دونالد ترامپ: المال أولاً ولو جاء على جثث الضحايا وكوارث البيئة

كاظم حبيب

لم تستطع جميع السياسات والمواقف المريعة التي اتخذها دونالد ترامپ على الصعيد الداخلي والعالمي، بما فيها خروج الولايات المتحدة من “اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن “التغير المناخي” والتهديد باستخدام السلاح على الحدود الأمريكية المكسيكية ضد لاجئي هندوراس وغواتيمالا والسلفادور، والمشاركة الفعلية بالحرب الهمجية الجارية في اليمن وسوريا، والخروج من اتفاقية الصواريخ المتوسطة والقريبة المدى مع روسيا الاتحادية ونكران ما يحصل في العالم من كوارث في العديد من البلدان التي ترتبط بشكل مباشر بواقع التغير المناخي الجاري والتلوث البيئي المتفاقم في الكرة الأرضية، بما فيها حرائق كاليفورنيا تموز 2018، أن تكشف عن الوجه الحقيقي لهذه الشخصية الأمريكية من أصل أوروبي ألماني مهاجر، (على وفق ما جاء في موقع “اليوم السابع” بتاريخ 4 تموز/يوليه 2018) إذ “أن جده فريدريك كان ألمانيا فقيراً وهارباً من القانون ومهاجراً إلى واشنطن في القرن التاسع عشر”، ولهذا فهو، كما يبدو، يعتقد بأن أغلب جميع اللاجئين هم هاربون من القانون ومجرمون ويهددون الولايات المتحدة، بالقدر الذي كشفه الموقف المعيب والبشع وغير الأخلاقي الذي اتخذه ترامپ إزاء قتل الصحفي من المملكة السعودية جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول شرَّ قتلة، وذلك بتقطيعه وتذويب جثمانه بالأحماض الكيماوية. ويقال أن رأسه قد نقل، كما تشير إلى ذلك وسائل الإعلام الدولية، إلى المملكة، ليتيقن من قَتلهِ وليشفي غليل من أراد قتله بأي ثمن. و(قارن: موقع هس بريس، مصدر تركي: تسجيلات تكشف قطع رأس الصحافي خاشقجي بإسطنبول، 18 تشرين الأول/أكتوبر 23018). وهذه الممارسة، وكثير غيرها، تقليد وحشي قديم استخدمها الكثير من الخلفاء العرب وغير العرب من المسلمين، إذ يجسد قسوة وسادية مرضية عند هؤلاء الحكام. ونحن نعرف بأن أحكاما كثيرة تصدر بقطع الرؤوس سنوياً في المملكة السعودية، فـ”محمد سعيد البيشي هو قاطع الرؤوس الأول في المملكة العربية السعودية. قطع هذا العام وحده (2015) 97 رأسًا فقط من رؤوس المواطنين السعوديين وغير السعوديين، ولا تزال يداه ويدا ابنه ممدودة. ” لقطع رؤوس أخرى. (المصدر: موقع المصدر: تسفي برئيل، هل سيتوقف السعوديون عن قطع الرؤوس؟ في 15 حزيران/يونيو 2015). وفي أحدث تقرير لها صدر يوم السبت، قالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ESOH )) إن “عمليات الإعدام من قبل الحكومة السعودية في الربع الأول من عام 2018 زادت بنسبة 72 بالمائة.” وقالت مجموعة “ريبريف” المعنية بمناهضة عقوبة الإعدام في أن “معدل الإعدام في المملكة العربية السعودية قد ازداد منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد في عام 2017. وقالت المنظمة إن 133 عملية إعدام قد تمت في الأشهر الثمانية التي تلت تعيينه في 17 حزيران/يونيو الماضي (2017) مقارنة بـ 67 حالة. في الثمانية أشهر السابقة.” (المصدر: غلوبال ريسيرش: عمليات “قطع الرأس” في السعودية ازدادت بنسبة 70% في عهد “ابن سلمان”، موقع الواقع السعودي، استناداً إلى غلوبال ريسيرش بتاريخ الإثنين 23 نيسان 2018.).
