الحقيقة الغائبة عن الجماهير…؟

د.عبد الجبار العبيدي

————————————————

بلا مقدمات .. كنت أعتقد سيقف قادة التيار الصدري بزعيمهم اليوم ليؤازروا ويؤيدوا اعتصام المعتصمين من كوادر المعلمين،لأنهم يودون ان يسمعوا ما يحبون ،لأن النفس تأنس لما تهواه،وتتعلق بما استقرت علية،ويصعب عليها ان تستوعب غير ما تعتقد ،حتى لو تبينت في خطواتها الباطل،او توسمت انها الحقيقة. ان اسوأ من هذا الموقف الرافض للحقيقة هو سبق الاصرار على الموقف الشجاع الذي وقفوه في لحظة الامل يوم أحتلوا مجلس النواب المزيف وأبكوهم على القنفة..والأمل كلمة ، والكلمة موقف وعقيدة وأيمان ،فبالكلمة كانت الانبياء والصديقين يؤدون رسالاتهم.لكن يبدو ان الكلمة عند الرجال وليست عند اشباه الرجال ، والرجال معادن ،والفعل دوماً دليل الاصل ،فهل معقولا ان يتخلى الصدر عن الأصل ..؟ .

غدا سأمزق من مكتبتي احسن كتابين ملكتهما في حياتي هما ( اقتصادنا وفلسفتنا للمرحوم محمد باقر الصدر) اللذين تعلمت منهما الكثير في المواقف لا العلم،رغم كونهما لا يمتان للفلسفة والاقتصاد من قريب او بعيد حسب نظريات الفلسفة والاقتصاد الحديثة،لكن يبدو ان المؤلف ما اختار لهما هذا الاسم الا لأعتقاده بخليفة يأتي من بعده و من معدنه ليدخل عليهما الجديد ، وما درى انه اختار لهما أمينا لا علاقة له بعلمي الفلسفة والاقتصاد ، فاصبحا من وجهة نظري لا قيمة لهما عندي فقررت التخلص منهما بأسف شديد.

هذا هو حديث الزمن اليوم ، لا أزعم اني متخصص فيه،او فارس في ميدانه،لكنني ازعم انني قارىء له في أناة ، محلل له بصبرموثق في دقة ، ناقذ له في منطق. فقد عشقت الوطن ، وكرهت الخيانة ، مهما كان لونها، لأن الخيانة أقبح ما يتحلى بها الأنسان . ليس من اجلي ، ولكن من اجل المبادىء التي آمنت بها، وقلة من الرجال الذين يؤمنون بها ويضحون من أجلها، لذا من واجبي ان أنبه الجيل العراقي الجديد ،ان قادتها خانت الأمانة ،وخانت المبادئ ، وخانت الوطن ،وحنثت اليمين ،وهي أكثرهما أيلاما في الضمير.

ولكن بقدر ما أفزعنا موقف خونة التاريخ والوطن اليوم في مجلس النواب برئيسه الذي حنث اليمين ،قدر ما دفعنا المجتمع البائس المحروم الى الامام والمستقبل نستمد منه القوة لرفضه لباطلهم.هذا حديث سياسة وفكر وليس حديث دين وأيمان وعقيدة ، وحديث اسلام لا حديث مسلمين ، وقبل هذا وذاك هو حديث قارىء يقرأ لحدث بتمعن وبعمق المسئولية والقدر،ولا يعود الى أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الماضي حين زيف الاسلام واستبدلت المبادىء بقوانين الباطل،فاصبح عمرو بن العاص أفضل من علي بن ابي طالب (ع).

حديث قد يُخطأ عن غير قصد ،وقد يُصيب عن عمد، انه باب العقل الذي اهملناه واستبدلناه بدين خلقته المذاهب الباطلة وسمته اسلام،كما رأيناه اليوم في مجلس نواب العراق المزيف باسم الدين ومرجعياته الباطلة ،وما دام الدين يستخدم للباطل ولتحقيق المآرب الباطلة ،فلا مانع ان مفكرا يفكر في الابتعاد عنه والاقتراب من العقل..واذا قرأنا التاريخ فليس فيه أبلغ من حجة،ومن واقع فيه سند،ومن الاحداث فيها دليل .نعم ينكرون علينا فهم الاسلام وحججه ، ونحن ننكر عليهم مصادرهم الوهمية التي بها يتمسكون،فهل بقي لتاريخ الاسلام من شيىء عندهم؟ وهل بقيت لهم من حجة او دليل فيه..لا ابدا ليس لمنطقهم من سند او اصل ،او ثوثيق.هؤلاء الذين قدموا العاطفة على العقل حتى أصبحت الدببة تقتل أصحابها…! ونحن نقول : يستطيع الأتقياء ان ينقذوا المدنية الحديثة، وان يكتشفوا المعايب التي تخدش قدرها ليصلوا بها الى ساحل النجاة ان هم صدقوا..؟

