هل ستلقى تيريزا مي مصير حيدر العبادي؟

ساهر عريبي

[email protected]

تواجه رئيسة الوزراء البريطانية وزعيمة حزب المحافظين تحدّيا كبيرا في مجلس العموم البريطاني يوم الحادي عشر من هذا الشهر, حيث يصوت البرلمان البريطاني على الإتفاقية التي توصلت اليها مي مع الإتحاد الأوروبي والتي تنظم عملية خروج بريطانيا من الإتحاد بعد 45 عاما من الإنضمام اليه (المجموعة الإقتصادي حينها) في العام 1973.

ويأتي التوصل الى هذا الإتفاق بعد مرور قرابة العامين من المفاوضات الشاقة بين الطرفين منذ أن صوت أكثر من نصف البريطانيين بقليل (52٪( لصالح الخروج من الإتحاد في الإستفتاء الذي اجري في شهر حزيران من العام 2016, عقب وعد قطعه رئيس الوزراء السابق ديفيد كامرون للناخبين في العام 2013 , وتعهد فيه بإجراء إستفتاء حول البقاء في الإتحاد في حال فوز حزب المحافظين في إنتخابات العام 2015 .

وبعد فوز المحافظين أوفى كامرون بوعده بالرغم من معارضته لخروج بريطانيا من الإتحاد, لكن نتيجة الإستفتاء دفعت كامرون الى تقديم استقالته بالرغم من ان حزبه (المحافظين) فاز بأغلبية مقاعد مجلس العموم. وقد تولت رئاسة الوزراء من بعده رئيسة الوزراء الحالية تيريزا مي , التي وجدت نفسها محاصرة بين صقور حزبها الذي روّجوا لمشروع الخروج من الإتحاد وفي مقدمتهم وزير الخارجية السابق بوريس جونسون, ومايكل غوف وديفيز ديفيز وآخرين.

وشعرت مي بأن الأغلبية النيابية التي تتمتع بها قد لا تطلق يدها لبدء مفاوضات مع الإتحاد الأوروبي قد تفضي الى اتفاق يرفضه صقور الحزب , ولذا فقد دعت الى إجراء انتخابات مبكرة في العام الماضي بهدف حصول الحزب على أغلبية مريحة , ولكن وقع في مالم يكن في الحسبان! إذ بدلا من أن يعزز حزب المحافظين أغلبيته النيابية فإنه خسرها بحصوله على 317 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 650 متراجعا ب 15 مقعد,مع تقدم حزب العمال المعارض برئاسة اليساري جيرمي كوربن, مما ووضع رئاسة الوزراء على كف عفريت وقبل ان تبادر مي الى التحالف مع الحزب الإتحادي الأيرلندي الذي فاز بعشر مقاعد ليمكن مي من الحصول على الأغلبية النيابية المطلوبة لتشكيل حكومة جديدة.

هذه النتائج جاءت على العكس مما كانت تشتهي سفن المحافظين, إذ أدت الى إضعاف موقف رئيسة الوزراء وعدم إطلاق يدها في المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي. لكنها وبعد مد وجزر ومفاوضات شاقة وقبيل إنتهاء الموعد النهائي للمفاوضات في التاسع والعشرين من شهر مارس من العام المقبل, نجحت مي في الثاني والعشرين من الشهر الماضي في التوصل الى اتفاق مؤقت مع الإتحاد ينظم العلاقة بينهما قبيل التوصل الى اتفاق نهائي خلال أقل من عامين.

ولم تكن عملية تمرير الإتفاق سهلة في الإتحاد الأوروبي بعد ان أبدت اسبانيا تحفظها على الإتفاق فيما يتعلق بوضع منطقة جبل طارق التي تخضع للسيادة البريطانية, حيث صوّت 98% من مواطنيها لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي , وقد تم تذليل هذه العقبة في اللحظات الأخيرة وقبل استخدام اسبانيا لحق النقض الفيتو حيث تم الوفاء بمطالبها ليكون لها دور في مستقبل جبل طارق بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.

وبعد أن تمكنت مي من تجاوز عقبة جبل طارق فإنها عادت بالإتفاق الى بريطانيا لتواجه عقبة أخرى ألا وهي اعتراض حليفها الحزب الإتحادي الأيرلندي على الإتفاق فيما يتعلق بوضع الحدود بين الأيرلنديتين بعد الخروج البريطاني. فقد اشترطت التفاهمات البريطانية مع الإتحاد الأوروبي على توصل الحكومة البريطانية إلى تفاهم مع نظيرتها في دبلن بايرلندا الجنوبية على مستقبل الحدود بين أيرلندا الشمالية والجنوبية قبل منتصف الشهر الحالي، كشرط لانتقال مباحثات الخروج الىى مرحلة متقدمة تتعلق بالتبادل التجاري.

