عن زيارة الرئيس العراقي إلى إيران

علمتنا الحياة دائما أن هناك أولويات وحالة تفاضل وعمليات مقارنة بين مختلف أمور وقضايا الحياة ولکي يکون للإنسان دائما القرار الأکثر صوابا والأقرب للواقع والمتطابق مع ميوله وأهدافه ومصالحه، فإنه يأخذ کل ذلك في الحسبان قبل اتخاذ أي قرار، ومن الطبيعي أن المسؤولية تصبح أکثر حساسية وأثقل على الکاهل کلما زادت مکانة ومنصب ذلك الإنسان، خصوصا عندما يکون وزيرا أو رئيسا للبلاد، فعندئذ عليه أن يراعي کل ما يقوم به بدقة وبمنتهى الحرص والانتباه إلى مايوجد أمامه من أولويات وحالة تفاضل وعمليات مقارنة بين مختلف الأمور والقضايا المتعلقة بمصالح البلد وشعبه.

هذه المقدمة وجدنا من المناسب جدا ذکرها ونحن قد اطلعنا من خلال وسائل الإعلام عن نية الرئيس العراقي برهم صالح لزيارة إيران في الأسبوع المقبل ، ومع احترامنا وتقديرنا للرئيس صالح، لکننا نعتقد بأن هکذا زيارة ستتم قراءتها وتفسيرها من جانب الأوساط السياسية والإعلامية من زوايا تضع هذه الزيارة في کفة لايمکن أن يتم ترجيحها لصالح العراق وشعبه، فالعراق وقبل کل شيء بلد عربي ويعيش في وسط عربي وأنه شاء أم أبى محسوب على الوطن العربي وأن تخصيصه في هذا التوقيت الحساس القيام بزيارة إلى إيران، فإن لذلك معنى لايمکن أن يکون إيجابيا لأسباب وعوامل متباينة قد نورد بعضا منها في هذا المجال الضيق لاحقا.

إن منصب الرئيس في ظل الدستور العراقي وعلى الرغم من أنه معنوي و فخري وتشريفي ولا يملك صلاحيات، لکنه وکما نعرف جميعا يرمز ويمثل العراق والشعب العراقي، وتخصيص زيارة له لإيران فإن ذلك يعني منح أولوية لها على حساب بقية البلدان الأخرى، أو حاضنة العراق الأساسية، وهو أمر نرى فيه ظلما کبيرا للبلدان العربية عامة وللمملکة العربية السعودية خاصة والتي کانت دائما أکثر الدول اهتماما ومراعاة وتتبعا لأوضاع وأحوال الشعب العراقي والعمل من أجل مد يد العون والمساعدة الأخوية له، ويعلم الرئيس العراقي جيدا بأن الشعب العراقي يکن احتراما وتقديرا خاصا للمملکة التي لها مکانة في قلوب أبنائه، وإن تخطي السعودية ومنح الأولوية لإيران يحمل العديد من الدلالات غير المحببة والمناسبة ونريد هنا أن نلفت النظر إلى أن أول زيارة خارجية قام بها الرئيس اللبناني ميشال عون بعد توليه مهام منصبه قد کانت للسعودية، وهو أمر لفت النظر کثيرا في وسائل الإعلام العالمية وتم الاهتمام به وتسليط الأضواء عليه وتم شرح مايمکن أن يتداعى عنه، ونسأل هنا الرئيس صالح؛ کيف سيفسر الإعلام العالمي زيارتکم لإيران ومنحها الأفضلية على السعودية خصوصا؟

لسنا نحن من يقول شيئا سلبيا بخصوص الدور الإيراني في العراق منذ عام 2003، وإنما الشعب العراقي نفسه ومن كل القوميات والطوائف والمذاهب يقول ويٶکد ذلك، وإن الأوساط السياسية العراقية بما فيها الکردية التي ينتمي السيد المحترم برهم صالح لها، تشهد على الدور التخريبي السلبي لطهران في العراق ولاسيما من حيث تدخلاته في مختلف الأمور وکونه صاحب المصلحة الأکبر في انعدام الأمن والاستقرار والفساد وتأجيج الطائفية وهو الذي أسس للاختلافات بين مکونات الشعب العراقي وساهم في تعميقها أکثر بعد تأسيسه لميليشيات مسلحة تابعة له ومرتبطة بصورة أوأخرى بالحرس الثوري الإيراني، في حين ليس هناك أي شبهة حول الدور الإيجابي البناء للمملكة العربية السعودية سوى بعض الدعايات والإشاعات المغرضة التي تقوم ببثها أوساط وجماعات مرتبطة بإيران أو تابعة لها.

إن السعودية کما يعلم الرئيس صالح ومعه الشعب العراقي، عملت کل ما بوسعها من أجل رأب الصدع بين الکتل السياسية من جهة والمحافظة على وحدة التراب العراقي ووحدة صفوف شعبه، فالسعودية لاتملك بل وحتى لاتسعى لامتلاك جماعات وأحزاب وميليشيات مسلحة في العراق لأنها تعلم جيدا بأن ذلك من شأنه أن يزيد الطين بلة، هي سعت وتسعى إلى تهدئة الأوضاع والأمور وأن تغلب لغة العقل والمنطق على باقي اللغات ويتم العمل من أجل جعل مصلحة العراق وشعبه فوق کل اعتبار.

نحن من باب الإنصاف ولفت الأنظار ولسنا هنا في صدد الدفاع عن السعودية ووضع أنفسنا کمحامي دفاع للترافع عنها، ذلك أن مواقفها وأعمالها وماقدمته وتقدمه لبلدان وشعوب المنطقة عامة وللعراق خاصة، يتولى ذلك عنا، خصوصا وأن التاريخ والأحداث والتطورات التي مرت وتمر في المنطقة تشهد لها بذلك بكل فخر واعتزاز، وأن إيلاء ومنح السعودية اهتماما ومکانة يليق ويتناسب مع ماتقوم به إزاء دول وشعوب المنطقة هو جزء من دين في أعناق البلدان العربية اتجاهها.

*د.السيد محمد علي الحسيني

الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here