حديث اليوم اكتبه ،واضحا كل الوضوح،صريحا كل الصراحة،والوضوح والصراحة اليوم عند المسلمين أستثناءً.فأقول لقد أوهمونا حتى في الامثال كما يقولون ( في سد باب الذرائع )،فما بالك اليوم ونحن نواجه اعصار التكفير،واعصار الخيانة

2

،واعصار الخذلان والركوع على ايدي الاعداء …ليس لديهم سوى قولهم انك مُشكك ،وواجهتك قلوب عليها أقفالها،وعقول نخرة استراحت لأجتهاد السلف،وأوجدت ان الرجم لقتل النفس الانسانية أهون عليها من اعمال العقل بالبحث والتنقيب.

هاهم قادة العراق اليوم الذين لا يؤمنون بدين ، ولا بأخلاق ، بل بشعارات تنطلي على البسطاء ،فيسيرونهم من البصرة الى كربلاء ليلطموا الخدود ،جياعا عرايا ،ويتبعون في سبيلها من يدعون به الى الورع والتضحية والمظلومية بأسم الحسين (ع) المظلوم وهم يَظلمون،ويتعسفون في التفسير،لكي ينفسح المجال امامهم لمنصب السلطة ، ومقعد السلطان، ليخوضوا في دماء اخوانهم في الدين مرة أخرى ،او يُكونوا معبرهم فوق اشلاء صادقة الأيمان.لقد أصبحنا نغلف الوحي بأهوائنا حتى ضاع بريقه عنا،واستطيع وبكل ثقة ان أقول: ان ما يطرحوه من دين بيننا،ليس هو ما أنزله الله في كتابه،ولا ما قدم رسوله من أسوة،ان ما ترونه هو عوج أمة نسيت مالديها ومضت مع هواها،وليقولوا عليَ ما يقولون صدى هذه الصيحة من الاخرين..

رأيت هذا الذي اكتبه اليوم في مجلس النواب العراقي حين وقف رئيس المجلس ( الناكر لجميل الوطن عليه ) يدافع عن الحقيقة الغائبة عن الناس،وكان عليه ان يقبل الاجتهاد،واقصد اجتهاد الفكر والعقل بحثاً عن الحقيقة الغائبة ،الحقيقة الغائبة عند الرئاسات الثلاث المخترقة للدستور في المادة 18 رابعا،والحقيقة الخائبة المقصودة عن السيد مقتدى الصدر حين اوهم الجماهير بالحق وهو اول من تنكر لهم حين راح هناك في بيروت يجتمع مع قاسم سليماني العدو اللدود للوطن العراقي ليقرر المصير..؟هذه منقصة بحقه وبحق العراقيين الذين رافقوه او اشتركوا معه في تقرير مصير الكابينة الوزارية..وكأن العراق ماتت رجاله ولا فيه من يشغل وزارة الداخلية الا الفياض العميل الايراني المعروف.

رأيت بأم عيني زمرة الخيانة التي تبرر اعمالها بمجلس مزيف جاء بالتزويروالمقسم الانتخابي والتعيين والتبديل وحلف اليمين المزيف يحمونه بمليشياتهم وكلابهم البوليسية ،وانا مؤمن واقسم ان الكلاب البوليسة كانت اكثر منهم أمانة ووفاءً لأصحابها .، هؤلاء الذين بالانتخابات المزورة يؤمنون و يوقنون، وبها سرقوا اموال الدولة،واليوم امريكا تعترف كيف آل المالكي سرقوا ولا زالوا يسرقون وبها قتلوا أبناء الشعب ، وبها سجنوا المظاليم من الناس وغيبوهم،وبها باعوا اراضي الدولة لهم وللاخرين بأبخس الأثمان ،وبها باعوا الحدود والنفط بالباطل محتجين بالسلطة والبند السابع المزيف، وبها ادخلوا الدواعش لتحتل ارض العراقيين ، وتهجر العر اقيين وتنتهك حرماتهم وهي شهود عليها وعليهم،وبدلا من ان يعتذروا للشعب لا زالوا مصرين على التخريب ،لكن من قال آخذناها وبعد ما ننطيها لا عتب عليه امام الشعب والقانون.. لكن العتب ليس عليهم ولكن على من ارتدى العمامة تزيُفا امام الله والجماهير،ووثقنا به وأيدناه واليوم نحن من النادمين . ان أنكار الحقائق امام الشعب ضرب من السَفه والأيغال في الأوهام لا خير فيه،فكيف سيواجهون الله غدا الضمير والمصير ؟ .

