لماذا تاخرنا والاخرون تقدموا ؟

منذ نهاية القرن التاسع عشر طرح الكثير من دعاة النهضة في الدول العربية والاسلامية السؤال لماذا تقدمت بقية الشعوب من مختلف انحاء العالم ولماذا تخلفنا نحن ؟ . وكان لتاثير الصدمة الكبير على العرب عند دخول طلائع نابليون الى مصر بجيش متطور وباسلحة حديثة ومعه العلماء والمتخصصين، وكان المصريين يقاومون بالسيف والخيول فعرفوا حينها بانهم في وضع لايحسد عليه وانهم متخلفين كثيرا عن ماوصل اليه العالم الجديد .وهذا السؤال الذي حاول الكثير من دعاة النهضة والمفكرين والاكادميين والمثقفين وحتى المتشددين اعطاء اجوبة قد شملت الكثير من جوانب هذا التخلف لكنها لم تستطع التشخيص الدقيق وان استطاعت بنسب معينة ،استحال عليها التطبيق فمن ناحية : دعاة النهضة الفكرية والتحررية وروادها محمد امين وطه حسين وسلامة موسى أحمد لُطفي السّيد، العربيّ التّبسي، الفضيل الورتيلاني، بطرس البستانيّ، جمال الدين الأفَغَانيّ، حمزة شحاتة، عباس محمود العقاد، عبد الحميد بن باديس، عبد الرّحمن الكواكبيّ، مصطفى لطفي المنفلوطيّ، محمد البشير الإبراهيميّ، شيلي شميل، نيقولا حدّاد، الإمام محمد عبدُه ،أبو راس النّاصري.وغيرهم الكثير كانوا يطالبون وعلى وجه الخصوص طه حسين وسلامة موسى بالاستعانة بتجربة الشعوب الاوربية والتي تعتبر تجربة جاهزة ومطبقة ومامونة النتائج حيث استطاعت الشعوب الاوربية من حسم الصراع بين المتسلطين باسم الدين وبين دعاة النهضة والتحرر وفصل الدين عن الدولة والتخلص من السوط الديني المسلط من قبل الكنيسة الذي كان سائدا لمدة خمسة قرون ولهذا كانت اوربا تعيش مرحلة الانحطاط والتخلف السائد ولذلك لم تكن هنالك حضارة وللاسف ان هذا السوط الديني لايزال فعالا في مجتمعاتنا العربية والاسلامية.

ومن ناحية اخرى لازلنا نعيش المتاهة بين دعاة التحرر وتطبيق التجربة الغربية لاختصار الزمن والتضحيات وبين دعاة التراجع الحضاري من خلال التخلف الذي تعيشه بلداننا من انه صحوة اسلامية وهم جماعات الاسلام السياسي والغريب انهم يفسرون هذا التراجع الخطير والتخلف بانه صحوة اسلامية وعودة للجذور ومن بعد العودة ياتي النهوض الحضاري .ومن هنا يجب ان ننطلق لايجاد المقتاح السري للاجابة عن سبب تخلفنا لابل تراجعنا عكس نظرية دارون في التطور والتقدم والبقاء للاصلح والاقوى .. وايضا تشخيص علمي وحضاري لهذه النظرة الدينية الاحادية الضيقة .وتبقى الاجابة عن سبب تخلفنا غير واضحة وناقصة وغير معلنة او صريحة وضبابية ومشوشة المعالم وسيبقى الوضع على ماهو عليه اذا لم تتجرا هذه الشعوب وتقدم جوابها بشجاعة ووضوح لتنتقل الى الخطوة الثانية وهي تطبيق الحلول وماتراه مناسبا للحاق بالركب الحضاري لبقية شعوب العالم. ولنرتقي سلم التطور والتقدم وان نضع بصمتنا في هذا المشهد الحضاري الرائع والراقي الذي ترسمه بقية الشعوب والامم خدمتا وخيرا لشعوبنا وشعوب العالم اجمع .. اهم كتابين ناقشت موضوع التخلف لمجتمعاتنا وتقدم الاخرين الاول للباحث الفرنسي فريدرك لونوار وكتابه المسيح فيلسوفا والثاني من تاليف شكيب أرسلان في الثلاثينيات من القرن الماضي وكتابه الشهير”لماذا تأخر المسلمون؟ولماذا تقدم غيرهم؟”، وجه ارسلان انتقاده للجامدين من المسلمين واعتبرهم سبب كل هذا التخلف وتطرق الى الانحراف وتغيير تعاليم الدين لتخدم مصالح الملوك والامراء .

