وأخيراً تم إقرار موازنة ٢٠١٩!

محمد عبد الرحمن

أخيرا وبعد جلسة ماراثونية، اقر مجلس النواب فجر الخميس ٢٤ كانون الثاني الجاري، موازنة سنة ٢٠١٩ بما لها وما عليها. وقد يمكن القول انها، من حيث المضمون والجوهر وآلية الإعداد، لم تخرج عن سياقات الموازنات السابقة، خصوصا لجهة خلوّها من أَيّ بعد تنموي، وأي مسعى لتنفيذ جزء من خطة التنمية للسنوات ٢٠١٨-٢٠٢٢. ولكن نظرا للتغيير في تركيبة مجلس النواب وللخبرة المتراكمة، فقد تمكن دعاة الاصلاح والتغيير في مجلس النواب ومعهم الحريصون على أموال البلد وتبني مطالب الناس العادلة، خاصة ما أطلقته حركات الاحتجاج والتظاهرات المطلبية، من دعوات الى عدم تمرير بعض مواد مشروع قانون الموازنة، ومنها المادة ١٤ التي تعرض عمليا ممتلكات الدولة الى البيع بسعر بخس، تحت عنوان المشاركة وتنشيط القطاع الخاص. كذلك المادة ٣٨ التي تبيح بيع الأراضي الزراعية العائدة الى وزارة المالية. كما حصلت تغييرات لافتة في التخصيصات، خاصة لتلبية حاجات محافظات معينة، وزيادة تخصيصات عدد من الوزارات المهمة.

وحسنا فعل مجلس النواب في ايقاف الاقتراض الخارجي الجديد، بعد ان وصل قسط الدين الخارجي والداخلي الى اكثر من ١٠ ترليونات، وفوائده ٤٫٥ ترليون دينار.

حصل هذا وغيره، الى جانب تمرير مواد يبدو انها أعدت في عجالة ولَم تدرس جيدا، خاصة تلك الغريبة والمستغربة التي تقدم فيها الدولة ضمانات لاستثمار مشاريع عائدة لها، او قيامها هي بتوفير الضمانات لبعض المشاريع الخاصة. فإذا كانت الدولة تقوم بذلك، ولديها المال والخبرة في هذا المجال، فلماذا لا تنجزها هي؟ وهذا فِي الواقع يذكرنا بقضية جباية واردات الكهرباء، التي كلفت بها شركات خاصة موظفوها من الوزارة ذاتها. فهل يحصل هذا في بلد آخر غير عراقنا المبتلى بالفاسدين والمرتشين على اختلاف أصنافهم وعناوينهم؟

والمسألة الاخرى التي لابد من تسليط الأضواء الكاشفة عليها، هي الحسابات الختامية التي لم تقدم الى البرلمان منذ عام ٢٠١٢، تضاف اليها حقيقة ان لا احد يعرف حتى الآن كيف انفقت اعلى موازنة في تاريخ العراق سنة ٢٠١٤، تلك التي لم يقرّها مجلس النواب.

كما تتوجب الإشارة الى ان كل الموازنات السابقة التي اقرت بعجز، عدا موازنة ٢٠٠٩، ظهر في نهاية المطاف انها انتهت بفائض على المقرر فيها. وهناك ايضا موضوع احتياطي الطوارئ، الذي جاء في موازنة ٢٠١٨ انه يبلغ ١٩٢ مليار دينار، لكنه صعد في موازنة ٢٠١٩ الى ٢٠٠ مليار دينار، فكيف يُنفق هذا المبلغ؟ وهل يتسلم مجلس النواب تقارير دورية عن أوجه صرفه؟ وهل بقي منه شيء في موازنة ٢٠١٨؟

من كل ما مر وغيره، يتضح مدى الحاجة الى الشفافية في موضوع الموازنة، ووجوب معرفة وارداتها كافة، بضمنها تلك التي لا تدخل فيها، كذلك أوجه الصرف، وان يوثق هذا كله في تقارير تقدم الى مجلس النواب، الذي يفترض ان يقوم بدوره الرقابي، وليس فقط التشريعي.

على انه بعد إقرار مجلس النواب الموازنة، وهو الامر المهم والضروري، فان العبرة تكمن في وضع محتوياتها موضع التطبيق العملي والفعلي والملموس، وتلك أساسا مهمة الحكومة، التي تجعل من الموازنة احدى أدوات تنفيذ برنامجها، الذي آن اوان تقديمه الى مجلس النواب مع اقتراب نهاية الـ ١٠٠ يوم على تشكيلها غير المكتمل بعد. فالعبرة دوما في التطبيق الإيجابي، وفي تجنب التعكز على قلة الواردات للهروب الى امام، وعدم تنفيذ بعض القضايا التي أضافها او عدلها مجلس النواب، وهي تنصف شرائح وفئات اجتماعية معينة.

والأمل كل الأمل، ان تكون هذه آخر موازنة تقدم بهذه الصيغة، وهذه الآلية!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here