من اجل فكر وخطاب سياسي وبرلماني جديد

نبيل عودة

· هناك من يظنون ان الكنيست خلقت فقط لهم، وانا لا افهم هذه المعايير المريضة التي تخلد عضوية الكنيست لأسماء مللنا من تكرارها.

· لا يكفي التساؤل عن الهدف من توجهات السلطة، انما يجب طرح بدائل بخطاب سياسي قادر على اختراق الحواجز القومية وهذا ما اراه غائبا عن نشاط نوابنا البرلمانيين.

· الحاليون والسابقون ادوا دورا سياسيا تقليديا ويفتقد لأي رؤية مستقبلية، لدرجة ان نهجهم بات سلبيا بآثاره على الواقع العربي، وسلبيا أكثر على رد الفعل اليهودي.

*****

ما لا تشرحه القائمة الموحدة او ما يسمى لجنة الوفاق التي اراها لجنة كاريكاتورية، هو التمييز الذي فرض على الحركة العربية للتغيير، بقيادة د. احمد طيبي، بينما الكرم الطائي فاض على حزب التجمع بقيادة د. عزمي بشارة من وراء الحدود، بحيث حصل التجمع على 3 نواب برلمانيين والحركة العربية على نائب ونصف، رغم ان استطلاعات الرأي أعطت التجمع قبل الانتخابات اقل من 60 الف صوت، أي خارج الكنيست، ولا املك استطلاعا مستقلا للحركة العربية، لكني اقدر انها قادرة على الحصول على ضعفي أصوات التجمع على الأقل .. لكن “الساحر” عزمي بشارة لعب لعبته ونجح بضمان ثلاثة مقاعد لحزب لم يعد له من قاعدة شعبية ما يؤهله لوحده لدخول الكنيست .. فحصل “بسحره” على 3 مقاعد!!

ربما هزيمة التجمع في انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة، بفقدانه المقعدان في مجلس بلدية الناصرة، رغم انه كان ضمن تحالف الأحزاب العديدة التي ايدت الجبهة والمرشح وليد عفيفي ضد علي سلام، فبعثت التفاؤل بالنفوس الميتة، لكن الحياة والمنطق كانا اقوى فهزم التجمع وهزمت الجبهة وهزمت كل الفلق الحزبية ذات القوى “الشعبية الجبارة”، التي دعمت وليد عفيفي الذي صدق انه الرئيس القادم لبلدية الناصرة بنسبة فوز 60%، كما اعلن قبل فرز الأصوات، ورقص مع مؤيديه على انغام الانتصار، وتجند كتاب الكهف لتأكيد انتصاره. الذي اريد قوله ان هزيمة التجمع في الناصرة هي الدليل القاطع على انتهاء مكانة هذا الحزب، بعد ان التحق بالجبهة لضمان دخول للكنيست. عندما سالت ايمن عودة قبل الانتخابات الأخيرة للكنيست (التقيته في الناصرة) “لماذا انقذتم التجمع؟” وضع كفة يده على فمه، وبان عدم الرضى في وجهه، ففهمت ان قلة الجواب هي جواب كبير، لكن تفاصيله ليست للنشر، وفسروها كما تشاؤون.

نحن اليوم امام تحدي جديد وكبير. ممثلو الأحزاب في الكنيست يظنون ان الكنيست خلقت فقط لهم، وانا لا افهم هذه المعايير المريضة التي تخلد عضوية الكنيست لأسماء مللنا من تكرارها، ليس رفضا لهم، وليس انكارا لدورهم، رغم ما اراه من قصور فكري سياسي كبير، وعدم استيعابهم لقضايا أساسية لم تطرح في نشاطهم البرلماني، الذي أكثر ما يميزه انه شعارات وليس نقاشا وطرحا موضوعيا، وعجزهم الواضح عن تطوير خطاب مبني على حقائق من الواقع الإسرائيلي بكل ما يخص المجتمع العربي، حقائق تقول الف مرة أكثر من الخطابات التي مللنا سماعها، لا يمكن انكار ما تعاني منه الأقلية العربية في مجالات عديدة وليس بقانون القومية فقط. الى جانب ان مجتمعنا ليس بعاقر بشخصياته ومفكريه، ويجب طرح روح سياسية جديدة، بحيث لا يبقى أي عضو كنيست أكثر من دورتين. وارى إقامة جهاز شعبي، للضغط لدرجة اسقاط القائمة التي تتكرر فيها أسماء أعضاء الكنيست لأكثر من دورتين. وحتى بحالة نجحت جهود تشكيل قائمة عربية على قاعدة فكرية جديدة، وهو ما اتوقعه، من الضروري ان يتم تحديد واضح لموضوع الدورتين.

