الاعمال تحسب لفاعليها

د. حامد السهيل

عندم نقرأ فى كتب التاريخ او نتجول فى المدن, فى الشرق او الغرب نجد منجزات ومعالم حضارية قديمة مازالت تعبر عن حضور الشخصيات الذين فكروا بها وعملوا على انجازها, انها بصماتهم الشخصية وكأنهم ما زالوا حاضرين. كان البعض منهم خلفاء , سلاطين , قادة سياسيين مفكرين ومبدعين, كل وفق انجازة وسيرته, يذكرون بطيب خاطر , شكرا واعجابا وتقديرا, واخرون بعد عدة قرون مازال تلاحقهم غضب شعوبهم ولعناتهم الدائمه. الاتحاد الاوربى, هذا التكوين السياسى الاقتصادى العملاق الذى يظم ,عدا بريطانيا 27 دولة كانت بدايته متواضعة جدا:كانت فكرة وزير خارجية فرسا فى تكوين سوق مشتركة للحديد والفولاذ, ويتفق الجنرال ديغول والمستشار المانيا الغربية اديناور ويوقعون اتفاقية السوق المشتركة مع ايطاليا, هولندة, بلجيكا واللوكسمبورغ عام 1951. لقد فتح هذا الاتفاق, خاصة بين فرنساا والمانيا علاقات سلام وصداقة وتعاون مشترك تجاوزت العداوات وروح الانتقام التى قد جذرتها الحروب بينهما.

جنرال ديغول تولى قيادة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الالمانى النازى ويحسب له تحديث فرنسا وتطورها التكنولوجى ومكانتها كدولة كبرى بعد الحرب العالمية الثانية, انه احد كبار اولاد فرنسا الابرار. ويحسب للمستشار كونراد اديناور ادراكه السريع للاوضاع والقوى السياسية بالتفاعل معها وانظمامه للغرب الصاعد, امريكا والصهيونية العالمية وبذلك تمهيد الطريق لمسيرة تطور اقتصادى / اجتماعى وعلمى ما زالت معالمه بارزة وفاعلة لحد الان.

ان الشواهد الحضارية فى المدن المليونية, باريس ,لندن, واشنطن, موسكو…. الخ جاءت بمبادرات شخصية من قادة سياسين , فنانين ومبدعين فى تقديم الفكرة او تبنى فكرة لاخرين وبذل جهود مضنية لتحقيقها. كان الرؤساء الفرنسيون, ميتران , جيسكار ديستان …حريصين على تنفيذ صرح حضارى يرتبط بهم ويحمل اسمائهم. هذا يشمل ايضا الكنائس والكتدراليات التى قامت بتشيدها الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية. ان ميترو موسكو , الكتدراليات( الباسيلكوس) وسانتبترسبرغ بروسبكت …الخ والغولدن غيت , جسر بروكلين وناطحات السحاب فى نيويورك …الخ, وكذلك بالنسبة للندن وبرلين …الخ. كل ذلك تعبير عن معالم وشواهد حضارية كبيره تبلورت عن افكار ابداعية و جهود فردية وجماعية مخلصة وضعت نفسها فى خدمة البلد واهله.

فى عراقنا العزيز لنا ايضا معالم حضارية نعتز بها وتعبير عن فترة تاريخية عاشها العراق وشعبة, كثر الكلام عن بابل واشور وو..الخ عن عظمة هذه الحضارات وكذلك عن

هارون الرشيد والمامون ونهضة الترجمة والعلم التى تطورت فى بلاد الرافدين, وحتى مرحلة الحكم الملكى 1921-1958 كانت لها شواهدها الحضارية, مع الاستعمار البريطانى ومصالحة تمت اولى الخطوات نحو الحداثة بكل تجلياتها: ان القيادة العراقية انذاك كانت واعية لقدراتها وامكانياتها المتواضعة ان تحصل على اكبر قد ممكن من التطور والسير قدما بالعراق فى اطار مصالح الاستعمار البريطانى ومخططاته, وكانت النتيجة مقبولة بكل المقاييس, فقد كان العراق اكثر الدول تقدما فى الشرق الاوسط: نظام تربية وتعليم قوى فاعل,وعلاج مجانى, اول دول يدخله التلفزيون, وكذلك العلاج بالنووى, المشاريع الستراتيجية لمجلس الاعمار ونهضة فكرية كبيرة, ريادة الشعراء العراقيين للشعر الحديث, نازك الملائكة, البياتى, بلند الحيدرى وبدر شاكر السياب, وكذلك نهضة ادبية ونهضة فى الفنون التشكيلية الاكثر تقدما بالنسبة لللاقطار العربية, هذا بالاضافة الى نهضة معمارية طموحة ما زالت معالمها قائمة فى شارع الجمهوريه, الجامعة المستنصرية والعديد من البيوت والقصور الخاصة. ان اهمية المرحلة قد انعكست لدى المواطنين الرغبة والطموح الكبير فى تحصيل العلم والتعلم والتقدم والعمل والابداع الذى بلورة شعورا وطنيا وهوية عراقية.

