قراءة…….

قراءة
بقلم سامية عبد الرحمن خليفة /لبنان حول نص بعنوان “حمدان “للكاتب صالح جبار خلفاوي /العراق
أوَّلُ ما يشدُّ القارئ ويثيرُ انتباهَه للنَّص هو عنوانُه حيث أنَّ العنوانَ هو عتبةُ النصِّ التي يمرُّ بها القارئ عابراً لِمتاهاتِ النصِّ ليستكشفَ ما فيهِ من جماليّةٍ في السَّردِ ومتعةٍ في الخيالِ ٍفالعنوانُ”حمدان ” وهو اسمٌ لشخصٍ ما يتركُ القارئُ يتساءلُ من خلالِ إيحاءاتِ الإسم لأسبابِ اختيار الكاتب له هلْ ينادي الكاتبُ عليْهِ وقد توحي لشخصٍ آخرَ أنَّ هذا الإسمَ لا بدَّ أنَّ له قصةً ما لذا يتشوَّقُ لمعرفتِها خصوصًا أنَّه يرتبطُ بموسيقى فيها نداء أو صدى لذكرى فيقرأ المتلقي الاسمَ بألفِ مدّ متكررةٍ حمداااااان رغمَ أنَّها كُتبتْ “حمدان” . وسوف نكتشفُ الرَّمزية المتعلقةَ بهذا الإسمِ حيث ستدورُ أحداث النَّص حولَه ليرمزَ إلى ضميرِ الكاتب ووجدانِه. يستهلُّ الكاتب النَّصَّ بتحديدِ مكانِ الأحداث (بحيرة الأسماك) وبتحديدِ الزَّمان مستخدمًا الزَّمن الماضي ثم بتحديدِ الأشخاصِ “كنا” لصيغةِ الجمعِ ويعني بها نفسَه أي الكاتب ومن معَه من جنود٣ ثم تبرزُ شخصيَّةُ حمدان التي تلعبُ دورا بارزا محرِّكًا لانفعالاتِ الكاتب الذي بدورِه سينقلُها إلى القارئ فيتفاعل معها بكلِّ شغفٍ ومتعة يبدأ الكاتبُ متوجهًا للقارئ محددًا لمكانِ أحداثِ القصة وهو أمرٌ يصدرُ من ضابطٍ ليقومَ الكاتبُ مع الجنودِ بمهمَّةِ البحث حتى تمَّ اكتشافُهم لجثَّة الجندي “قيس” وقبلَ أن يستكملَ سردَهُ تذّكرَ حمدانَ فقالَ “الله عليك يا حمدان” مما يعني أنَّهُ كانَ برفقتِهم فأصبحَ متوجِّها بسردِه إلى حمدان هنا يبدأ الاسترسالُ في السَّردِ إلى منْ شهدَ معه وقائعَ الحربِ حينها يُكثرُ من النداءِ باسمِه وهو حمدان يتقدَّمه أحيانا “يا ” وأحيانا تكتب مرَّتين متتاليتين دليل على أنَّ الكاتبَ يعيدُ النِّداءَ مدركا صعوبةَ أو استحالة أنْ يسمعه المنادى وفي ندائه يستذكرُ ويستعرضُ الصُّور التي رسختْ في ذاكرتِه وتسبَّبتْ له بصدمةٍ لا يمكنُ نسيانُها وهي سرقةُ ضابطِ الاستخباراتِ لأموالٍ من جيبِ جثَّةِ الجندي وهذا الأمرُ المنفرُ زادَ من مساحةِ ثقبِ القلب بشظية فالثقب هنا مخترق بشظيَّةِ التَّعدي على ممتلكاتِ ميْتٍ لا يمكنُه المواجهةَ رغمَ أنَّ الضّابطَ حاولَ رشوةَ الجنودِ بتوزيعِ الحلوى “ثوابًا على روحِه الطاهرةِ” وهنا تشتدُّ الأزمةُ التي تجعلُ من الكاتبِ يُفرِغُ كلَّ ما في صدرِه مستعينًا بالنِّداءِ لحمدان وهو يبدو أنَّه صديقٌ له يذكِّرُه كيفَ حينَها غضبَ وصرخَ مستنكرًا منْ هذا العملِ المثيرِ للاشمئزازِ مستخدمًا الضّميرَ المنفصل (نحن )مكملًا حديثَه مع حمدان وهو في نفسِ الوقتِ يتوجَّه بكلامِه من خلالِ حمدان إلى القرّاء راثيًا حالَ البلادِ العريقةِ بحضاراتِها “نحن أبناء بلاد النهرين حضارتنا تمتد إلى سبعة آلاف سنة ويسرق الموتى لنعمل لهم ثوابات من مالهم المسروق” بيدَ أنَّ صورةَ الضّابطِ الكندي لم تفارقْ ذهنَ الكاتبِ فذكَّرَ حمدان بِه كطريقةٍ للتحدثِ عنهُ ليبيِّنَ كم هناك فارق كبير بين ما يعانون وبين طلبِه شبْهِ المستحيلِ لقنينةِ بيرةٍ رافضا قدحا من ماء (الجلكان) الصدئ وهذا ما أثارَ الكاتبَ ليصفَ المكانَ (أغصان الحزن ورائحة الموت والصمون اليابس وماء بطعم الطين) الكاتبُ يستعينُ بحمدان لغايتين: أولا :ليكونَ شاهدًا على الأحداثِ . ثانيا :ليخفِّفَ من وقعِ هذه الأحداثِ السَّيءِ عليه حينما يرافقُه كضميرِهِ وهو رفيقُ السِّلاحِ المقرّبِ إليهِ في رحلتِه السرديّةِ. نلاحظُ تكرارًا لذكرِ الحضارةِ كتأكيدٍ من الكاتبِ عن رفضِه لِما يحدثُ في بلادِه ” حضارتنا تمتد سبعة آلاف سنة ونسرق رفات الموتى ويذبح الأولياء بلا رحمة بيد أولاد البغاء” يطلبُ من حمدان أن ينامَ قريرَ العينِ وهنا التماهي معهُ في أوْجِهِ كما لو أنَّه يطلبُ منْ ذاتِه بعد أن نفَّسَ لها عن كربهِ عن طريقِ حمدان أن تهدأ فهي نفس تحبُّ الله والله يهِبُ الجمالَ وعلى النَّقيض من ذلك هناك الأشقياءُ الأشرارُ الذين لا يفقهونَ ذلك. ويبدأ العدُّ العكسي لسيرورةِ النصِّ حيثُ تتوهَّجُ الكلماتُ بذكرياتٍ جميلةٍ بينَ الكاتبِ وحمدان ” هل تشهد كم كنا سعداء حين نزور عليا أو نزور الحسين …..” إلى أن يصدمَ القارئَ بحقيقةِ أنَّه يوجِه كلامَه إلى صديقِه الميْتِ مقتربًا من الخاتمةِ “أنهض يا حمدان فالدنيا تغيرت الدين صار عباءة ومسبحة وبسملة وحوقلة أسماء الفرات لم يعد فراتنا صار أحواضا لتفقيس بيوض الأسماك ” كلمةُ انهضْ ترمزُ إلى أنّ حمدان استشهدَ وأن الكاتبَ عادَ إلى الواقعِ بعدَ رحلتِه مع الماضي ليطلبَ من رفيقِه النُّهوضَ ، وأتبعَ كلامَهُ فيما بعد قائلًا ” اغمض عينيك ونم طويلا فلم يعد ما يستأهل منك النظر إليه” النَّصُّ حسب رؤيتي له وانطباعي عنه هو تجسيدٌ لمعاناةٍ جماعيةٍ ينقلُها الكاتبُ متوغِّلًا بها إلى أعماقِ القارئِ في سردٍ مُشوِّق يتلاعبُ بتموجاتِهِ وذبذباتِه فهناكَ حركةٌ لأحداثٍ متواترةٍ وسريعةٍ ويُعتبرُ النص بالإضافةِ إلى أنَّهُ عملٌ أدبيٌّ كُتِبَ بأسلوبٍ أدبيٍّ بليغٍ فهو أيضًا تأريخيٌّ كُتِبَ بحذاقةٍ وحياديَّةٍ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here