اما لونوار فيطرح القضية من جانب وزاوية اخرى ويطرح سؤالا لماذا تقدم الاخريين ويطرح اسئلة كثيرة من ضمنها لماذا نشات الديمقراطية في الغرب المسيحي ولم تنشا في الصين او الهند او الدولة العثمانية ، واجابته على هذا السؤال هو لان الغرب كان مسيحيا والمسيحية ليست مجرد دين بل فلسفة. ولابد من الاشارة ان معظم ماتوصل اليه العالم المتحضر من صياغة القوانين وتشكيل المؤسسات والهيئات الدولية ومنظمات حقوق الانسان جميعها قد تاثر بشكل مباشر او غير مباشر بالمسيحية وتعاليمها وايضا قيم واعراف كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والمساواة والإخاء والنزعة الإنسانية المشتركة ومعظمها تاثر بقيم ومبادئ المسيحية.، ويطرح لونوار ايضا كيف كانت الكنيسة قد شوهت التعاليم والقيم التي تجعل الانسان اولا ولكن كان لرواد النهضة كلمتهم وتاثيرهم على المجتمع والتي ساعدت في انزواء رجال الدين داخل كنائسهم متفرغين فقط للشؤون الدينية دون ان تكون لديهم اية سلطة او تخويل الهي .

حاول دعاة النهضة والاصلاح في عالمنا العربي والاسلامي فك رموز شفرة التخلف لابل حاولوا وضع اوربا في جانب والعالم العربي في الجانب الاخر لعمل مقارنة وايجاد الاختلافات ليتسنى ايجاد الحلول فبرزت اهم ثلاث عوامل وهي اللغة والدين والاختلافات في الشكل . فلو اخذنا عامل اللغة فسنجد ان معظم الامة العربية تتكلم لغة واحد فعلى الرغم من المحاولات الحثيثة والخبيثة للاستعمار العثماني في طمس اللغة العربية وفرض اللغة التركية وكاد ان ينجح لولا رواد النهضة العربية واعادة الشعور القومي واحياء اللغة والتاليف والطباعة . ففي هذه الناحية يتفوق العرب على الاوربيين حيث يتكلمون اكثر من لغة ولكل بلد لغته التي يعتز بها ،اذا عامل اللغة ليس هو سبب تخلفنا واذا اخذنا العامل الثاني وهو الدين فنجد ان المسلمين في الماضي استطاعوا من التفوق على بقية الامم ،اذا العامل الديني ايضا ليس سبب التخلف واذا اخذنا عامل الشكل والبنية الجسمانية فايضا العراقيون والسوريون والمصريين قد بنوا اعظم الحضارات فينظم هذا العامل لبقية العوامل على انها ليست السبب في تخلفنا او السبب في تفوقهم.

ولكن لنتوقف قليلا عند العامل الديني لان العاملين الاخرين قد تم تفنيدهما بشكل كامل ولكن العامل الديني يحتاج الى مناقشة اعمق ، فان ماتحقق قبل قرون عندما كان القتال بالسيوف والحصن وكثرة اعداد المقاتلين والحماسة والايمان بان القتال والموت في سبيل الله قد جعلت من المقاتل العربي المسلم يتفوق على بقية المقاتلين ولكن في زمن عصر الفضاء والاسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات نعتقد ان الاعداد الكبيرة والايمان العقائدي والحماسة لاتجدي نفعا ولاتستطيع مجاراة بقية الشعوب او توفير حياة اجتماعية ورفاهية والقضاء على التخلف والجهل والفقر . لابل بلدان كالعراق وسوريا ومصر ليس فقط لم تتطور لا بل تراجعت الى الوراء ونعتقد المفهوم والقراءة الخاطئة لدور الدين في حياة المجتمع والفرد لانه بمقارنة بسيطة اخرى فنجد دولة اسلامية كماليزيا قد كسرت القاعدة واقتصادها يقفز قفزات واسعة نحو الدخول في مجموعة نمور اسيا .

وختاما استطاع الغرب المسيحي ان يصوغ ويصدر الكثير من المفاهيم والقيم الانسانية الراقية من دون ان تنجح الدول العربية الاسلامية من تصدير او صياغة مفاهيم ومصطلحات سجلت باسمهم سوى الجهاد والجزية والبرقع .ولازلنا نبحث عن اجابة وحلول لسؤال عمره اكثر من مئة عام لماذا تخلفنا ولماذا تقدمت بقية شعوب الارض وماهو واضح ومتوقع انه يجب ان ننتظر اربعمائة عام ( قرنين على بداية النهضة في اوربا) اخرى لتصبح ستة قرون وهو الفرق بين معرفة المسيحيين الله ومعرفته من قبل المسلمين كي تبدا نهضتنا وتتحرر شعوبنا وتبدا بالمساهمة مع بقية شعوب الارض في البناء الحضاري والدور الانساني المطلوب.

د. عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here