موازنة “الحشد الشعبي” أكبر من اعتمادات المدن المحررة

بغداد ـ سلام الجاف، محمد علي

30 نوفمبر 2018

أعلن مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد، أمس الخميس، أن رئيس الحكومة عادل عبد المهدي وافق، من حيث المبدأ، على مراجعة عدد من بنود مشروع الموازنة العامة للعام 2019، بعد سلسلة لقاءات له مع نواب وممثلين عن المدن العراقية المحررة شمال وغرب البلاد، مؤكداً أن الطابع السياسي والتحيز المناطقي غلب على بنود وفقرات الموازنة المالية، التي قد تخلق مشاكل سياسية جديدة في العراق في حال تم إقرارها.

يأتي ذلك مع تصاعد تهديدات زعامات سياسية من عدم التصويت على الموازنة، التي كان من المفترض أن تتم مناقشتها في البرلمان، إلا أن انخفاض أسعار النفط وطلب إشراك لجنة فنية لمناقشة سعر احتساب البرميل الذي أقر، للمرة الأولى، عند 56 دولاراً للبرميل الواحد، تسبب بتأجيل ذلك. ووفق مسودة مشروع الموازنة، فإن حجم النفقات المالية للعام 2019 تبلغ 128.4 تريليون دينار عراقي (نحو 108 مليارات دولار)، بعجز مالي بلغ 22.8 تريليون دينار (نحو 19 مليار دولار)، وهي أعلى موازنة يقرها العراق منذ خمس سنوات، قبيل اجتياح تنظيم “داعش” للبلاد في العام 2014. وتم احتساب معدل تصدير للنفط بواقع 3 ملايين و880 ألف برميل يومياً، تتضمن 250 ألف برميل يومياً عن كميات النفط الخام المنتج في محافظات إقليم كردستان، بسعر 56 دولاراً للبرميل الواحد. وتنص المسودة أيضاً، على أن العجز المالي ستتم تغطيته من الوفرة المالية المتحققة من زيادة أسعار النفط الخام، أو زيادة صادرات النفط خلال 2019.

وكشف مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ”العربي الجديد”، أن عبد المهدي خول اللجنة الحكومية، التي تم تشكيلها أخيراً، العمل مع اللجنة المالية في البرلمان على إنجاز الملاحظات والاعتراضات على الموازنة ومعالجة الفروقات غير المنطقية فيها. وأشار إلى أن موازنة مليشيات “الحشد الشعبي” للعام 2019 بلغت 2 تريليون و98 مليار دينار (نحو مليار و700 مليون دولار)، وهي أعلى من موازنات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك، والتي تحتوي على 48 مدينة مدمرة بفعل الحرب، وتشكل ما نسبته 49 في المائة من مساحة العراق، وفيها أكثر من ثلث السكان. وأوضح أن “موازنة نينوى، التي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، هي 120 مليون دولار فقط، وموازنة الأنبار، التي تمثل 33 في المائة من مساحة العراق، هي 100 مليون دولار فقط، وأقل من ذلك لمحافظة صلاح الدين”. واعتبر أن تلك الحقائق هي التي دفعت عبد المهدي للتراجع وطلب مراجعة الأرقام وحصة كل جهة، كونها غير منطقية وتثير الحساسية الطائفية والمناطقية أيضاً. وقال “الرجل (عبد المهدي) قال لنواب من نينوى إن حكومة حيدر العبادي هي التي كتبت المسودة خلال فترة تصريف الأعمال وليس له دخل بها”.

