عراقيون من هذا الزمان 8/ شيــرزاد القاضـي

(*)

رواء الجصاني

—————————————————————

.. من تقاسيم الوجه، فضلا عن سماته الشخصية، وملامحه الاخرى، يمكن معرفة ان صاحبنا الذي تتحدث عنه هذه الحلقة الجديدة: كوردي عريق، وأعني: شيرزاد القاضي (ابو صلاح) المولود في مدينة (دهوك) العراقية ، واخر الاربعينات / اوائل الخمسينات الماضية، وهو أبن أسرة كريمة يدل اسمها عليها، وعلى مكانتها..

تعارفنا في بغداد اوائل السبعينات الماضية، في خضم العمل السياسي، والطلابي خصوصا، حين كان يدرس في كلية الزراعة، متابعا لهيئات من تنظيمات الحزب الشيوعي في تلك الفترة، وكنت متخرجا حديثا من معهد الهندسة العالي، وبقينا في صلات تنظيمية فترة من الزمن ..

ثم يتخرج شيرزاد، ويغادر أواسط السبعينات الى الفيدرالية التشيكية- السلوفاكية، والى براغ العاصمة بالذات، ليكمل تخصصه العالي في علوم الحشرات، ويستمر ناشطا سياسيا، وطلابيا، وحتى كُلف لاحقاً بمسؤولية اللجنة القيادية لمنظمة الحزب الشيوعي العراقي هناك.. ونلتقي من جديد حين تمكنت من مغادرة بغداد، لأصل براغ، أواخر ذلك العقــد السبعيني فأعنى بمهام سياسية وتنظيمية وديمقراطية متعددة..

ثم نعمل معا، مع مطلع الثمانينات، ولسنوات، في لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي العراقي، كلاً في مسؤوليات محددة، ويتحمل الرجل الى جانب التزاماته الدراسية، والتنظيمية الحزبية، مهاما طلابية ديمقراطية، واعني بها المسؤولية عن قيادة جمعية الطلبة الاكراد في اوربا، ذات الفروع والتشكيلات في بلدان عديدة، وهي عضو في اتحاد الطلاب العالمي، ومقر سكرتاريته في براغ، ولها اهداف وتوجهات تضامنية مع نضالات الشعب الكوردي الموزع في العراق وسوريا وتركيا وايران(1).

وهكذا تجمعني النشاطات مع شيرزاد في المؤتمرات والفعاليات التي ينظمها ااتحاد الطلاب العالمي، في مقره ببراغ، او في مدن وعواصم عالمية، واتذكر منها في صوفيا وبرلين وموسكو وسواها.. وقد كان الرجل حيويا في اتمام ما يتطلبه مثل ذلك التكليف، جهد المستطاع طبعا

خاصة وان البلدان الاشتراكية المعنية كانت ترعى ذلك الاتحاد ماديا ومعنويا، لها مواقف ورؤى مختلف عليها، بأبسط وصف، ولا نطيـل!…

وبعد تخرجه في الجامعة الزراعية في تشيكيا، حاصلا على الدكتوراه – ويتزوج من زميلته، المهندسة (كاميليا) وهي مواطنة سورية (2) – يستمر شيرزاد في براغ فترة من الوقت، متفرغا للعمل الحزبي والسياسي، والطلابي الديمقراطي، ثم ينتقل عام 1984 الى العاصمة السورية – دمشق، حيث مقر قيادة الخارج للحزب الشيوعي العراقي، فيكلف ويتكفل بأدارة مكتب الحزب المركزي هناك، ذي المهام المختلفة. ويترشح عام 1985 لعضوية المؤتمر الرابع للحزب الذي انعقد في كوردستان العراق، ولكنه يُستثنى من الحضور، ويُستبقى في دمشق لضرورات احترازية، ولمتابعة الامور خلال فترة انعقاد المؤتمر، وبعد انفضاضه..