ان السنوات القليلة من عمر ثورة تموز 1958 كانت حافلة بمنجزات حضارية ذو ابعاد مؤثرة, قانون الاصلاح الزراعى, قانون الاحوال المدنيه وحماية المراة’ العراقية, قانون رقم 80 حول النفط , هذا بالاضافة الى بناء 2234 مدرسة, مشاريع اسكانية كبيرة, مدينة الثورة الشعلة وفى كل المدن العراقية, 23 مستشفى, بالاضافة الى منشأة زراعية وصناعية, كل هذا تم خلال 4سنوات و6 اشهر التى تبلورت فيها كفاءة عالية للمهندسين, الاطباء, الفنيين والعمال العراقيين. ما زال العراقيون يحتفظون بصورة مشرقة مشرفة للزعيم عبد الكريم قاسم وينسجون عنه قصصا وذكريات ترفعة الى مستوى المصلحين والقادة الكبار الذين نذروا انفسهم لخدمة الشعب والوطن.

ان نخبة المحاصصة التى استلمت الحكم منذ 2003 لها منجزاته الكبيرة ايضا!!, فهى لم تضنى نفسها وتقوم بتطوير المدن والمرافق العامة وانما عاشت ولا زالت على ما كان متوفرا من البنية التحتية التى كانت قد تجاوزت عمرها الوظيفى اصلا, ومع تجربة السنين بات واضحا بعدم توفر النية ناهيك عن الارادة فى الاصلاح والتجديد, ومع ذلك يدعون بانهم قد بنوا العراق؟. كيف يمكن ان يكون البناء من دون بناء مدارس, مستشفيات, دور للسكن, مجارى وصرف صحى, ماء صالح للشرب, ابنية عصرية لمؤسسات الدولة, شوارع وجسور لتسليك حركة المرور…الخ ان الالاف المشاريع قد احيلت الى التنقيذ وصرفت الاموال المرصودة لها, ولكنها لم تنجز, الا انها وكانت الطريقة المثلى لاستحواذ النخبة على المال العام. ماذا يعنى صرف 50 مليار على مشاريع الكهرباء وما زالت الكهرباء احد المشاكل الكبرى للسكان. ان هذه النخبة , شيعة وسنة واكراد لايقتصر

انجازها ونجاحها على سرقة المال المال العام وانما على الافساد المتعمد لبنية المجتمع اجتماعيا,اقتصاديا وثقافيا: هلامية الدولة الى لا تقوى على العمل ولا ترغب فية, علاقة المواطنين ومصالحهم بدوائر الدولة اصبحت علاقة احتيال ورشاوى وفرض ضرائب واصبحت الدولة مجموعات متنوعة من المافيات.

ان اعضاء النخبة لهم اسمائهم ومسمياتهم التى ترتبط بالخيانات والاحتيالات التى قاموا بها,ان اول وزارة اقترنت بفضيحة السلاح البولونى السكراب وحصل الوزير على اكثر من مليار دولار وهو منذ سنين هارب ويعيش خارج العراق. الدكتور. الشهرستانى فارس تراخيص حقول النفط, المجحفة بحق العراق ومحترف الكذب الذى وعد العراقيين بتصدير الكهرباء عام 2014 ما زال منفتحا لاى حقيبة وزارية تدر ربحا وافيا اما “ناسك حزب الدعوة” وزير التجارة الذى يعيش حاليا فى لندن لا تقل ملكيته عن مليار دولار. ان الحديث عن المالكى طويل فهورائد ومؤسسنظام الفساد المالى والادارى وتقدر قيمة احتيالته بـ17 مليار دولار, دون ان نذكر ثروة ابنه المغوار الذى يتجول سارحا مارحا فى عواصم العالم. وهنا ايضا بطل تراخيص التليفون النقال الذى كانت عمولته اكثر من مليار دولار. ان السيد الحكيم الابن, صاحب امارة الجادرية فهو شركة متعددة الجنسيات, نشيط فى حقل النفط بارباحة اللامحدوده, مقاول واستثمارى فى حقول متعددة ه, النقل الجوى والعقارات والتجاره. الحديث عن السيد رئيس الوزراء الحالى ذو شجون والم يعرف “عادل زويه”, سرقة مصرف الزوية من قبل حمايته, كان نائب رئيس الجمهوريه, واستقال من منصبه ولكنه يتقاضى راتبا قدره مليون دولار. عندما كان وزيرا للنفط كان فاعلا بشكل خاص: الازمة الدائمة بين بغداد والاقليم حول النفط استطاع حلها بسرعة فائقة وبشكل شخصى, وافق على مطاليب الاكراد على وعد تسليم 250 الف برميل من حقول الشمال لشركة سومو الحكومية, طبعا الاكراد لم ينفذوا وعدهم, ولماذا يجب ان يلتزموا بالوعود, هم ايضا من نفس المعدن ويرتبطوا بعلاقات خاصة مع كل النخبة الشيعية والسنية ويعرفوا خفايا بعضهم. ان زيادة حصة الاقليم الى 20% من الميزانية اصبح فى ظل العلاقات المصلحية ذات الطابع الشخصى والجبهوى خاصة برئاسة السيد عبدالمهدى تحصيل حاصل. ان هذه النخبة , الشيعة ,بالعمائم والافندية, السنة بالبدو والحضر,الاكراد , محترفى التهريب والضالعين فى تدمير العراق, لم يقدموا لشعبهم شيئا, ان حصة الاقليم من الميزانية ملكا شخصيا للبرازانيين وبعض المقربين. انهم جميعا سوف ينتهون وسوف لا تكفى التنازلات التى مستعدين لتقديمها من اجل الاستمرار فى الحكم العراقى, ولكن الشعب والعراق سوف يذكرهم كسراق ومحتالين ومحترفى الكذب والوعود . ان مسيرتهم لم تخلف ورائها ما هو انسانى وحضارى لحد الان, وسوف يلعنهم ابناء العراق دائما

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here