الاستعلاء الديني : وتبادل الأدوار بين ضحايا و جلادين

بقلم مهدي قاسم

يخطئ البعض إذا تصور أن الاستعلاء الديني والنبرة الدينية
التفوقية و المتجذرة في الدين الإسلامي منذ نشأته تطال ” أهل الكتاب ” والمشركين ” فقط ..

لا قطعا ..

إنما طالت طوائف إسلامية ذاتها سيما ” الطائفتين ” الشيعية
و السنية ” اللتين ارتكبتا بحق بعضهما بعضا مجازر و مذابح لمرات عديدة ، و غالبا ضد ” الشيعة ” من قبل الوهابيين ، بدأت منذ مهاجمة مدينة النجف في القرون الماضية ثم توّجت بعد سقوط النظام السابق لتأخذ طابع حرب أهلية ــ على طائفية و عمليات قتل متبادلة لا زالت مستمرة
حتى الآن ولو بشكل متقطع وأن خفت حدته مؤخرا و.. و مؤقتا .

و أعداد الضحايا الهائلة معروفة بتفاصليها عند مكتب الأمم
المتحدة الذي اعتاد أن يعمل إحصائية شهرية و سنوية عن ضحايا أعمال العنف و الإرهاب في العراق صعودا و نزولا على طريقة البورصة الغربية ..

إذ أن عددا كبيرا من ” أهل السنة ” يعتبرون ” الشيعة ”
طائفة رافضة و مارقة و عبدة مقابر و أضرحة و مراقد و بالتالي أنهم ليسوا بمسلمين حقيقيين ..

بينما الشيعة يعتبرون أن ثمة انحرافا قد حدث بعد اجتماع
” السقيفة ..

فيتراشقون فيما بينهم بتهم الرافضية و الناصبية على حد
سواء !..

إذ أن المسألة لم تقتصر على ارتكاب مذابح و مجازر بحق بعضهم
بعضا ، أنما رافقتها حملات تشهير و تسقيط و تحقير و تكفير متبادلة عبر صحف و مواقع و فضائيات ، بل و من خلال كتب عديدة ، حيث حاول كل طرف الحط من مذهب الطرف الآخر و إثبات مصداقية و نقاوة مذهبه أو طائفته !!..

ومن يريد التأكيد من صحة أقوالنا ما عليه إلا أن يطلب
المساعدة و العون من أرشيف العم غوغل ليشاهد الغرائب و يقرأ العجائب على هذا الصعيد ..

و بالتوازي مع كل هذا تعرضت كلا الطائفتين لأعمال القمع
و التعسف و التمييز المذهبي وفقا لوجودها كأقلية محكومة أو أغلبية حاكمة و بالعكس ، مثلما الحال مع شيعة العراق ـ قبل سقوط النظام السابق وفقا لمزاعمهم بالمظلومية ــ و كذلك شيعة السعودية والبحرين و مصر ــ على قلتهم ــ و افغانستان و باكستان و الخ ..

وفي مقابل ذلك تعرض و يتعرض سنة إيران و العراق حاليا ــ
وفقا لمزاعمهم الحالية بالمظلومية ــ لنفس النهج من أعمال قمع و مصادرة الحريات في التعبير عن الرأي و حقوق المواطنة والخ ..

و هذه نتيجة طبيعية لدين يزعم التفوق و الأفضلية على غيره
من أديان أخرى ولا يعترف إلا بوجوده الوحيد و الأوحد كرسالة سماوية فما على غير أتباعه ــ طبعا ضمن مذهب واحد !! ــ إلا الإيمان بها و اعتناقها و إلا فهم كفار ومشركون من ناحية ، و وهابية تكفيرية أو رافضية مجوسية من ناحية أخرى حتى لو كانوا مسلمين يمارسون الفرائض
الدينية كل يوم ..

فالاستعلاء الديني و النبرة التفوقية و الاحتكاري الحصري
هذا قد انتقل في هذه المرة من الدين الإسلامي ذاته إلى فروعه من مذاهب و طوائف مصحوبا بتهم تكفير و مروق و وثنية و زندقة مع داوعي و تحريض على قتل و تدمير و اجتثاث الخصوم المذهبيين الآُخر..

فكيف الأمر بأديان أخرى ؟ ..

وكم من مرة لاحظنا في هذا السياق تحول الضحايا إلى قتلة
و بالعكس ايضا ..

بدليل أن بعضا من الشيعة العراقيين زعموا بأنهم كانوا من
ضحايا التمييز الطائفي على مر القرون ، و إذا كان الأمر كذلك فلماذا يمارسون اليوم هم أيضا بالذات ــ كضحايا الأمس المزعومين ــ نفس الاستعلاء الديني و النبرة التفوقية و التلقينية القيمية و الأخلاقية على الأقليات الدينية العراقية الأخرى و اتهامها بالفسوق والرذيلة
وهي في الوقت نفسه دعوة مبطنة للمتطرفين وذريعة لقتلهم ؟!..

بينما كان من المفروض الوقوف إلى جانبهم و التضامن معهم
باعتبارهم هم أيضا ضحايا لمثل هذا التمييز و التفرقة ..

هذا إذا كانوا ضحايا الاضطهاد و القمع الطائفيين ،بالفعل
نقصد الشسيعة العراقيين ..

لذا فيخطئ من يعتقد أن الأمر يتعلق بتقديم التهاني أو
عدمه ..

فالمسألة أعقد و أخطر من ذلك بكثير ، لأن هذا الاستعلاء
الديني و النبرة التفوقية الوهمية والمصاحبة بالهوس الديني و المذهبي لا زال يعكس عقلية الغزوات الأولى * للدين الإسلامي ذات العقلية العنفية التي لا زالت تنظر إلى غير مسلم بأنه أما كافر أو مشرك فيجب إرغامه على اعتناق الدين الإسلامي أو نبذه و احتقاره ، و قتله
أيضا إذا كان ذلك ممكنا في حالة رفضه و إصراره على التمسك بدينه هو ..

ومن ثم كيف يمكن العيش تحت سقف وطن واحد مع أناس هم بهذه
العقلية الماضوية الغابرة و المظلمة و الإقصائية العنفية و الازدرائية المتجذرة و المزمنة ؟ ..

لذا فأن الهوس الديني و المذهبي لا زال يعكس عقلية الغزوات
الأولى * للدين الإسلامي وهو الأمر الذي دفع أغلبية أفراد الأقليات الدينية العراقية إلى الهجرة نحو الخارج هربا من هذا الجحيم الإقصائي الذي أخذ بالتزايد و التصاعد يوما بعد يوم و حتى هذه اللحظة ..

علما أن الأمر لم يقتصر على التمييز و الإقصاء الدينيين
إنما رافقته عمليات إستيلاء و مصادرة أموالهم وممتلكاتهم أيضا ، بل و قتلهم بسبب عملهم في نوادي التسلية أو بيع الكحول ..

رابط فيديو ذات صلة بعقلية الغزوات الغابرة بحد السيف :

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here