لم تعد الشريعة الاسلامية توقنني بها بعد ان اصبحت وسيلة لربط مفهومين مختلفين ، الدين والدولة ،حتى اصبحتُ على قناعة بأنهما وجهان لعملة واحدة هي عقيدتهم ودولتهم التي عاشت وتعيش بلا عقيدية ولا قيم ولا أخلاق .

علينا ان نناقش ساحة الحقيقة لدولتهم الاسلامية واحزابهم الاسلامية المزيفة ، وهي ساحة السياسة والدين معاً ،ولا ندري اين منهجهم في الدين والسياسة بعد ان غابوا عن الحق والدين ؟ .

بصراحة بعد ان شاهدت اليوم مجريات عقد جلسة مجلس النواب المزيفة لم يعد في رأي وعقلي ان هناك اسلاما يعتقدون به هؤلاء المستهترون بالله والقيم والانسان ،ولا بعقيدة يطبقونها فيه ،ولا بشعب يؤمنون بحقوقه عندهم فيه بعد ان شرعوا قوانين التفرقة بين المواطنين كقانون رفحاء الاجرامي وقوانين الجهاديين وقوانين التقاعد والمنافع والامتيازات والرواتب التي ما انزل الله بها من سلطان لبعض الموظفين..فهل يجب ان صاحب العمامة يكذب على الجماهير..نعم يكذب لان ايران هي التي ارادت وتريد التفرقة بين العراقيين ..فجعلتهم عصابات ومافيات وذئاب متوحشة تقتل الضحية وتلحس دمها دون ضمير. مافيات الغاية ..عندها الغاية تبرر الوسيلة ولا تريد للحق ان يظهر، لأن بظهوره سينتهون والى مقاصل الموت سيذهبون

3

،فأجرامهم بحق الدولة والشعب فاق كل تصور معقول .أنظروا اليهم وهم على الموائد المليئة بكل ما لذ وطاب في كافتريا مجلس النواب يأكلون بشره الجياع ،والشعب بين مهجر وجائع يأكل من نفايات التاريخ..هؤلاء تسميهم قادة وطن..؟

ايها العراقيون هل سترفعون الراية البيضاء لزنادقة القرن الحادي والعشرين …لا أعتقد ؟ فتاريخكم يقول عكس هذا ..فراية الاسلام السياسي والسقوط سيكون حليفهم ، ما داموا يلهجون برايات مرجعيات الدين والسياسة وهي من شرع للمحتلين والمخربين احتلال الوطن بثمن. اعدلوا عما أنتم فيه واهمون ايها الخائنون لله والوطن. والا ستواجهون المصير الاسود الذي ستواجهون.

هؤلاء الحكام الذين يلحون بالانتماء للدين،لكنهم يتجاهلون مشكلات قائمة..والدين يدعو الى تغيير المفاهيم،ويدعو الى صنع رؤيةجديدة لمستقبل الانسان فيه قائمة على العقل الواعي والعلم وحرية الانسان وحقوقه دون تمييز،فحددوا سلطات الدولة عن حقوق الناس ،وليس كل يوم تجدون منفذا لظلم الناس والاخرين..فتعلموا من الاحكام والنظريات وأقرأوا تجارب الامم قبل السقوط… أنقدوا أنفسكم بما تعملون ،فالنقد اساس التقدم..ونقد الدين أساس كل تقدم …فأسباب الفشل في الحياة عدم الاعتراف بالخطأ…؟

فأنتبهوا للحقيقة الغائبة عنكم قبل غيابكم أيها المخطئون …؟

ولكم الخيار…..؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here