المرأة و الحب !

* د. رضا العطار

لقد استعرضنا في الحلقات السابقة وضع المرأة العربية في المجتمع العربي المعاصر،
لكن ما هو وضع المرأة من وجهة نظر نزار قباني ؟

· ان نزار يعتبر علاقة الرجل بالمرأة في العالم العربي (علاقة عقارية) ينطبق عليها كل ما ينطبق على العلاقات العقارية من معاينة ودفع رسوم واستملاك. فالرجولة كما يفهمها مجتمع الرجال عندنا هي القائمة على الكسر والقمع والغاء ارادة الانثى. – – فمن النظام الابوي الى النظام الزوجي تنتقل المرأة من معتقل الى معتقل.

· يعتبر نزار ان المظاهر الشكلية التي اخذت بها المرأة لم تكن تمت الى الحرية النسائية بصلة – فهي قشور لا علاقة لها بلب مشكلة حرية المرأة – – – ان ارتداد البلوجينز يا سيدتي ليس تحررا – وربط السلاسل المعدنية بالعنق ليس تحررا وقيادة السيارة ليس تحررا، – حتى الذهاب الى الجامعة لم تغير مواصفات الفكر النسائي كما نعرفه. فالجامعية تفكر وتتصرف وتتزوج على طريقة جدتها.

· ويرد نزار تخلف المرأة العربية الى عوامل سياسية – فهو يلاحظ ان بعض الانظمة العربية سواء كانت يمينية او يسارية لم تغير موقفها التاريخي القديم من المرأة – فكل لافئات الحرية التي ترفعها الانظمة عن تحرر المرأة هي مجرد ديكورات ثورية.

· ان غياب الديمقراطية هو اساس الخلل في المجتمع العربي – – فما ينطبق على السياسة ينسحب على الحب – وما دمنا عليلين سياسيا فنحن عليلون عاطفيا وعقليا وجنسيا. – – فالسلوك الجنسي عند العرب هو سلوك الرجل وحده – اما المرأة فهي مغيبة نهائيا عن التعبير العاطفي والجنسي – فكيف تريد ان تسمع صوت المرأة اذا كان الرجل يفضلها خرساء.

· ويقول : لقد حذفت جسد المرأة من قائمة الخراف التي تنتظر الذبح والعجول التي تنتظر السلخ.

· لقد وضعتُ المرأة قرنفلة بيضاء على صدري ودخلت بها على حصان ابيض الى المدن العربية التي تمارس الحب بصورة سرية وتخاف ان تصافح المرأة – – لذلك لاحقتني صفارات البوليس وعلقوا صورتي على حيطان الشوارع ووضعوا جائزة كبرى لمن ياتيهم براسي.
· خريطة الحب في العالم العربي ليست خريطة من ورق ولكنها خريطة من حجر – – فهل ينكر نزار قصص الحب العربية التي تملأ العالم العربي من خليجه الى محيطه ؟ – – ان الرجل العربي لا يسمح لزوجته ان تجلس معه على مائدة الطعام، فكيف يسمح لها ان تقاسمه الحكم ؟

· ان شعراء الغزل وكتاب الروايات في اوربا لا يخوضون حربا مع مجتمعهم، كما يخوضها الكتاب العرب – والسبب هو ان نظرة مجتمعهم الى الحب والجنس اخذت حجمها الطبيعي ولم تعد ورما سرطانيا، كما هي الحال عندنا.

· ان شاعر الحب في بلادنا يقاتل فوق ارض وعرة ويغني في غابة تسكنها الاشباح والعفاريت – – اذن فحرية المرأة في العالم العربي مفتقدة – فكيف نجدها ؟ ؟ ؟ نجدها في تحرير الرجل اولا . . . فالرجل الحر يعني امرأة حرة.

· ان الحرية مسؤولية ومعاناة واقتحام وعلى المرأة العربية ان تعتمد على قواها الذاتية لا على الجنود المرتزقة من الذكور.

· المهم في حرية المرأة ان يتغير الرجل – فالمرأة هي الوجه الاخر له.

