تأملات في القران الكريم ح 413 سورة التحريم الشريفة

للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الطلاق والتحريم في فريضة أعاذه الله من أن يكون يوم القيامة ممن يخاف أو يحزن وعوفي من النار وأدخله الله الجنة بتلاوته إياهما ومحافظته عليهما لانهما للنبي صلى الله عليه وآله .

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{1}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد “ص واله” ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) , لم تمنع على نفسك ما احله الله تعالى لك , ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) , تبتغي رضاهن في ذلك , ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) , كثير المغفرة واسع الرحمة .
( عن الصادق عليه السلام قال اطلعت عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله وهو مع مارية فقال النبي صلى الله عليه وآله ما أقربها فأمره الله أن يكفر عن يمينه وروي أنه خلا بمارية في يوم حفصة أو عائشة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت .
وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة وسودة وصفية فقلن له انا نتبسم منك ريح المغافير فحرم العسل فنزلت ) . “تفسير القمي , وايضا تفسير الطبري وتفسير الجلالين للسيوطي وعدة تفاسير اخرى بنفس المضمون” .

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{2}
تستمر الآية الكريمة ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ ) , شرّع لكم , ( تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) , وهو تحليل الايمان بالكفارة , ( وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ) , ناصركم ومتولي اموركم , ( وَهُوَ الْعَلِيمُ ) , بصلاحكم , ( الْحَكِيمُ ) , في صنعه وتدبيره , في احكامه وافعاله .

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ{3}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً ) , يرى السيوطي في تفسيره الجلالين انها حفصة , والحديث هو تحريم مارية وطلب منها ان لا تفشي هذا السر , ( فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ ) , لكنها اخبرت عائشة , ظنا منها انه لا بأس في ذلك , كما يرى السيوطي في تفسيره الجلالين , ( وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ) , اطلع الله تعالى نبيه “ص واله” على الافشاء , ( عَرَّفَ بَعْضَهُ ) , عرف النبي “ص واله” بعض ما فعلت , او انه “ص واله” عرف بعضه لحفصة , ( وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ) , واعرض “ص واله” عن الاعلام عن البعض الاخر تكرما منه , ( فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ) , فلما خبرها بذلك , ( قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا ) , قالت حفصة من اخبرك بهذا , ( قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) , قال لها “ص واله” اخبرني الله تعالى العليم بكل شيء , الذي لا تخفى عليه خافية .

إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ{4}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ) , الخطاب موجه لحفصة وعائشة كما يرى السيوطي في تفسيره الجلالين وكذلك يرى اغلب المفسرين الاخرين , ( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) , مالت قلوبكما وسرها ان حرّم “ص واله” مارية على نفسه , ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) , وان تتعاونا على النبي “ص واله” فيما يسوئه , ( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ ) , ناصره “ص واله” , ( وَجِبْرِيلُ ) , عليه السلام رئيس الكروبيين , ( وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) , علي بن ابي طالب “ع” , لأنه “ع” اصلح المؤمنين كما ورد في الاحاديث الشريفة , وقد عرف علي “ع” بنصرته المعدة في اي وقت وبذله الغالي والنفيس دون النبي الكريم محمد “ص واله” , ومنها واشهرها على الاطلاق , مبيته “ع” في فراش النبي “ص واله” , والقضية معروفة ومشهورة , ( وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) , مظاهرون معاضدون مناصرون , بعد نصرته عز وجل ونصرة جبريل وعلي “ع” .
( عن ابن عباس أنه سأل عمر بن الخطاب من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عائشة وحفصة .
عن الامام الباقر عليه السلام قال لقد عرف رسول الله صلى الله عليه وآله عليا أصحابه مرتين أما مرة فحيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه وأما الثانية فحيث ما نزلت هذه الاية فان الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام وقال يا أيها الناس هذا صالح المؤمنين وقالت أسماء بنت عميس سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول وصلح المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام .
قال ووردت الرواية من طريق العام والخاص أن المراد بصالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .

عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً{5}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ ) , عائشة وحفصة , ( أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ ) , افضل منكن , ( مُسْلِمَاتٍ ) , مقرات بالإسلام , قدم الاسلام لأن مدار الزوجة عليه , ( مُّؤْمِنَاتٍ ) , بالله ورسوله , مخلصات الايمان , ( قَانِتَاتٍ ) , طائعات , مطيعات , ( تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ) , صائمات , او مهاجرات , ( ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ) , متزوجات او ابكار لم يتزوجن , يرى السيوطي في تفسيره الجلالين ان التبديل لم يقع لعدم وقوع الشرط .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{6}
تخاطب الآية الكريمة عامة المؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ ) , بالطاعات وترك المعاصي , ( وَأَهْلِيكُمْ ) , بالنصيحة والتأديب , ( نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ ) , من الكفار , ( وَالْحِجَارَةُ ) , يرى بعض المفسرين انها الاصنام التي تعبد , ويرى اخرون انها احجار الكبريت التي تزيد النار اشتعالا , ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ ) , خزنتها , المتصرفون فيها , ( غِلَاظٌ ) , القلب , ( شِدَادٌ ) , البطش , ( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) , لا تصدر منهم معصية لله تعالى , ولو تهاون طفيف , ( وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) , فلا يزيدون عليه .
( عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الاية جلس رجل من المسلمين يبكي وقال عجزت عن نفسي كلفت أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .
( عن الصادق عليه السلام قيل له هذه نفسي أقيها فكيف أقي أهلي قال تأمرهم بما أمرهم الله به وتنهاهم عما نهاهم الله عنه فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك ) . “تفسير القمي” .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{7}
تضمنت الآية الكريمة خطابا عاما مباشرا للكفار ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ) , يقال لهم عند دخولهم النار , فلا تنفع المعذرة ذلك الحين , ( إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) , تقرر ان تجزوا بما عملتم في الدنيا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{8}
تعود الآية الكريمة لتخاطب المؤمنين عامة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً ) , توبة خالصة , صادقة , يعزم معها ان لا يعود الى الذنب , بالغة في النصح , ينصح التائب نفسه بها كلما همّ او اكتنفته المعصية , ( عَسَى رَبُّكُمْ ) , رجاء :
1- ( أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) : يمحوها عنكم , ويستركم من الافتضاح بها يوم القيامة .
2- ( وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) : التوبة تلزم محو الذنوب , ويترتب عليهما دخول الجنة الموعودة .
( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) , يوم لا يذل فيه النبي “ص واله” والمؤمنين معه , بدخول النار , بل يرفع شأنهم , ( نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ) , يتقدمهم نورهم مرشدا منيرا لهم طريق الكرامة , ( يَقُولُونَ ) :
1- ( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) : حتى نجتاز الصراط الى الجنة .
2- ( وَاغْفِرْ لَنَا ) : تجاوز واعفوا عن ذنوبنا .
3- ( إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) , ومنها تمام النور والتفضل بالمغفرة والعفو .

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{9}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد “ص واله” ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) , يرى بعض المفسرين , ان جهاد الكفار بالسيف , وجهاد المنافقين باللسان والحجج الواضحة , ( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) , بالمقت والانتهار والزجر , ( وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) , أي الكفار والمنافقين في حال لم يرتدعوا ولم يؤمنوا , ( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) , قبح وساء مصيرها .

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ{10}
تضيف الآية الكريمة ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ) , لحال الكفار والمنافقين ومخالطتهم ومعاشرتهم للمسلمين , فأن ذلك لا ينفعهم في شيء , لانهم كفروا بالله تعالى , ( اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ) , كحال واهلة امرأة نوح “ع” , التي كانت تقول للقوم عنه “ع” انه مجنون , وكذلك واعلة زوجة لوط “ع” , التي تخبر القوم عن أي ضيف ينزل عنده , بإشعال النار ليلا , او التدخين نهارا , فيهرعوا من كل حدب وصوب بغية ممارسة الرذيلة معهم , كعاداتهم مع المارين بقراهم , ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) , كانتا في عصمة عبدين صالحين “نوح ولوط – ع – ” , ينسبهم الباري جل وعلا لنفسه , بيانا لعظم منزلتهما عنده , ( فَخَانَتَاهُمَا ) , بالدين والنفاق والتعاون مع كفار القوم ضد النبيين “ع” , ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ) , لم تنفع ذينك الزوجتين علاقتهما بالنبيين “ع” بدفع العذاب , فقد كانتا كافرتين , ( وَقِيلَ ) , لهما عند موتهما او يوم القيامة , ( ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) , ادخلا النار مع الكفار الاخرين من القوم الذين لا علاقة لهم بالنبيين “ع” , ذلك يدل على ان العلاقة مع الرسول لا تنفع ان كان صاحبها متجاوزا على حدود الله تعالى .

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{11}
تستمر الآية الكريمة لتضرب مثالا اخر , في مقابل الصورة السابقة ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا ) , هذه المرة المثل للمؤمنين , ( اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ) , آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد، الذي كان ملك مصر في زمن يوسف , مؤمنة وزوجها كافر , وهذا المثال يبين حال المؤمنين في صلتهم بالكافرين لا تضرهم كحال آسية , مما يروى في شأنها , انها كانت ممن آمن بموسى “ع” , بعد ان تغلب على السحرة , فسلط فرعون عليها العذاب , ( إِذْ قَالَتْ ) , قالت حين التعذيب , ( رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ) , مما يروى انه كشف لها عنه وعن منزلتها في الجنة , فهان عليها العذاب , فأردفت ( وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ) , تعذيبه او من نفسه الخبيثة وعمله السيء , ( وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) , من الاقباط المتابعين الموالين لفرعون , فقبضت رضوان الله تعالى عليها .
«حدثنا يونس حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط وقال: ” أتدرون ما هذا؟ ” قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أفضـل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ” . – تفسير ابن كثير – .

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ{12}
تنعطف الآية الكريمة لتضيف مثالا اخر ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ ) , معطوفة على اسية , ( الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) , حفظته , او لم ينظر اليها , ( فَنَفَخْنَا فِيهِ ) , أي فرجها , ( مِن رُّوحِنَا ) , يرى بعض المفسرين ان جبريل “ع” نفخ في مدرعتها فحملت بعيسى “ع” , ويرى اخرون ومنهم القمي والفيض الكاشاني ” من روح خلقناه بلا توسط أصل” , ( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) , { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }النساء171 , ( وَكُتُبِهِ ) , المنزلة , ( وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) , من المواظبين على الطاعة .
( عن النبي صلى الله عليه وآله قال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربعة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله .
عنه عليه السلام أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأه فرعون ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here