إغلاق مقرّات الفصائل في بغداد: استهداف لمعارضي توسع نفوذ إيران

بغداد ــ زيد سالم
15 فبراير 2019

أغلقت فصائل “الحشد الشعبي” في العراق، أكثر من 15 مقراً عسكرياً في بغداد، خلال أيام الأسبوع الماضي، بحجة أنها “وهمية وتمارس أفعالاً لا تمت للحشد بصلة”. مع العلم أن قادة ومسؤولي هذه المكاتب كانوا، خلال المعارك التي قادها العراق ضد تنظيم “داعش”، مقرّبين من الحكومة العراقية، وتدعمهم بالمال والسلاح، ومنهم زعيم حركة “قوات أبو الفضل العباس” أوس الخفاجي، إضافةً إلى علي الصكري، المقرّب من رئيس حزب “الدعوة” نوري المالكي.

وأغلقت قوة خاصة، يطلق عليها “أمن الحشد”، المقرّات، عبر سلسلة مداهمات نفّذتها في أحياء الكرادة والمنصور والباب الشرقي والعرصات في بغداد، بين يوم السبت ويوم الأربعاء الماضي، فيما صادرت معدات وسجلات وأسلحة في المقرات، واعتقلت من لم يمتثل لأوامر الإغلاق. الأمر الذي فسّره مراقبون، بأنه محاولة لتنظيف “الحشد الشعبي” من المبتزين واللصوص، إلا أن شخصيات سياسية أخرى رأت أن التنظيف هدفه التخلص من غير المسايرين للخط الإيراني في العراق بشكل مطلق.

وأثار اعتقال أوس الخفاجي، جدلاً شعبياً واسعاً، كونه على علاقة جيدة بالقائد الميداني لقوات “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، المقرّب من طهران، فضلاً عن كون قواته مسجلة ضمن عديد الحشد، لكنه انقلب على “الهيئة” واتهم قادتها، في غير مرة، عبر سلسلة لقاءات تلفزيونية، بالتبعية لطهران ومعاونة الجنرالات الإيرانيين في تقوية نفوذهم في البلاد. وقال الخفاجي، في آخر حديث متلفز ظهر فيه، إن “قادة وسياسيين عراقيين يسعون إلى جعل العراق إيرانياً، ويمدحون الدور العسكري لإيران في محاربة العراق، وكأن العراقيين غير قادرين على مواجهة داعش. مع العلم أن إيران لا تطلب منهم أن يدافعوا عنها بهذه الطريقة أصلاً”. ولم تمض ساعات حتى اعتُقل بعد هذا التعليق.

الخفاجي قد يكون مستهدفاً فعلاً من قادة الحشد، لا سيما وأنه قد أكد أيضاً، عبر تصريحات عدة، أن “الحشد يحاصره إعلامياً”، وما يبعث القلق لدى عناصر قواته العسكرية وعشيرته، آل خفاجة، التي رفضت أمر الاعتقال، أن مكان اعتقاله ما يزال مجهولاً، برغم مرور نحو أسبوع كامل على اعتقاله، إضافةً إلى مفاصل التحقيق التي أشارت إليه مصادر تداولتها وكالات إخبارية محلية في العراق. أما الأهم، فقد تجاهل البيان الرسمي الأول الذي صدر عن “الحشد الشعبي” بخصوص إغلاق مقرات “أبو الفضل العباس” اعتقال أوس الخفاجي. والأمر نفسه ينطبق على المؤسسات الإعلامية للأحزاب الشيعية والقنوات التابعة لفصائل الحشد.

