الوجود الإيراني الأمريكي في العراق بات مصدراً لإثارة الصراع

د . خالد القره غولي .
تأنيت كثيرا قبل إن اكتب هذا المقال بعد مرور ( 15 ) عاماً على احتلال العراق , وسير الوضع العام في هذا البلد . من سئ إلى الاسوء ولم يتحقق الجديد للعراقيين , غير الهم والانفلات الأمني وزيادة البطالة وعدم تحقيق أمنيات العراقيين , قليلون هم الذين توقفوا عند الأرقام الحقيقية المخيفة , حول عدد الشهداء في العراق الجديد , نتيجة للاحتلال الأمريكي عام ( 2003 ) بينما التزم الكثير من المثقفين و السياسيين العراقيين .
الذين أيدوا وساندوا الغزو الصمت المطبق وكأن هؤلاء الذين قتلوا, وفاق عددهم مليوني شخص ،
ليسوا من أبناء جلدتهم ناهيك عن كونهم بشراً عرباً ومسلمين , هذا الرقم مرعب بكل المقاييس ، لأنه يعني إن واحداً من كل ثلاثون عراقياٌ قد قتل ، إي ما يعادل ( 4.5 ) في المائة من أبناء العراق , وإذا قدرنا عدد ألجرحي بأربعة إضعاف هذا الرقم على اقل تقدير فان الصورة تبدو مأساوية , تخيلوا لو قتل ( 4.5 ) في المائة من الشعب الأمريكي إي ( 14.5 ) مليون شخص ، أو النسبة نفسها من الشعب البريطاني إي مليوني وربع المليون , ولعل ما هو اخطر من نتائج هذه الدراسة وأرقامها استمرار عمليات القتل بمعدلات يومية , تقترب من مئتي شخص , فقد أحصي أكثر من ( 4500 ) جثة في مشارح مستشفيات بغداد وحدها خلال عام ( 2006 ) ما يجري في العراق اليوم حرب إبادة تخوضها الحكومتان الأمريكية والإيرانية وبعض المتعاونين معهما من العراقيين لإفناء الشعب العراقي ، وتدمير بلاده بالكامل ، وتقطيع أوصالها ، حتى لا تقوم للعراق قائمة لعدة قرون قادمة , وحتى نقرب الصورة أكثر لفهم إبعادها ، نذكر بان عدد الشهداء من العراقيين من جراء هذا الغزو الأمريكي الوحشي يبلغ ضعفي نظرائهم اليابانيين الذين سقطوا ضحايا قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما النوويتين في نهاية الحرب العالمية الثانية ، الفارق يكمن في تعاطف العالم مع الضحايا اليابانيين ، وغياب إي تعاطف مع الأشقاء العراقيين حتى من قبل بعض أبناء جلدتهم ، من العراقيين والعرب في الحكومة العراقية والحكومات العربية , الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش الابن المسؤول الأول لهذه الحرب سارع إلى التشكيك بمثل هذه الأرقام ، ومصداقية المجموعة البحثية التي عكفت على إعدادها ، وخاطرت بأرواحها وسلامتها ، عندما زارت أكثر من إلفي أسرة عراقية في طول البلاد وعرضها ، وكأن هؤلاء ينتمون إلى جامعة عربية من الدرجة العاشرة ، وليس لجامعة جون هوبكنز الأمريكية المحترمة التي تعتبر واحدة من أهم عشر جامعات على مستوي العالم بأسره , فإذا كان الرئيس الأمريكي الاسبق بوش الابن يشكك بنتائج هذه الدراسة ، ويري مبالغة فيها ، ويتمسك برقم عدد من القتلى ، فليفسر لنا أسباب عدم إجراء حكومة بلاده إحصاءات دقيقة لعدد الشهداء العراقيين ، وهي التي توثق ، بدقة متناهية ، إعداد وأسماء القتلى والجرحى الأمريكيين بشكل دوري , نحن نعرف هذه الأسباب جيداً ، فالعراقيون ، وكل العرب والمسلمين الآخرين ، لا يعتبرون بشراً في نظر الإدارة الأمريكية الحالية ،وحتى إذا اعتبروا بشراً في نظرها ، فإنهم من درجة متدنية كثيراً بالمقارنة مع نظرائهم الأمريكيين والغربيين , لا احد يريد في هذه الإدارة ، أو المتواطئين مع عدوانها ، خاصة من العراقيين والعرب ، إن يعترف بالنتائج الكارثية التي تحدث حالياً في العراق ، حتى لا يقال إن العراق في زمن الرئيس العراقي صدام حسين كان أفضل كثيراً مما هو عليه الحال الآن , فهؤلاء على استعداد إن يذبح الشعب العراقي بأسره على أن يتم الاعتراف بهذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس , ومن المؤسف إن كل شخص ، خاصة من المعسكر العربي الرافض أساسا لهذه الحرب ، يحاول إن يصرخ مذكراً بالوضع الآمن والمستقر الذي كان عليه العراق قبل الغزو والاحتلال ، رغم الحصار ألتجويعي ، يتهم فوراً بأنه عميل للديكتاتورية ، ومساند للمقابر الجماعية ، وهي اتهامات إرهابية أخرست الكثيرين على مدى الأعوام الماضية , دلونا علي مقبرة جماعية واحدة مثل تلك المقبرة الجماعية التي ارتكبتها أمريكا وحلفاؤها في العراق وبلغ ضحاياها حتى الآن أكثر من مليوني إنسان عراقي بريء , أو المقبرة السابقة التي ضمت رفات مليون ونصف المليون عراقي سقطوا نتيجة الحصار الظالم وغير الإنساني والقانوني الذي فرض تحت أكذوبة كبري اسمها أسلحة الدمار الشامل ثبت بالأدلة القاطعة , وتقارير الكونغرس نفسه بطلانها , لقوات الأمريكية لم تعد قادرة على حماية سفارتها في العراق ، فكيف ستحمى الشعب العراقي الذي تعتبر حمايته ، وأمنه ، من مسؤوليتها بمقتضي اتفاقية جنيف الرابعة ! الوجود الإيراني الأمريكي في العراق بات مصدراً لإثارة الصراع ، ومنع إي أمل بالاستقرار وإذكاء نار الحرب الأهلية الطائفية , حسب أقوال 90% من العراقيين في استطلاع أجراه قسم العلوم السياسية في جامعة ميريلاند الأمريكية , ومع ذلك يصر الرئيس الأمريكي على استمرار بقاء عدد من القوات الأمريكية قرب السفارة الأمريكية , ويرى إن العراق والعالم باتا في أفضل حال وأكثر أمانا , الدراسة نفسها قالت إن 95% من العراقيين يريدون انسحاباً أمريكيا كاملا , العالم يقف حالياً كشاهد زور إمام حرب الإبادة التي تستهدف أبناء الشعب العراقي ، وربما يفعل الشيء نفسه إمام حرب أخرى مماثلة تستهدف إيران , فالأساطيل الحربية الأمريكية تتدفق إلى الخليج وبحر العرب ، والمناورات العسكرية بدأت ، والعد التنازلي لتدمير بلد آخر , وربما المنطقة بأسرها نتيجة له ، قد بدأ أيضا , فليس من قبيل الصدفة إن تشكل السيد وزير خارجية أمريكا تحالف المعتدلين من ست دول خليجية , علاوة على مصر والأردن , العرب والمسلمون يريدون الحرية فعلاً ، ولكن الحرية من أمريكا وتدخلاتها في شؤونهم بمثل هذه الطرق الدموية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here