ميلينا ميركوري: ولدت يونانية و سأموت يونانية

بقلم: ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات و الترجمة – كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
تتشابه الدكتاتوريات مهما اختلفت، و تختلف الديمقراطيات في كل شيء سوى كونها ديمقراطية أو تسعى سعياً حثيثاً لأن تصبح كذلك. و لو كنت ذا سلطة على التعليم العالي في بلادنا لطلبت من أقسام التاريخ و الاجتماع و السياسة و علم النفس و الاقتصاد و الفنون الجميلة تكريس جزء كبير من مشاريعها البحثية المختلفة لدراسة الأنظمة الدكتاتورية في العالم من جميع أوجه تخصصات تلك الأقسام ، فنحن الخارجين من أتون الدكتاتورية المقيتة أحوج ما نكون لأن نفهم ما حصل في بلادنا و لأن نعرف خصوصية تجربتنا الدكتاتورية و أوجه تشابهها و اختلافها عن دكتاتوريات العالم، و إن كنت كما أسلفت بداية أرى ان تلك الدكتاتوريات سواء كانت عراقية أم رومانية أم ايطالية أم أمريكية لاتينية إنما هي أوجه متعددة لعملة بائسة واحدة! و لقد أدهشني مؤخراً و أنا أتابع و أقرأ و أترجم لزوجتي التي تعد رسالتها في التاريخ الحديث و المعاصر تشابه الملامح و السمات و قلة العلامات الفارقة بين دكتاتورية العراق التي استمرت ثلاثة عقود و نصف و دكتاتورية المجلس العسكري اليوناني الذي امسك بالسلطة بانقلاب عسكري في الحادي و العشرين من نيسان عام 1967 ليغتال الديمقراطية في مهد الديمقراطية مدة سبع سنين.
لقد قام المجلس العسكري بزعامة العقداء جورج بابادوبولوس و ستيليانوس باتاكوس و نيكولاس ماكاريزوس بانقلابه ضد حكومة  كينلوبولوس قبل أسبوع واحد من موعد الانتخابات البرلمانية بزعم حماية البلاد من الخطر الشيوعي ، و سموا انقلابهم بالثورة المجيدة و ديمقراطيتهم بالديمقراطية الموجهة التي رأوها على انها فاصلة  ضرورية لوضع الأمور في نصابها. و أعلنوا  عن نيتهم لتكريس الجهود من اجل التحرر والتنمية ، وإيقاف التهديد الشيوعي وشفاء المجتمع من السرطان الذي يهدد بتدمير القيم الهيلينية . و جاءت في بيانهم رقم واحد و جميع البيانات اللاحقة عبارتهم “نحن نقرر و نحن ننفذ”، و صادروا الحريات العامة و الحقوق المدنية بكافة أنواعها و منعوا الفنون و الآداب التي لا تتماشى مع “الثورة” و تطلعاتها. و منع النظام الذي سمح سابقا لحياة الليل و حياة الهيبيز  و كافة أوجه السياحة بالازدهار خدمة له في تنمية موارده الاقتصادية التنانير القصيرة و الشعر الطويل و موسيقى الروك اليونانية و طالب المدارس بأداء مراسيم رفع العلم و أجبر المسؤولين و غير المسؤولين على أداء الصلاة في الكنائس في مرحلته “الإيمانية”.
و في مرحلة ما من مراحل الدكتاتورية اليونانية أسقطت الجنسية اليونانية عن العديد من المواطنين اليونانيين ، و خصوصاً عن عدد من النخب السياسية والفكرية و الفنية و منهم الممثلة و المطربة و المعارضة السياسية ميلينا ميركوري.  قامت ميلينا ( 1920 – 1994) ، التي أصبحت وزيرة الثقافة اليونانية بعد سقوط النظام العسكري للفترة (1981- 1989) ، عندما  كانت موجودة في الولايات المتحدة عند حصول الانقلاب بحملة واسعة على النطاق الدولي من أجل فضح حقيقة النظام العسكري و عزله و إسقاطه، و تعرضت نتيجة لذلك إلى عدد من محاولات الاغتيال و إلى مصادرة ممتلكاتها باليونان و إسقاط الجنسية عنها، فقالت حينها عبارتها المأثورة ” لقد ولدت يونانية و سأموت يونانية ، أما السيد باتاكوس فإنه ولد فاشياً و سيموت فاشياً”. و في مرحلة من مراحل الدكتاتورية العراقية ، قيل أن الجنسية العراقية أسقطت عن عدد من الأدباء و الشعراء و يأتي في مقدمتهم  الشاعر عبد الوهاب البياتي و شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري الذي تنسب إليه  قصيدة بهذه المناسبة يردد العراقيون منها على وجه الخصوص  بيتها ” سل …. أأنت العراقي أم أنا؟ “.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here