باريس تحترق

بقلم/ سركوت كمال علي
اعلنت الشرطة الفرنسية في تغريدة لها على “تويتر” اليوم السبت 1ديسمبر، عن “اعتقال 140 شخصا على خلفية تظاهرات السترات الصفراء في باريس”، وأضافت أن “عدد من المتظاهرين تعمدوا حرق السيارات وتخريب واجهات المحال في ساحة الشانزيليزيه”.
واكدت الشرطة الفرنسية عن “سقوط 20 جريحا خلال المواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في ساحة الشانزيليزيه”.
وطالب تيري بول فاليت، منظم حركة “السترات الصفراء” عن العاصمة الفرنسية باريس، باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، مبينا أن رفع أسعار الوقود في البلاد، كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
جاء ذلك في حديث أدلى به فاليت، للأناضول، حول الاحتجاجات التي تقودها حركة “السترات الصفراء” منذ 15 يوما، ضد سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، وزيادة أسعار المحروقات.
واضاف قائلا “الضرائب الإضافية على المحروقات كانت القشة التي قصمت ظهر البعير”.
كما شدد فاليت أن انتهاء الاحتجاجات متعلق بالموقف الذي سيبديه ماكرون وحكومته، مبينا أن المحتجين لم يقتنعوا بكلمة الرئيس الفرنسي الثلاثاء الماضي، المتعلقة بالبيئة وتغير المناخ.
وأضاف: “ينبغي على ماكرون اتخاذ خطوات سريعة ترضي تطلعاتنا، وإلا فإن الاحتجاجات ستتواصل”.
وأردف: “إذا لم يجد ماكرون والحكومة حلا لمشاكل المحتجين، فإنهم بذلك يدفعون الفرنسيين إلى القيام بالثورة”.
يرجع ظهور حركة السترات الصفراء إلى شهر مايو/أيار الماضي، بهدف إعلان الاحتجاج على رفع أسعار المحروقات، حيث جاء انطلاقها من خلال نشر عريضة عبر الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، مطالبة بالتظاهر ضد رفع أسعار الوقود.
وحظيت حركة “السترات الصفراء” بدعم تيارات معارضة ومنها حزب الجمهوريين اليميني، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، لتضع إيمانويل ماكرون بذلك في موقف صعب عليه أن يواجه خلالها غضب شعبي وخصوم سياسيين متحفزين في وقت واحد.
شارك حوالي 75 ألف متظاهر، اليوم السبت، في احتجاجات ضد زيادة أسعار البنزين في جميع أنحاء فرنسا.
وحسب قناة “BFMTV” التليفزيونية نقلا عن وزارة الداخلية، فإن عدد المحتجين وصل إلى حوالي 75 ألف شحصا في جميع أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من تحذير السلطات للمتظاهرين، بعدم التوجه لساحة الشانزيليزيه، أصر المحتجون على التظاهر هناك؛ نظرا لأهمية الساحة الرمزية والاستراتيجية.
وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، بعد أن أقدم عدد من المتظاهرين المقنعين على رشق الحجارة وتكسير بعض الممتلكات العامة.
وتحسباً لتدهور الأوضاع، أقدمت الشرطة على إقفال ساحة الشانزيليزيه بشكل كامل أمام المارة والسيارات حيث أقامت حواجز تفتيش.
وكان رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب استقبل، أمس الجمعة، وفدا من السترات الصفراء إلا أن المحادثات لم تعط نتيجة.
من جهته صرّح الناطق باسم الحكومة بينجامان غريفو اليوم لقناة بي.اف.ام قائلاً “الحكومة لن ترضخ ولن تتراجع عن قراراتها”.
وكان ماكرون أعلن، الثلاثاء الماضي، تمسكه بسياسته الاقتصادية ورفضه التخلي عن الضريبة المفروضة على الوقود التي ستدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل.
وفي تصريحات سابقة اتهم وزير الداخلية كريستوف كاستانير اليمين المتطرف باستغلال المظاهرات للقيام بأعمال تخريبية، إلا أن حركة “السترات الصفراء” تصر على كونها حركة شعبية بحتة غير مسيسة.
وبحسب ما قاله خبير النقل ماتيو شاسيجنت في مقابلة مع صحيفة يورونيوز فإن ارتفاع أسعار الوقود يمكن عزوه إلى ثلاثة أسباب اثنين منها بسبب الحكومة. ويرجع:
السبب الأول، الذي لا يد للحكومة فيه، إلى ارتفاع أسعار النفط الخام عام 2018 حيث ارتفعت تكلفة البرميل بداية من يوليو/تموز الماضي حتى وصلت لأكثر من 85 دولارا للبرميل في أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما أثر بشدة على سائقي السيارات، لكن هذا السبب من المرجح أن يتلاشى بعد الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط مؤخرا.
