ملفات.. من هالجيب لهالجيب

علي علي

يبقى الفساد في عراقنا الجديد سيد المصائب والكوارث التي ورث العراقيون منها الكثير، واستجد في حياتهم منها بعد عام 2003 الأكثر، وقطعا هو سيف يبتر كل مايصادفه من نيات للنزاهة لاسيما إذا كانت النيات (غير صافية). كذلك هو نار تحرق اليابس والندي من جهود الخيرين الذين يرومون دفع عجلة البلد الى الأمام، بعد أن أدركوا أن أعظم المساعي تنهار أمام قليل من الفساد.
والغريب في ساحتنا العراقية على الصعد كافة، أن مامن مسؤول او سياسي أو زعيم كتلة او حزب في العراق، إلا وأبدى شكواه أمام الملأ من الفساد الذي نخر جسد البلاد، بعد أن مخر في مفاصلها كما تمخر السفينة لج البحر، فهناك من يصرح أن عددا من الملفات أحيلت الى هيئة النزاهة خلال الدورة السابقة، ويصرح بعضهم الآخر أن المتهمين بها نالوا جزاءهم العادل، ولو أحصينا عدد القضايا التي تم إلقاء القبض على منفذيها او المتورطين بها، لاتضح لنا أن العدد مسكين مغدور، مبخوس حقه، مستصغر حجما وقدرا ومكانة، ولاأظن أن قارئا اوسامعا اوناظرا او أي مخلوق يتمتع بحاسة من الحواس الخمس يستطيع ان يضع نسبة وتناسبا، بين ما أحيل الى هيئة النزاهة، وبين ماموجود على أرض الواقع وتحت أرض الواقع وفي دهاليز أرض الواقع. هذا إذا افترضنا ان الملفات ستأخذ دورها وفق القانون لمحاسبة المذنبين والمتورطين، وإعادة مانهبوه الى أصحابه، لاسيما أن عدد أصحابه يربو على السبعة وثلاثين مليون شخص.
ومن غير المعقول أن فسادا بالحجم الذي نسمع عنه ونقرأه ونلمسه، لاسيما في السنوات الخمسة عشر الأخيرة، يحصل في بلد الحضارات ومهبط الأنبياء، ومرقد الأولياء والأتقياء؟ وإذا كان هذا حاصلا بالفعل، ماالاجراءات المتخذة إزاءه؟ وكيف جوبه المفسدون أبطال هذه الملفات؟
يبدو أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، إذ الطريق أمام المفسدين معبّدة من دون موانع او معرقلات، بل هي سالكة وغاية في السهولة والسلاسة، فالسارق والسارقة لهما مطلق الحريات، وطريق الفساد مفروش بالورود لمن يطأه وبلا حساب ولا عقاب، بل قد يثاب على مايفسد وما يفعل بأموال البلاد وحقوق العباد. واللطيف أن ابرز ما أحيل الى هيئة النزاهة خلال الدورة السابقة هو كالآتي: ملف المدارس الحديدية، وملف الطائرات الكندية، وملف اعمار مدينة الصدر، وملف مشروع تطوير قناة الجيش، وملف وزارة الخارجية، وبعض الملفات التي تعد (خردة) أمام سرقات وفسادات مهولة. فأين باقي الملفات وهي ليست وليدة ليلة وضحاها، وجلها مضى عليها سنون نهشت مانهشت من المال العام؟
ولو سلمنا الى أن كل ملف من الملفات المذكورة أخذ طريقه في التحقيق والتعقيب، فهل يفضي هذا الى تحديد الشخوص المذنبين وعرضهم أمام الملأ، ووضعهم تحت طائلة القانون وتطبيق مواده وبنوده عليهم كل بجريرته؟ وهل شعار: (القانون فوق الجميع) هو فعلا شعار مرفوع ومفعل ومدعم ويخضع لسلطته الكبير قبل الصغير، والمسؤول قبل الموظف البسيط؟ أم هو حبر على وراق.
هو دور يقع بالدرجة الأولى على رؤوس الحكم في البلد، وعليهم وضع حد صارم للفاسدين فيه دون هوادة او تهاون معهم جميعا، إذ من المؤكد ان الفسادات تبدأ صغيرة ثم تكبر حين تجد الأرض الخصبة، والحضن الدافئ الذي يرعاها ويغذيها لتترعرع وتطول يدها، وتطال من السرقات مازاد ثمنه غير آبهة بوزنه، ذلك أن لها (ظهر) يحمل من الأثقال أكبرها، ولها (ظهير) يهادن الرقيب ويحميها من العقاب، إذ ان ساستنا “كان بعضهم لبعض ظهيرا”.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here