أما علي الصكري، فهو أقل نفوذاً وشهرة من الخفاجي، فقد شارك مع قوات قليلة جداً، لا يصل عديدها إلى المئات، تحت عنوان قوات “الانتفاضة الشعبانية”، ويملك مقريّن اثنين، في منطقة البتاوين وسط العاصمة. وادّعت هيئة “الحشد” أن “الصكري لا علاقة له بالحشد”، كما عرضت، عبر موقعها الرسمي، صوراً تفيد بالعثور على مشروبات كحولية داخل المقريّن. ولم تسلم هذه الواقعة من تعليقات العراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقام ناشطون بإعادة رفع ونشر صور للصكري، مع شخصيات عدة، أبرزهم نوري المالكي وأحمد الأسدي وهادي العامري وقيس الخزعلي وعمار الحكيم وموفق الربيعي ووزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي، في دلالة على عمق علاقات الصكري مع الوسطين السياسي والعسكري، بحسب الناشطين.

وقال مصدر من هيئة “الحشد الشعبي”، إن “قادة الحشد، وتحديداً فالح الفياض وأبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي، يريدون تنقية المديرية (الحشد الشعبي)، والتخلص من العناصر المسيئة للحشد التي تعمل على إشاعة السلاح وابتزاز التجار للحصول على مبالغ مالية، فضلاً عن منع الإتاوات واستمرار حالات الخطف الذي تمارسه”. وأضاف لـ”العربي الجديد”، أن “مكان اعتقال الخفاجي لا يعرفه إلا القلة القليلة من القادة، وقد يعرفه أبو مهدي المهندس وحده، ولكن نسمع عن أن تحقيقات معقدة تجرى معه حالياً، وهناك من تحدّث عن تعذيبه، وآخرون قالوا إن قوة من خارج الحشد (في إشارة إلى محققين إيرانيين) تحقق معه. ونحن نراقب الغضب الشعبي من مسألة اعتقال الخفاجي، ولكن القادة والمديريات في هيئة الحشد غير مكترثة لردود الأفعال هذه”.

من جهته، ذكر عضو في ائتلاف “النصر”، بقيادة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، أن “الحشد الشعبي يعمل حالياً على خطة ذكية وخبيثة، فهو ينظف نفسه من الفضائيين والعناصر غير المهمة والتي تستشكل على نزاهتها جهات سياسية وشعبية، وفي الوقت نفسه يضرب المناهضين لإيران وتدخلات قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في شؤون العراق”. وأضاف، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “قادة الحشد يضربون حالياً عشرات العصافير بحجر واحد، ولعل اعتقال أوس الخفاجي، بعد ساعات من تصريحاته المعارضة لتوسّع طهران في بغداد، هو دليل كافٍ، ولا يحتاج إلى تفسيرات صعبة. وسيتكرر الأمر مع مقرات وقادة الفصائل المرتبة بالعتبات المقدسة، مثل فرقة العباس القتالية والإمام علي، لأنهم يرفضون أيضاً التدخلات الإيرانية، لكنهم مع ذلك لن يتمكنوا من الوصول إلى سرايا السلام، قوات مقتدى الصدر، لخطورتهم وتسليحهم”.

بدوره، أشار الباحث في شؤون الجماعات المسلحة علي الجنابي، إلى أن “الخلافات فيما بين الفصائل المسلحة المنضوية مع الحشد الشعبي، لا تتعلق بالتمويل والأسلحة والنفوذ السياسي، إنما بالتوجهات العقائدية والتقليد الديني، وهناك أكثر من مرجع ديني يتبعه قادة فصائل الحشد، مثل علي السيستاني وعلي خامنئي ومحمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر وكاظم الحائري ومحمد اليعقوبي”. وأوضح، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الخلاف العقائدي من أبرز أسباب الخلاف. وكما هو معروف أن المرجعية الدينية لأوس الخفاجي هي آل الصدر، وهي على علاقة متوترة من مراجع إيران. ونلاحظ حالياً خلافا داخل حزب الدعوة، أعتق أحزاب الشيعة، فمنهم من يعود إلى مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي مثل نوري المالكي، وجناح آخر مع السيستاني مثل حيدر العبادي، وهذه الخلافات العقائدية وبمناهج التقليد قادت وستقود مستقبلاً إلى صدامات خطيرة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here