وتتمتع ايرلندا بحق النقض لأتفاق الخروج وفقا لآليات الإتحاد الأوروبي مما يؤدي الى إنهيار الإتفاق. وتطالب أيرلندا الجنوبية بإبقاء الحدود مفتوحة بين الأيرلنديتين بعد الخروج البريطاني من الإتحاد, فيما يعني خروج بريطانيا إعادة نصب الحدود بين الأيرلنديتين وهو ما يتعارض مع اتفاق الجمعة العظيمة الذي احل السلام في ايرلندا الشمالية عام 1998. ويرفض الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يدافع عن بقاء أيرلندا الشمالية تحت حكم التاج البريطاني، يرفض هذا الإستثناء مما يهدد برفع دعمه لحكومة مي وبالتالي اسقاطها.

وبإنتظار يوم التصويت على الإتفاقية , فإن اتفاق الخروج ”بريكست“ يواجه مصاعب كبيره, ومنها انه يلقى معارضة من صقور حزب المحافظين الذين سيرجحون كفة المعارضة في حال تصويتهم ضده وبالتالي دخول حكومة رئيسة الوزراء ومن وراءها بريطانيا في مستقبل مجهول مع قرب موعد الخروج من الإتحاد الأوروبي, وفي حال حلوله وبلا اتفاق فإن ذلك سيؤدي الى كارثة في بريطانيا.

وقد حذّر مصرف إنكلترا المركزي من عواقب الخروج البريطاني من الإتحاد بلا اتفاق مبيّنا بان ذلك سيعني تراجع الإقتصاد بنسبة 8% وانهيار قيمة الجنيه الإسترليني مقابل العملات الأخرى, فضلا عن تراجع أسعار المنازل بمقدار الثلث. وقد أثارت هذه التحذيرات قلق البريطانيين وأصحاب رؤوس الأموال , فيما اعتبرها معارضوا الإتفاق أنها مبالغ فيها.

وفي ظل هذه التطورات فإن رئيسة الوزراء البريطانية تقف على مفترق من الطرق بإنتظار نتيجة التصويت في البرلمان والذي تسبقه مناقشات بين أعضائه تستمر لمدة خمسة أيام قبيل موعد التصويت المقرر في 11 من الشهر الحالي. وفي حال رفض أغلبية أعضاء مجلس العموم للإتفاق وكما تدل المؤشرات على ذلك حاليا , فإن رئيسة الوزراء لا خيار اماها سوى تقديم استقالتها او الدعوة لإجراء إنتخابات مبكرة. وفي كل الأحوال فإن حزب المحافظين الذي ورط البريطانيين في الإستفتاء سيكون الخاسر الأكبر , فيما سيكون الفائز الأكبر حزب العمال المعارض المتوقع أن يشكل الحكومة المقبلة بالتعاون مع الأحرار ومع الحزب الأسكتلندي. لكن الإستعداد لإنتخابات جديده يتطلب وقتا , ولا يوجد متسع من الوقت لبدء مفاوضات جديدة تفضي الى التوصل الى اتفاق مع اوروبا قبيل إنتهاء شهر مارس المقبل.

واما الخيار الآخر فهو إجراء استفتاء آخر لكن مثل هذا الإستفتاء رهن بتصويت ثلثي أعضاء البرلمان على إقراره , ولا تبدو في الوقت الرهن مؤشرات حول ذلك.

ولذا فيبدو أن الخيار الأفضل اليوم هو تمرير الإتفاق في مجلس العموم , إذ أن مثل هذا الإتفاق المؤقت يمثل أفضل الحلول لبريطانيا التي تضيق خياراتها ولا يوجد غيره اليوم على الطاولة.

وفي هذا الخضم يبدو بشكل جلي أن رئيسة الوزراء البريطانية أبلت بلاءا حسنا ونجحت في التوصل الى اتفاق يجنب بريطانيا الكوارث, ويخرجها من الإتحاد بالحد الأدنى من الخسائر إحتراما لإرادة الأغلبية بالرغم من ان هذه الأغلبية تم تضليها قبيل إجراء الإستفتاء. إلا أنه وحتى في حال نجاح رئيسة الوزراء البريطانية في تمرير الإتفاق في البرلمان , فإن مصيرها لن يكون بأفضل من مصير رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي نجح في إدارة المعركة مع قوى الإرهاب وكذلك نجح في إدارة الملف الإقتصادي بالرغم من إنخفاض أسعار النفط ونفقات الحرب على الإرهاب, إلا انه خرج من رئاسة الوزراء بعد ان لم يفز في الإنتخابات, وكذلك سيكون مصير مي وحزبها, فقد أثار الإتفاق الذي توصلت له استياء قطاع كبير من جمهور المحافظين المتشدد الذي يطالب بخروج بريطاني كامل من الإتحاد الاوروبي بعد تنامي التيارات اليمينية الشعبوية التي لا تبدو مكترثة للمخاطر التي تحيق ببريطانيا في حال خروجها من اوروبا بلا إتفاق! إذ تعول على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعلى دول الخليج لتفادي كارثة اقتصادية محدقة بالبلاد!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here