ضرورة الاقتصاد المعرفي

دكتورة / سعاد ياسين
نائب رئيس جمعية المحامين البحرينية
______________________________

أصبحت التقنية والمعرفة في العصر الحديث من أهم عوامل الإنتاج إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وبالتالي باتت المعرفة هي رأس المال الحقيقي، وأصبح نمو الاقتصاد يقاس ويقدر بتراكم المعارف. فالاقتصاد المعرفي هو الاقتصاد الذي يعتمد على المعرفة، وهو نوع من إنتاج واستغلال المعرفة، فأكثر من 60% من عمال الولايات المتحدة هم عمال معرفة؛ والاقتصاد المعرفي هو فرع من فروع علم الاقتصاد الذي يهتم بعوامل تحقيق الرفاهية العامة من خلال مساهمته في إعداد دراسة نظم تصميم وإنتاج المعرفة ثم تطبيق الإجراءات اللازمة لتطويرها وتحديثها من أجل تنمية شاملة ومستدامة قوامها المعرفة تلك الأخيرة التي يمكن أن تكتشف أو توضع من قبل العامة بدون تكلفة ، ولكن عامل المعرفة نفسه هو الذي يعالج الرموز ويحللها أكثر من معالجة الآلات فهو باختصار Analyst.
ويجد صانع المعرفة صعوبة في منع الآخرين من استخدام المعرفة، على الرغم من توفر بعض وسائل الحماية القانونية لاستغلال تلك المعرفة مثل حقوق الطبع والنشر وبراءة الاختراع وغيرها التي تكفلت بها التشريعات الوطنية والدولية ؛ وبالتالي مما لاشك فيه فان رأس المال الفكري أو الذهني أو المعرفي هو أساس تحقيق المنافسة في النظرية الاقتصادية الآن؛ ومن هنا كان على الشركات أن تتعلم كيف تحول ما لديها من رأس المال الفكري في ضوء متغيرات العالم وبالتالي فلا مناص من الاعتراف بتحول المعلومة إلى سلعة حقيقية يمكن الاتجار بها،فالاقتصاد المعرفي أمسي ضرورة الآن لنهضة الدول وأساس للتنمية الاقتصادية لها فهو نمط جديد يختلف في كثير من سماته عن الاقتصاد التقليدي(العادي ) الذي ظهر في أعقاب الثورة الصناعية ، وهو يتمثل في استغلال المعلومات ؛ باعتبارها من أهم السلع في المجتمع ؛ وهو الأداء الرئيسية لنمو الاقتصاد باعتماده على تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتبحيث يتم تحويل المعارف العلمية إلى الشكل الرقمي ؛ يتضح أن تنظيم المعلومات وتحويلها للشكل الرقمي من أهم العناصر الأساسية في الاقتصاد المعرفي الذي أمسى متمثلاً في الصناعات المعتمدة على تقنيات النانو والمعلوماتية المتقدمة على مستوى العالم ككل ، تلك الصناعات التي يعتبر فيها الفكر أو الجهد البشري الخلاق Knowledge المصدر الرئيسي للمزايا التنافسية للمنتجين ؛ ونتيجة لذلك فعادة ما تضطلع تلك الصناعات باستثمارات ضخمة جداً _ بالمقارنة بغيرها من الاستثمارات _في مجال خلق وتنمية ذلك الفكر والجهد البشري ؛ لذلك فلاغرو أن يتم تعريف الصناعات التكنولوجية المتقدمة بتلك التي تنطوي على نسبة إنفاق فوق المتوسط على البحوث والتطبيقات والتطوير أو نسبة توظيف فوق المتوسط للعلماء والمهندسين، أو كليهما تلك الصناعات المعتمدة على تقنيات المعلومات هي الصناعات التقنية المتقدمة التي تضم المجالات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية والتي تعتمد أساساً على الفكر أي الجهد البشري الخلاق وهي تضم على سبيل المثال:الالكترونيات والاتصالات ، تكنولوجيا المعلومات ، الطاقة الجديدة والمتجددة ، تكنولوجيا المواد الجديدة (النانو) ، الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية ، و التدريب ، وأدوات الإنتاج عالية التقنية – الأجهزة والمعدات الطبية .
و في ظل الاقتصاد المعرفي يجب علي كافة مؤسسات الدولة بكل أجهزتها وكذلك القطاع الخاص أن يهتموا بتوليد وتشجيع مؤسسات البحث والتطوير في الجامعات، وهذا يتطلب قيام الدول النامية من جهة برفع معدلات تمويلها ودعمها لهذه المؤسسات، وذلك من قبل الشركات المتقدمة، وكذلك مؤسسات التوثيق العلمي وشبكات نقل المعلومات ومؤسسات الترجمة، ومن جهة أخرى عن طريق البعثات للاختصاصات المختلفة بقصد نقل المعرفة وتوطينها، يضاف إلى ذلك جهود التعاون الإقليمي والدولي في هذا الصدد .
من ثم ننتهي إلى خلاصة القول بأن اقتصاد المعرفة أصبح محرك رئيسي لنمو الاقتصاد ، ويجب على الدول أن تعي هذا ، وأن تتحول شطره ، وان لا يقتصر اقتصادها على الاقتصاد التقليدي فحسب ، أن تعمل الدول التي تسعى لذلك على أن توفر المقومات اللوجستية والمادية والبشرية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here