ثم يحلّ عام 6198 ويُدعى وفد من قيادة اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي لزيارة ثلاثة بلدان اشتراكية حينئذ : الاتحاد السوفياتي وبولندا وبلغاريا، على التوالي. ويُكلف شيرزاد القاضي المقيم في دمشق برئاسة الوفد الذي شاركت فيه بحكم مسؤوليتي عن العلاقات الخارجية للأتحاد، ومركزها في براغ. وهكذا نلتقي من جديد في موسكو، ومنها الى وارشو بالقطار، ومنها بالطائرة الى صوفيا، في جولة دامت زهاء عشرة ايام كانت تتمحور المباحثات واللقاءات فيها، مع ممثلي قيادات الاتحادات الشبابية في تلك البلدان، حول المطالبة بالمزيد من التضامن مع طلبة وشبيبة وشعب العراق ضد الحرب مع ايران، والنظام الدكتاتوري البعثي، ومن اجل السلم والديمقراطية في العراق. وقد جَهد وفدنا ما استطاع الى ذلك سبيلا، ولكن النتائج لها تفاصيل عديدة… وما عليّنا بها هنا !.

وتفترق مجددا ويعود شيرزاد الى دمشق مواصلا مهامه وتكليفاته السياسية وغيرها، ونلتقي هناك بين آنٍ وآخـر، وحتى يعود من جديد بعد نحو عام ونصف الى براغ مكلفاً بمسؤوليات في لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي العراقي، ونستمر في علاقاتنا السياسية والحزبية، فضلا عن الاجتماعية والصداقية، فترة جديدة. ثم تتغير التوجهات والاوضاع والسياسات، وفي ضوئها تتغير الاماكن والمواقع والمهام !.

وفي اوائل القرن الالفي الجديد، الحالي، نلتقي مرة اخرى في براغ التي قدم شيرزاد اليها هذه المرة إعلامياً في اذاعة اوربا الحرة- صوت العراق الحر، حتى عام 2004 ويتركها الى واشنطن حيث مقر تلك الاذاعة المركزي وتلفزيونها، ومنها الى اربيل في مهمة اعلامية جديدة

وهي ادارة تلفزيون (المدى) هناك (3). وبعد فترة من الوقت يعود ليستقر في كندا التي كان قد حصل فيها على حق اللجوء مع عائلته.

لقد تنقل شيرزاد في عواصم ومغتربات عديدة، مثله مثل العشرات من العراقيين الذين ناضلوا في صفوف حزبهم الشيوعي، او التنظيمات السياسية المعارضة الاخرى، وقدموا ما استطاعوا بحسب قدراتهم، والظروف التي أحاطت بهم، تاركين فرصاً ومجالات اجمل وأرحب، لو أرادوا.. ولكن تلكم هي الحياة، كثير من شؤونها وشجونها تعتمد على المرء وقناعاته ومفاهيمه، وعلى الظروف الموضوعية المحيطة، وتداعياتها، ويبقى التاريخ هو الفيصل الأخيــر..

لقد جمعتني مع شيرزاد فترات، بل وسنوات مديدة، عرفت الرجل خلالها مثابرا، جهودا في تبني قناعته التي قد يُتفق أو يُختلف عليها، وتلكم حال تشمل جميع المعنيين بالتصدى للشأن العام.. كما انه كان ساعيا ايضا للحفاظ على علاقاته وارتباطاته الاجتماعية بأحتساب ذلك سمة انسانية مهمة، بل ضرورية لمن يفهم تأثيراتها وتداعياتها – الايجابية طبعا- في نواحي الحياة المختلفة، وثمة اجماع على ذلك بحسب ظني، وكما علمتنا التجاريب ..

———————————————— بــراغ / أواخر كانون الثاني 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، وجميعها كتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل..

1/ انشطرت وأختلفت قيادات وهيئات الجمعية وفروعها، مرات عديدة بسبب مواقف الاحزاب المعنية، الرئيسية بشكل خاص، وبحسب أولوياتها ومواقفها، ورؤاها واساليب عملها..

2/ ولهما ولدان: صلاح وسمكــو.

3/ صدر لشيرزاد القاضي مؤلف يحمل عنوان (الاعلام .. قيم ومبادئ) عن دار المدى، الذي قدمته في الدورة العاشرة لمعرضها الدولي للكتاب، في اربيل، عام 2015.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here