التفاخر المتواضع.. أسوأ من التبجح وأقبح من الغرور

يخرج علينا الممثل المشهور الذي يعرفه كل شخص على هذا الكوكب والذي يجني الملايين قبل أن يقول صباح الخير بإعتراف يجعلنا نشعر بالحزن من أجله، فهو لا يرتاح لكل الشهرة المحيطة به.. ويا لتلك الممثلة المسكينة التي تؤكد لنا بأن واقع انها جميلة بشكل خرافي يجعلها تشعر بالإرتباك وعدم الراحة. 

بطبيعة الحال لا أحد من «عامة الشعب» سيشعر بأي تعاطف معهما في هذه النقطة بالذات.. فما السبب الذي قد يجعلهم يقولون هكذا أمور تكون ردة الفعل عليها «سلبية»؟
حسناً الأمر بسيط اذ انه محاولة لإظهار التواضع الشديد وإنما بشكل مؤطر بالتبجح.

المقاربة هذه تسمى التفاخر المتواضع وهي تقع في مكان وسطي بين التباهي وبين الشكوى. فمن خلال التباهي يحصل الشخص على المديح ومن خلال التشكي يحصل على تعاطف الاخرين. أي أنها تضرب عصفورين بحجر واحد وتشبع حاجتين أساسيتين نفسيتين للبشر.. الحصول على المديح وتعاطف الاخرين.

ما هو التفاخر المتواضع ؟ 

التفاخر المتواضع كما سبق وذكرنا هو الرغبة بالحصول على المديح والتعاطف في الوقت عينه من خلال الترويج للنفس بطريقة إيجابية. هي تنطلق من رغبة كل البشر بجعل الاخرين يعجبون بهم ويتعاطفون معهم. هذه الالية هي مقاربة غير مباشرة سواء في التصرفات أو في الكلام.

لتوضيح الفكرة سنعرض عليكم بعض الامثلة.. شخص تم قبوله في جامعة عريقة يقرر الكتابة عن الامر على مواقع التواصل « ما زلت لا اعرف كيف تم قبولي في جامعة هارفرد؟ هل يمكن لأحد إجابتي عن هذا التساؤل.. أمر غريب فعلاً!».

المثال أعلاه يظهر التبجح بأنه تم قبوله في هارفرد ولكنه يحاول أن يظهر تواضعه من خلال إدعاء عدم معرفة السبب وبذلك سيحصل على ردود تتنوع بين تأكيد ذكائه أو الإستغراب من واقع انه يظن بانه لا يستحق هكذا جامعة.

مثال آخر لعلنا نصادفه في حياتنا يومياً شخص وسيم للغاية أو يرتدي ملابس انيقة للغاية ومع ذلك ما ينفك يردد «أشعر بأنني قبيح اليوم/ ملابس اليوم كارثية».. وبالتالي لن يحصل على المديح بل على تعاطف الاخرين لان هذا الوسيم المسكين لا يدرك ما يملكه وبأنه لعله يعاني من مشكلة في الثقة بنفسه.

هل هو نافع ؟ 

كلا بالتأكيد هو غير نافع، لا مع المشاهير حين يقومون بذلك مع جمهورهم ولا مع الأشخاص في حياتهم اليوم. تأثيرها هو العكس تماماً فهو يجعل الشخص الذي يعتمد هذا الأسلوب يبدو منافقاً. ولتأكيد هكذا نتيجة قام عالمين من جامعة هارفرد بدراسة تأثير التفاخر المتواضع وكانت النتائج انها مقاربة فاشلة تضر ولا تنفع بأي شكل من الاشكال.

المحيط يكره أي شخص يعتمد التفاخر المتواضع لانه يكشف لهم بأنه غير صادق وغير شفاف على الإطلاق. الصدق والشفافية هامان جداً للعلاقة بين البشر لانهما من المعايير الأساسية للتقييم الإجتماعي وحتى أنهما جزء أساسي من تحديد هويات الآخرين.. فنحن نصنف الاخرين تحت صفتين عريضيتين .. صادق ومنافق، الاول نريد التعامل معه والثاني نتجنبه.

المشكلة مع التفاخر المتواضع هي انها تأتي «بجزئين» الثاني يمكن للشخص الإفلات به من دون إثارة مشاعر سلبية عند الاخرين ومن المفترض، من الناحية النظرية، انه يخفف من حدة تأثير التفاخر السلبي، ولكن في الواقع البشر يسمعون التفاخر فقط ولا يكترثون لاي شيء آخر متعلق به.

لا اهمية إن كان التفاخر المتواضع قد تم بطريقة مبطنة أو بشكل واضح ومباشر، النتيجة معدومة والتأثير سلبي. في الواقع التفاخر المباشر بشكله العادي الذي قد نصنفه احياناً كتعجرف أكثر فعالية من التفاخر المتواضع.

بالعودة الى دراسة هارفرد فقد تم درس الالية هذه من التفاخر على مواقع التواصل، لانها الاكثر إنتشاراً هناك. وتبين بأن تجاوب الناس معها قائم على إنتقاد وإحتقار من يقوم بها. وفق الدراسة التفاخر المتواضع هو أسوأ من النرجسية الصريحة لانها تظهر خصال كريهة غير واضحة ناهيك عن أنها تجعله يبدو ساذجاً.

إن كان منفراً لهذه الدرجة .. لماذا يلجأون اليه ؟ 

البشر يتباهون، أو يتواضعون لانهم بحاجة لأن يشعروا بأن لهم قيمة ولانهم يريدون أن يظهروا للاخرين بانهم حققوا النجاح وبالتالي إثارة إعجابهم والحصول على مديحهم. الكل يقوم بذلك في مرحلة ما، فسواء كان الحديث عن إنجازات أولادهم أو عن سيارتهم الجديدة أو عن مديح حصلوا عليه من مديرهم، وهذا أمر طبيعي فالحديث عن الذات يمنح البشر نفس المتعة التي يحصلون عليها من الطعام أو الجنس.

ولكن بما أن المديح والتباهي سيف ذو حدين وبما اننا كبشر نكترث للانطباع الذي نتركه عند الاخرين تم العثور على هذه الطريقة الملتوية باعتبار انها منطقة محايدة.

المنطقة المحايدة المفترضة هذه هدفها هو الترويج للنفس بشكل إيجابي وعليه حين يقرر أي شخص كتابة تفاخراً متواضعاً أو قوله وجهاً لوجه للاخرين هو يأمل بأن الاخر سيلمس التواضع لا التفاخر .. ولكن النتيجة هي العكس تماماً في كل مرة، فالاخر لا يلمس سوى التفاخر والتواضع المفترض يتحول الى نفاق.

الخلاصة هي إن كنت تريد ان تروج لنفسك وإن كنت من النوع الذي يحتاج للحصول على المديح من الاخرين اعتمد التباهي الصريح، فهو ورغم كونه منفر لكنه على الاقل لا يجعلك تبدو منافقاً وساذجاً.

مجلة الرجل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here