلاثة أقسام , في القسم الاوسط وضع أنثى والهة , وفي القسمين الجانبيين تركهما فارغين , ووضع في كل قسم ثلاثة أبواب متحركة , تسمح بدخول الذكر العاشق , لكنها ستغلق ذاتياً بعد دخوله , ولن يستطيع الخروج منها , ثم كمن متربصاً في مكان ليس بعيد , من هناك يمكنه مراقبة القفص الفخ المعلق على غصن شجرة باسقة .
لم يمض وقت طويل , حين وصل أول الوافدين الذكور , أخذ يتفحص القفص بحثاً عن مكان يمكن من خلاله الولوج الى الأنثى الوالهة في الداخل , بعد عناء طويل , أكتشف أحد الأبواب , فأقتحمه , حينئذ أكتشف انه قد وقع في سجن , لم يصل الى الأنثى من جهة , ولم يتمكن من الخروج من جهة أخرى , شعر بالحزن , حدق في الأنثى وقال لها معاتباً :
– لم لم تخبريني أنه فخ ؟ ! .
– حقيقة .. كنت أرغب بصحبة .. فقد قيل قديماً (حشر مع الناس عيد) .
أدرك معنى الورطة التي وقع فيها , فأخذ يلعن رغبته الجامحة التي أدت به الى هذا المطاف , في تلك الأثناء , تقدم ذكر عاشق أخر , لكنه فضل الدخول من الجهة الأخرى , فوقع بالفخ , ثم أخذ بإنزال اللوم على العصفورين :
– هيه أنتما .. كان يجب عليكما ان تحذراني ! .
– كنا نبحث عن رفقة في الوقت الذي كنت تبحث فيه عن قرينة تقترن بها .. ايها العاشق المسكين !.
الصياد الجشع كان يراقب بفرح وحبور , حيث أن التجربة قد أتت أكلها , فأستلقى مطمئناً على المرج الأخضر واضعاً قبعته على وجهه .
هكذا توالت الذكور العاشقة تقع في الفخ واحداً تلو الأخر , كل من يقع أخراً ينزل اللوم على سابقيه , موجباً عليهم تحذيره , لكنهم يسخرون منه كما يسخرون من أنفسهم .
– غرائزنا أوقعتنا في هذا الفخ اللعين .
– لا مبالاتنا كانت السبب .
– كان ينبغي أن نكون اكثر حذراً .
بعد ساعتين أمتلأ القفص بالطيور الصغيرة الجميلة , ألقى الصياد الجشع نظرة على القفص :
– لم يحن الوقت لجني الثمار .. اريد المزيد ! .
أستلقى مرة أخرى وأستسلم لنوم خفيف , لم يلاحظ قدوم زائر غير مرغوب فيه , أختبأ جيداً بين الأغصان , وهو يلاحظ هذه الفرائس الطازجة اللذيذة أمامه , ظنها سهلة المنال , أقترب من القفص , فهاجت الطيور خوفاً منه , سمع الصياد الضجة , ألا أنه لم يكترث , فقد ظن هو الأخر إن هناك المزيد من الذكور قد وصلت أو وقعت في الفخ , وأستسلم للرقاد تحت أشعة الشمس الدافئة .
شرع الطير الكبير المفترس بتفحص القفص الفخ , حاول الدخول , لكن حجمه الكبير لم يسمح له بالولوج , لذا أخذ يحوم حول القفص , مفكراً بطريقة تمكنه من تناول طعامه المفضل طازجاً , ولأنه مفترس محتال قام بأرجحه القفص وضربه بأجنحته , بدأ غصن الشجرة بالتداعي , لم يحتمل وزن القفص بما في داخله زائداً حجم الطائر المفترس الكبير , فهوى , حتى ارتطم بالأرض وأنكسر , عندئذ , تمكنت جميع الطيور من الفرار.

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here