لقد وقف رؤساء أمريكا منذ تأسيس المملكة السعودية إلى جانب الحكام السعوديين، وكان الاتفاق بينهما يستند إلى قاعدة أساسية تؤكد ما يلي: “النفط والتأييد المطلق منكم للولايات المتحدة وأمنها القومي، وحماية حكم البيت السعودي منَّا لكم”. وهكذا سارت الأمور على أساس هذه القاعدة بين الآمر والمأمور أو بين السيد والمسود، بعد أن تراجع تأثير بريطانيا وتقدمت الولايات المتحدة الأمريكية في نفوذها في المملكة السعودية منذ ما يزيد عن سبعة عقود، ولاسيما في اعقاب الحرب العالمية الثانية. ولكن لم يصل الأمر إلى الحد الذي بلغه في عهد دونالد ترامپ. فترامپ تجاوز كل الخطوط الحمراء في العلاقات الدبلوماسية الدولية حين أكد بأن “من المحتمل أن ولي العهد كان على علم بالحادث، ربما كان على علم وربما لا”. ، فأن الولايات المتحدة تعتبر “السعودية حليف موثوق وافق على استثمار مبالغ مالية غير مسبوقة في الولايات المتحدة”. ، علما بأن وكالة المخابرات المركزية سي آي أي CIA”خلصت إلى أن بن سلمان هو من أمر بالقتل.”، على وفق التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام الأمريكية. قال ترامپ إن “العالم خطير”، ثم وصف السعودية بـ”أنها حليف للولايات المتحدة ضد إيران، وأضاف: “تنفق السعودية المليارات في الحرب على الإرهاب الإسلامي المتطرف، بينما قتلت إيران الكثير من الأمريكيين وأبرياء آخرين في الشرق الأوسط”. ، علماً بأن الدولتين السعودية وإيران لا تساهمان في تمويل الإرهاب وتنشيط الصراع الطائفي الشيعي – السني والتدخل في شؤون الدول الأخرى فحسب، بل وتمد قوى الإرهاب بمزيد من العناصر المقاتلة والدعاية الإعلامية وما يساهم في تأجيج الحروب الداخلية، كما هو حاصل في سوريا واليمن والصراع الدموي في العراق. وأشار بيان ترامپ إلى التزام السعودية بالاستثمار وشراء الأسلحة الأمريكية. وقال: “لو أننا ألغينا هذه العقود فإن روسيا والصين ستكونان المستفيد الأكبر، ثم اعترف بأن مقتل خاشقجي كان “فظيعاً”، ولكنه قال: “ربما لن نعرف أبدا حقيقة ما حصل له”. (قارن: مقتل جمال خاشقجي: ترامپ يدافع عن العلاقات مع السعودية، موقع BBC عربي نيوز، الأخبار في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018). ويبدو أن معارضة بدأت تظهر بشكل أوسع في مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة ضد سياسة ترامپ بشأن السعودية، كما إن المعارضة بدأت تتسع بين الأوساط الشعبية الأمريكية لعموم سياسات ترامب، ولكنها لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكن أن يعرَّضه إلى إبعاده من البيت الأبيض.
إن هذا التوحش الرأسمالي النيولبرالي واللاأخلاقي، الذي اشتد في فترة ولاية ترامپ، يؤكد حقيقة أن الولايات المتحدة، التي احتلت العراق في العام 2003 لم تألوا جهداً إلا وبذلته من أجل أن تبقى “الفوضى الخلاقة” والفساد والإرهاب والتخلف في العراق سائدة، بما في ذلك ترك الحدود مفتوحة للإرهابيين، وترك النهابة يسرقون العراق وثروته الآثارية التاريخية، ومصارفه، وقصور صدام حسين، كما سمحت، إضافة إلى كل ذلك، بتغلغل إيران في مناطق العراق الشيعية ومفاصل الدولة والمجتمع، ومنها بغداد، وتغلغل الوهابية السعودية والخليجية في مناطق العراق السنية، ومنها بغداد ايضاً، كما أصبحت كردستان موقعاً مهماً لنشاط واسع النطاق، ولاسيما اقتصادياً، لإيران وتركيا، إضافة إلى علاقات سياسية شديدة الفاعلية للسعودية مع الجماعات الإسلامية السياسية الكردية. وما يزال العراق يعاني جراء تلك السياسة المتطرفة للولايات المتحدة في العراق وسيبقى لفترة غير قصيرة على هذه الشاكلة حتى يعي الشعب ما خطط ونفذ ضده وما يراد له حالياً وفي المستقبل، وما ينبغي عليه القيام به والتصدي له ومقاومته وإسقاط أهداف كل القوى الخارجية التي تريد إيقاع أكبر الأضرار والخسائر بالشعب العراقي، وجني أقصى الفوائد لتلك الدول في العراق.
27/11/2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here