من جانبه، قال رئيس حزب “المستقبل”، انتفاض قنبر، إنّ “موازنة مليشيات الحشد الشعبي تصل إلى ما نسبته 20 في المائة من موازنة الأردن، و25 في المائة من موازنة لبنان”. وأضاف أن “الحشد يأخذ أموالاً من الدولة العراقية، رغم أنّ ولاءه لدول أخرى، وأنّ الموازنة المخصصة له بلغت ملياراً و700 مليون دولار”. وأشار، في تصريحات صحافية، إلى أنّ “الأموال تعطى لمليشيات الحشد الشعبي، ليس لغرض قتال تنظيم داعش وإنما لسرقتها وشراء أراضٍ في المدن المحرّرة، خصوصاً في الموصل، لإحداث تغيير طائفي وديموغرافي”. وتساءل “إذا كان الحشد تحت إمرة الدولة العراقية، وتحت سيطرة رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، فلماذا لا تكون موازنته ضمن وزارة الدفاع أو الداخلية؟”، مؤكداً أن “كلفة إعادة إعمار المناطق المحررة تصل الى نحو 88 مليار دولار على أقل تقدير، وربما تصل إلى 200 مليار دولار”.

من جهته، قال النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، لـ”العربي الجديد”، إنهم يُقيّمون “التضحيات الكبيرة للحشد، لكن، في الوقت ذاته، يجب أن تكون هناك إدارة مؤسساتية، فالبنى التحتية في محافظاتنا صفر، وهناك كم هائل من المواطنين ينتظرون العودة إلى مناطقهم”، موضحاً أنّ “الموازنة لا تلبي شيئاً لهذه المناطق، ولا تعني شيئاً مقارنة بالخراب، وهذه علامة استفهام كبيرة، وهذا أمر مرفوض تماماً من قبل كل السياسيين في هذه المنطقة”. وأوضح أنّ “المحافظات السنية، التي لديها بني تحتية، تعاني من تجاهل الحكومة لها في موازنة العام 2019″، مشيراً إلى أنّه “حتى اللحظة لم تخرج البلاد من المساومات السياسية ومن الشعارات، ولم تذهب إلى الدولة الحقيقية ودولة المؤسسات”. وأكد أنّ “الموازنة الحالية التي أرسلت من العبادي كانت مكتوبة على عجل، لأجل حصد مكاسب سياسية وإرضاء السياسيين ليأخذ موافقتهم على تسلمه رئاسة الوزراء، لكن بعد أرسالها إلى البرلمان تم درسها بشكل دقيق، وهناك لجنة مشتركة ما بين الحكومة والبرلمان لمعالجة الخلل الذي شابها”.

من جانبه، قال النائب عن تحالف “الإصلاح”، صباح العكيلي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “موازنة الحشد نعتبرها من ضمن الموازنات العسكرية، فبالتالي هذه الموازنة تكون خاصة، ونحن طلبنا أن تكون للمناطق المحررة موازنات ليستطيعوا بناء مدنهم، وهذا مطلبنا منذ البداية. إننا لا نريد أن نربط بين موازنتي الحشد والمحافظات، بل نريد موازنة خاصة لكل جهة”. وعبر عن أمله بأن “تكون الموازنات بالنسبة للمدن المحررة جيدة وعالية، على الأقل لاستعادة البنى التحتية التي عانت من الإرهاب”. وينتقد سياسيون ما يخصص لمليشيات “الحشد”، وخصوصاً أنّها تتسلم رواتب من إيران. وقال المحلل السياسي محمد بريسم، لـ”العربي الجديد”، إنّ “موازنة مليشيات الحشد الشعبي غير صحيحة، ويجب تعديلها، فهناك فصائل مسلحة داخل هيئة الحشد تعمل لأجندات خارجية، وهي كانت تتلقى أموالاً ورواتب من إيران، وأنّ أموالاً طائلة وكبيرة أعطيت إلى الحشد، بينما لم تخصص أموال لإعادة إعمار المناطق المحررة، خصوصاً نينوى، والتي فيها مناطق وأحياء مدمرة بشكل كامل، وأنّ صرف هذه الأموال على إعادة النازحين وتعويض المتضررين أفضل بكثير من إعطائها إلى هيئة الحشد لغرض سرقتها”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here