الاجحاف بحق المواطنين العرب في إسرائيل والتمييز ضدهم من المؤسسة الحاكمة هما نهج سياسي مخطط. حتى الاعلانات الحكومية عن تخصيص ميزانيات لدعم المجتمع العربي، تبين انها مجرد إعلانات دعائية، وهذا ليس بالأمر الجديد.

لا يكفي التساؤل عن الهدف من توجهات السلطة، انما يجب طرح بدائل بخطاب سياسي قادر على اختراق الحواجز القومية، وهذا ما اراه غائبا عن نشاط نوابنا البرلمانيين. ليس بالصراخ والشعارات، بل بخطاب مبرمج يشمل حقائق، ويشمل طرحا للخروج من هذا الواقع، الذي يشكل تراكمه فرصا لانفجارات شعبية اسوة بما حدث في أكتوبر 2000.

لماذا لا يطرح نواب الكنيست مثلا فكرة صياغة ميثاق حول الحقوق والواجبات المتبادلة بين المجتمع العربي من جهة، والسلطة والمجتمع اليهودي من الجهة الأخرى؟ طبعا لا اقصد التجنيد العسكري كنوع من الواجبات، لأننا نرفضه بشدة، والسلطة لأسبابها لن تغامر بتجنيدنا، لأنها مغامرة خطرة وعواقبها ستكون قاسية جدا. موضوع التجنيد ايده في وقته الزعيم الشيوعي المرحوم توفيق طوبي، ويبدو ان تأييده كان لإرضاء رفاقه الشيوعيين الصهاينة. هناك تشكيلة واجبات مؤثرة وهامة، في المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مجال خدمة مجتمعنا المدني .. وهو ما اقصده بالواجبات.

المجتمع العربي اليوم هو مجتمع علمي بأفراده، مجتمع يسابق المجتمع اليهودي في إسرائيل، بنسبة الحاملين للشهادات الأكاديمية، وليس سرا ان الطب في إسرائيل بات بنسبته الكبيرة طبا يقوده الأطباء العرب. وان اعدادا كبيرة من الطلاب تتجه للعلوم البحثية والهايتك، ولا بد امام هذا التطور من طرح فكري سياسي ملائم للتحولات العاصفة في مجتمعنا العربي، وانا أقول ان القائمة المشتركة فات وقتها وبان افلاسها، وان التنظيمات الحزبية يتعمق تفككها وهزالها، لذا الحل ان نبدأ بتشكيل قوة سياسية للاعتماد على مجتمعنا المدني وليس على التقسيمات الحزبية او الطائفية او العائلية.

ما اطرحه يفترض ان تتركز جهود كبيرة لمخاطبة المجتمع اليهودي وكسب اوساطه العقلانية والديموقراطية الى جانب نهجنا وتفكيرنا السياسي المتطور الجديد.

الحاليون والسابقون ادوا دورا سياسيا تقليديا ويفتقد لأي رؤية مستقبلية، لدرجة ان نهجهم بات سلبيا بآثاره على الواقع العربي، وسلبيا أكثر على رد الفعل اليهودي. صحيح انهم وقفوا دفاعا عن الأقلية العربية، لكن الدفاع لوحده ليس سياسة. السياسة تفترض ان ندرس ونبني النهج الصحيح وغير القابل للرفض التلقائي، بل ان نثير التفكير بالطرف الآخر الذي يملك السيطرة السياسية والاقتصادية والقضائية، بذلك نحن مجبرون ولسنا مخيرون، وانا ادعي ان ذلك سينعكس بتأثيره الإيجابي على الفكر السياسي السائد في المجتمع اليهودي، مما قد يؤثر بنسب متفاوتة على المؤسسة الحاكمة، او يقوي الاتجاهات الرافضة لسياساتها المعادية بشكل مطلق للجماهير العربية، في أوساط مختلفة في المجتمع اليهودي، وربما يساهم ذلك بشكل اقوى في فضح الممارسات التمييزية ضد الجماهير العربية على المستوى الدولي أيضا.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here