أما السبب الثاني لارتفاع الأسعار فيعود إلى زيادة ضريبة الكربون التي تهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتم طرح هذه الضريبة لأول مرة عام 2014 في عهد حكومة فرانسوا هولاند، واستمرت مع زيادات مضطردة في عهد ماكرون، حيث ارتفعت قيمتها من 35 دولارا للطن عام 2017 إلى 51 دولارا عام 2018، ومن المقرر أن تصل إلى 98.5 دولار بحلول عام 2020 . وبالنسبة للسبب الثالث لارتفاع الأسعار، فيرجع إلى زيادة ضريبتي الديزل والبنزين، فمنذ بداية العام الحالي ارتفعت ضريبة الديزل بنسبة 7.6 سنت يورو لكل لتر، بينما ارتفعت الضريبة على البنزين بنسبة 3.9 سنت للتر الواحد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الديزل بنسبة 6.2% بين يناير/كانون الثاني 2017 ويناير/كانون الثاني 2018، وهي زيادة مؤثرة بالنظر إلى كون الديزل هو الوقود الأكثر استخداما في فرنسا.
ولا تقتصر الاحتجاجات على أسعار الوقود فحسب، بل تمتد لتشمل قرار الحكومة الفرنسية بإلغاء نظام عقود العمل الخاصة الحالية للعاملين في السكك الحديدية وشكوى العاملين في المطارات والمستشفيات ودور الحضانة وغيرها من قلة عدد العمالة بما يخلق عليهم ضغوطًا كبيرة في العمل.
وآذت الاحتجاجات الاقتصاد كثيرًا، حيث أضربت الكثير من المطارات والقطارات والمستشفيات وحتى بعض المحاكم، وتشير غرفة تجارة التجزئة الفرنسية إلى تراجع حركة البيع خلال أيام الاحتجاجات الماضية بنسبة 38%.
بل وزادت تكلفة وسائل المواصلات أيضًا مع وصول نسبة الإضراب في القطارات في بعض الأيام إلى 60% من حركة السير، بل واضطرت الحكومة الفرنسية لإغلاق عدد من الطرق الرئيسية والمعالم السياحية ومنها برج إيفل; وتراجعت نسب الإشغال في المدن السياحية الفرنسية قرابة 7-14%.
وترجح هارفاردألا يتراجع الرئيس الفرنسي عن إصلاحاته للعديد من الأسباب، لعل أولها وأهمها أن أداء الاقتصاد الفرنسي ليس سيئًا بأي حال في الفترة الماضية، فقد حقق معدل نمو 1.9% خلال 2017 ويتوقع أن يزيد المعدل العام الحالي، وتتراجع نسب البطالة ببطء ولكن باستمرار منذ العام الماضي، بل وتتحسن أحوال الموازنة العامة أيضًا.
كما أن فرنسا ترغب في تقليل الإنفاق الحكومي في بعض القطاعات مثل التقاعد والرعاية الصحية وغيرها لتجنب الوقوع في مخالفة قواعد الاتحاد الأوروبي بتحديد هامش معين للعجز في الموازنة العامة، بما سيهدد كيان الاتحاد الأوروبي ككل الذي تعاني فيه كل من إيطاليا واليونان بشكل صارخ بالفعل.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات تبدو ضخمة للغاية إلا أن تأثير العمال في فرنسا على الحكومة أقل من مثيله في بقية أنحاء أوروبا، لأن العمال الفرنسيين من بين الأقل تنظيمًا في القارة العجوز، فقرابة 11% فحسب من العمال الفرنسيين منضمون إلى جمعيات عمالية (تصل النسبة نفسها في كندا إلى الربع وفي السويد إلى 67%).
ولكن ترجح فاينانشيال تايمز لجوء الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ بعض القرارات غير الجوهريةإذا ما طال أمد الاحتجاجات، مثل تحسين نظم التقاعد بشكل محدود، أو توسيع شبكة الرعاية الصحية بشكل محدود أيضًا، بما يمنح المحتجين نصرًا ينهي الاحتجاجات ولكن دون تأثر خطط الحكومة الرئيسية.
وتقارن إيكونوميست بين المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر وبين الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون وتعتبر أن كليهما عانى من بداية صعبة للغاية حتى أطلق شرودربرامج إصلاحات عمالية واقتصادية عام 2003 لإنقاذ بلاده من تراجع اقتصادي نسبي.
وعانت فرنسا من تراجع اقتصادي أيضًا قبل تولي ماكرون ونجح الرئيس الفرنسي مثله مثل شرودر في تحقيق نجاحات محدودة بادئ الأمر قبل أن ينطلق الاقتصاد الألماني سريعًا، غير أن الرئيس الفرنسي يواجه بشارع معتاد على الاحتجاجات بما يثير الشكوك حول حصوله على الفرصة الملائمة لتنفيذ إصلاحاته التي يبدو مُصرًا عليها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here