القوات الامريكية في العراق لمحاربة داعش ام لقطع الهلال الشيعي؟

جواد ملكشاهي
بعد اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب رسميا عن سحب قوات بلاده المنتشرة في سوريا في 19 من ديسمبر الجاري ، نشرت العديد من التقارير والتحليلات السياسية في وسائل الاعلام المختلفة بشأن الهدف الحقيقي من القرار وتاثيراته على اوضاع المنطقة وبالاخص في سوريا وتحديدافي شرق الفرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ، لكن ما اثار دهشة المحللين سحب تلك القوات الى الاراضي العراقية وبناء قواعد عسكرية جديدة في العراق.
اذا كان داعش قد اندحر ومني بالهزيمة في سوريا وتحقق الانتصار عليه كما ادعى الرئيس الامريكي ترامب ، اذن لماذا سحب تلك القوات الى العراق تحديدا بدلا من عودتها الى معسكراتها الاصلية في الولايات المتحدة او القواعد الامريكية في المنطقة او المناطق الاخرى من العالم؟.
في خضم تلك التطورات كشف مسؤول محلي في محافظة الانبار عن تحركات للقوات الامريكية بالقرب من قضاءي الرطبة والقائم يشتبه انها خطوات أولية لأنشاء قواعد عسكرية فيهما.
واضاف عضومجلس المحافظة صباح الكرحوت لوكالة انباء (باسنيوز) ان القاعدة الاولى ستنشأ على الارجح في شمال ناحية الرمانة التابعة لقضاء القائم بالقرب من الحدود السورية فيما ستنشأ القاعدة الثانية في الشرق من مدينة الرطبة التي تبعد 100 كيلومتر عن الحدود العراقية – السورية
وأوضح الكرحوت أن الهدف من إنشاء القاعدتين يتمثل في مساعدة القوات العراقية على السيطرة على حدود البلاد، لمنع تسلل عصابات داعش، وعدم دخول ارهابيي التنظيم الإرهابي للمدن المحررة.
كما كشفت مصادر اخبارية اخرى ان قسما من القوات الامريكية المنسحبة من سوريا قد وصلت الى القاعدة الامريكية بالقرب من اربيل ، مما يوحي ان قاعدة اربيل ستنسق مع القواعد الامريكية الاخرى على طول الحدود العراقية السورية في محافظة الانبار لقطع الطريق على وصول الامداداتالايرانية الى الميليشيات الموالية لها في كل من سوريا ولبنان.
ياترى ما الهدف الحقيقي وراء سحب القوات الامريكية من سوريا الى العراق؟
للاجابة على السؤال ، علينا ان نذكر بأن مصادر قريبة من الحكومة الروسية كشفت ان قرار الرئيس الامريكي بشأن الانسحاب من سوريا قد اتخذ بالتنسيق مع موسكو وانقرة والحكومة العراقية وشركائه الاوروبيين فضلا على اعلام تل ابيب بالقرار مسبقا ، من الطبيعي ان تنسيق واشنطنمع تلك الدول يوحي بان الولايات المتحدة قد انسحبت من سوريا مقابل الحصول على امتيازات من الاطراف المعنية ، على سبيل المثال يؤكد المراقبون السياسيون ان موسكو لن تتعاون مع ايران في الملف السوري كما في السابق بعد الانسحاب الامريكي ، بل انها ستقلص تعاونها وتنسيقهامع طهران تدريجيا مع تطوير وتعزيزعلاقاتها مع حكومة بشار الاسد في المرحلة المقبلة التي ستشهد الازمة السورية متغيرات كبيرة واحداثا متسارعة.
وعلى صعيد العلاقات مع تركيا التي تربطها بواشنطن روابطة تاريخية تمتد الى عقود من الزمن فضلا على عضوية انقرة في حلف الناتو بقيادة واشنطن، فان قرار ترامب بالانسحاب من تركيا وبالاخص من شرق الفرات التي تهدد انقرة بمهاجمتها كانت مبادرة من الادارة الامريكية لاعادةالثقة بين البلدين وعودة المياه الى مجاريها بعد ان شهدت علاقات البلدين خلال العام الحالي فتورا مشهودا وصل في بعض الاحيان الى حد التهديد والوعيد وبالاخص بشأن الملف السوري.
على صعيد الحكومة العراقية فان واشنطن ربما اعلمت الحكومة العراقية بقرارها لتهيئة المقدمات لبناء قواعد عسكرية جديدة في محافظة الانبار وليس لاخذ رأي او موقف الحكومة العراقية من القرار بحد ذاته ، لان العراق فاقد للسيادة و لايمتلك اية ورقة مؤثرة مقابل القرار الامريكيوان الولايات المتحدة وايران يعدان العراق ساحة مفتوحة ومسرحا لصراعاتهما على مناطق النفوذ في المنطقة.
على صعيد الدول الاوربية ، لاشك ان واشنطن تشاورت مع شركائها الاوربيين بشأن قرار الانسحاب على الرغم من ان بريطانيا اعلنت رسميا ان داعش لم يهزم بعد في سوريا ومازال يشكل خطرا على الاوضاع الامنية في بعض المناطق والمحافظات السورية وباريس من جانبها اعلنت ان داعش مايزاليشكل تهديدا على الاوضاع في سوريا والشرق الاوسط وان قواتها ستسعى لملء الفراغ الناتج عن سحب الجنود الامريكيين من سوريا وبالاخص في شرق الفرات في اشارة الى عدم التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية.
اسرائيل الطرف الاخر في القضية ضمن توجيه انتقادات هادئة للقرار الامريكي ، الا انها اكدت انها على استعداد للسيطرة على الوضع الامني على حدودها مع سوريا ولم تطالب واشنطن عن العدول عن قرارها او التريث في اتخاذ القرار النهائي ، مايوحي انها حصلت على تطمينات روسيةلحماية حدودها.
بالنظر الى تلك المواقف الايجابية من قبل كل من موسكو و انقرة وتل ابيب والدول الاوربية بشكل عام و صمت الدول الخليجية ازاء القرار الامريكي يبدو ان القرار الامريكية بسحب قواته من سوريا وانشاء قواعد عسكرية بالقرب من الحدود العراقية السورية ووجود القاعدة الامريكيةفي اربيل هو لايجاد سد منيع امام المد الايراني في سوريا ولبنان و قطع الهلال الشيعي دون امتداده للعمق السوري لاضعاف الدور الايراني في سوريا بالتزامن مع تشديد العقوبات على طهران وليس لحماية العراق من تهديدات و هجمات مقاتلي مايسمى بالدولة الاسلامية داعش ، خاصةاذا ماعرفنا ان تنظيم داعش الارهابي في العراق ليس بحاجة الى وصول دعم له من الاراضي السورية ، بل ان حاضنته الحقيقية في العراق مايزال مساعدا على النمو وان غالبية مسلحيه و خلاياه النائمة هم من ابناء المناطق التي كان يسيطر عليها في نينوى والانبار وصلاح الدين وديالىوان الارضية مناسبة لتجديد قواه وتعزيزاته العسكرية في خضم الخلافات السياسية بين القوى والاحزاب السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية ، وما المساعي الايرانية الاخيرة من خلال القوى السياسية العراقية الخاضعة لهيمنتها في مجلس النواب العراقي وجمع التواقيعلتمريرقرارالمطالبة بجلاء القوات الامريكية من الاراضي العراقية برهان قاطع على الهاجس الحقيقي لطهران من انشاء القواعد الامريكية على الحدود العراقية السورية وسد الطريق على الهلال الشيعي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here