رغم المعوقات ستلبس شجرة الميلاد حلتها

دكتور/ علي الخالدي
يعود تواجد المسيحيين في مدن ما بين النهرين الى القرون الأولى الميلادية ، وبتواجدهم في مدن الشرق الأوسط وبصورة خاصة في العراق وسوريا لعبوا دورا رياديا في نهضة وتطور تلك المدن ، وبغيابهم غاب عن تلك المدن الجمال والثقافة الأدبية والعلمية والذوق الفني ، كما يشاهد حاليا في أغلب مدن العراق في ظل حكم الأحزاب الإسلامية الذي شهد تصاعد إضطهادهم ومضايقتهم بالقتل والخطف والتهجير القسري الداخلي والخارجي ، والإبادة الجماعية عند إحتلال داعش للموصل وسهل نينوى ، فتناقصت أعدادهم على نحو مخيف ، حتى باتت بعض المدن تكاد تخلو من تواجدهم بعد أن كانت عامرة بهم .
في ظل غياب الدعم من قبل الحكومة الإتحادية والإقليم وقلة الدعم الدولي ، وإقتصاره على ما تقدمه الكنائس لإنصافهم . قام المعنيون بشؤؤن مسيحي الشرق الأوسط ، بمطالبة المجتمع الدولى با أعتبار ما تعرض له مسيحي العراق هو إبادة جماعية ، ورغم تأخير إثارة ذلك ومردوده السلبي طيلة الفترة السابقة (تقريبا سنة ونصف) إلى أن أثمرت جهود المعنين بتصويت الكونغرس الامريكي وتوصله لقرار يُعتبر ضوء في نهاية نفق قضاياهم المظلمة ، اذ أصدر الكونغرس الأمريكي قراراً ، بإعتبار ما تعرض له المسيحيين عام 2017 ابادة جماعية إيمانا بمقولة المخلص يسوع له كل المجد القائلة … إطلبوا تجدوا إدعوا يُفتح لكم ،
وللسنة الرايعة يحتفل مسيحيو العراق بعيد الميلاد المجيد والحزن يعصر قلوبهم والرعب يجتاح نفوسهم خشية هجوم من لا يروق له تواجدهم على أرض أجدادهم ، فبعد تعرضهم الى التهميش واﻹضطهاد ومصادرة حقوقهم القومية والوطنية على مدى عصور ، متخذأ أشكال متعددة كالسبي والخيار بين ترك دياناتهم أو حد السيف ، (تتواصل ليومنا هذا )، خاصة بعد تلاقح اﻷفكار المتشددة إسلاميا مع الفكر السلفي ، الذي أعِد إنتشاره بصمت وهدوء في منطقة الشرق اﻷوسط ، بتواطيء اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية في المنطقة ، عبر ماسُمح للإسلاميين بناء مراكز دينية تنشر الفكر السلفي الذي يوعد المهووسون بالحور العين في الجنة
وعلى الرغم من تصاعد مد المعوقات والصعوبات اليومية ، يستعد مسيحيو العراق وفي باقى دول الشرق الأوسط لإستقبال عيد الميلاد المجيد والعام الجديد ، وهم لازالو في محنة نزوحهم وإستقرارهم ، دون أن تلوح في الأفق اي آمال للعودة لمدنهم الاصلية . فقد كان من المؤمل أن تلتفت الجهات المسؤولة في الحكومة الإتحادية والأقليم ، وتقوم بترميم وتأهيل مساكنهم لأجل العودة إليها بسلام ، جاءت الأمطار لتزيدهم بلوة أخرى تعيق عودتهم لبيوتهم في سهل نينوى والموصل . وبذلك سيمر على المسيحيين وبصورة خاصة النازحين منهم عيد ميلاد آخر وهم بعيدين عن بيوتهم ومدنهم ، فالعودة كما تتناولها الأخبار مستحيلة وغير ممكنة ، في ظل عدم إستقرار أمني ، حيث يصول ويجول فيه المتشددون إسلاميا في مدن العراق . فمنذ إسقاط العامل الخارجي لنظام صدام وجد المسيحيين انفسهم في عدم أستقرار وخاصة بعد أن وجدوا منازلهم قد سُيطر عليها أو دمرت ، وممتلكاتهم قد صودرت أو تم سرقتها ، وحوربت مصادر رزقهم ، مما إضطرهم للهجرة القسرية ، فقلت أعدادهم من اكثر مدن العراق ، وحسب ارقام قدمتها ال بي بي سي(الإذاعة البريطانية) إلى أقل من 300 الف بعد أن كانوا مليون ونصف . مما خلق تخوف مشروع من إختفاء هذه الشريحة الهامة من الشعب العراقي نتيجة عدم إستقرار الظروف الأمنية التي لم تستقم في العراق خلال 15 عاما على سقوط الدكتاتورية ، ومع هذا فمن بقى في العراق ، حتى من لا زال في مخيمات اللجوء يواصلون الإحتفال بميلاد سيدنا المسيح ، ويزينون شجرة عيد ميلاده بحلتها كي لا يفقد هذا التقليد المتوارث بهجة اليوم السعيد بميلاد المخلص ، رغم غياب الكثيرون من المكون المسيحي وخلو الكنائس من محط رجل للعديد منهم . دون تلقي مساعدة حكومية تعينهم على تحمل مصاعب المعيشة اليومية . في وقت ينشغل الكثير من المسؤولين بكيفية زرع الكراهية لمعتنقي الديانة غير الإسلامية في فكر الجيل الناشيء عبر مناهج التدريس ، وبإصدار قوانين وتعليمات تعرقل ممارسة من لا يدين باﻹسلام لشعائره الدينية وتهضم حقوقهم المعاشية والوطنية واﻹنسانية ، ففي سابقة يُراد بها التأكيد على أن دار السيد مأمونة ولذر الرماد في العيون ، أقدم بعض مسؤولي الإدارات المحلية ، على نصب شجرة الميلاد في ساحات بعض المدن العراقية التي يندر فيها تواجدهم ، وأكْسَياها بأنوار ملونه ، لكن الحزن بقي محيطا بها ، ذلك لغياب رفيقة عمرها المغارة التي فيها شهد العالم ولادة سيدنا المسيح له كل المجد . حيت بدون المغارة تفقد شجرة الميلاد هويتها ، وبتواجدها يكتسب المحتفلون بهذه المناسبة إيمان ملهم وتنخلق في نفوسهم قدرة إستثنائية على التسامح رغم معاناتهم اليومية الفائقة . هذا التسامح الذي أتصف به مسيحيو الشرق الأوسط ، لم يكن سلبيا أوضعفا بل هو فعل شجاعة فائقة وتصميم على أن الحب سينتصر على الكراهية كما يخبرنا التاريخ قديما وحديثا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here