اذا تعاملتُ معها كوردة، اعطتني عطرها
واذا تعاملت معها كذبيحة، سال دمها على ثيابي
واذا تعاملت معها كجارية، سقطت، واسقطتني معها

الطفولة هي المفتاح الى شخصيتي والى ادبي – – وكل محاولة لفهمي خارج دائرة الطفولة، هي محاولة فاشلة.
انني احب بكل حماسة الاطفال ونزقهم وعنفهم وبراءتهم ومطاليبي هي نفس مطالبهم – – انني اطلب الرعاية والاهتمام.

لا تهمني ضخامة الاشياء – ان امرأة تُخرج من حقيبتها ورقة كلينكس وتمسح بها جبيني وانا اسوق سيارتي، تمتلكني – – وان امرأة تتناول رماد سيكارتي براحتها وانا مستغرق في التدخين، تذبحني من الوريد الى الوريد – – وان امرأة تضع يدها على كتفي وانا اكتب، تعطيني كنوز الملك سليمان.
حركات الاهتمام الصغيرة هذه تنفضني كعصفور – – انني اعتبرها كمداسات البيانو، تتوقف على مهارة العازف- – – قليلات – قليلات – من يعرفن العزف على اعصاب الرجل.
المرأة التي علقت كلبا صغيرا ابيض في سيارتي، وتلك التي اعطتني مصحفا ذهبيا قبل ان اسافر من مطار مدينتها، والثالثة التي اهدتني تلفونا ازرق اللون حتى يكون صوت الحب ازرق – – كما قالت لي، كُنّ من امهر العازفات – – واعظم العاشقات.
احب ممن احبها ان تفهم اطواري الشعرية، فتقترب حين تُحس انني بحاجة الى قربها – وتبتعد حين تحس ان ابتعادها افضل – – وبكلمة واحدة ان تخلق لي المناخ النفسي الذي استطيع ان اعمل فيه، دون ان تجد اي تناقض بين حبي لفني وحبي لها.

ان نزار كشاعر صميم ان يعيش من شعره، حياة كريمة وعيشة رغدة – كان لا بد له ان يطبع هذا الشعر بطابع تجاري – – – صحيح انه لم يمتهن تجارة الشعراء الامويين والشعراء العباسيين وشعراء العصر الاندلسي – وهي تجارة مصاحبة الحكام ومديحهم، ولكنه امتهن التجارة العربية في النصف الثاني من قرنه، وهي تجارة العزف على وترين عربيين مشدودين.
الاول الجنس.
والثاني السياسة
وهما وتران شديدا الحساسية، وكل عازف لهما يصبح عازفا ومطربا مسموعا ومشهورا في العالم العربي !
ولكي يحقق نزار تجارة رابحة من وراء ذلك، نقل سرير نومه الى الشارع، لتنتفي خصوصية تجربته العاطفية، مؤكدا ان المسرح الحقيقي للحب هو الحياة العامة.

وكما عكس شعراء الجاهلية والعصر الاموي و العباسي والاندلسي تاريخ تلك الفترة على شعرهم – وعكسوا كذلك الحياة الاجتماعية على هذا الشعر، فقد عكس نزار كذلك تاريخ القرن العشرين، كما عكس الحياة الاجتماعية في هذه الحقبة الزمنية والتي كان اهم ملامحها نشوء مجتمع البترول او ما يسمى بالطفرة الاقتصادية.

لقد كان نزار شاعرا جريئا – وكان يملك الشجاعة على قول ما يريد من شعر، عُدّ في نظر الكثيرين شعرا حسيا ماديا فاحشا بمقاييس الشعر العربي الحديث.

تهزهزي – – وثوري يا خصلة الحرير
يا ميسم العصفور – يا ارجوحة العبير
يا حرف نار سابحا في بركتي عطور
سمراء – – بل حمراء بل لونها شعوري
ابريق وهج عالق بهضبتي سرور
يا حبة الرمان – – جُنّي والعبي ودوري
ومزقي الحرير – – يا حبيبة الحرير

اعتبر بعض النقاد نزار شاعرا اباحيا وانه يرسم صورة لا تنسجم مع المجتمع العربي الاسلامي الذي ما زال محتفظا منذ ظهور عمر بن ابي ربيعة، والى الان.
ولقد اغضب نزار كثيرا من المحافظين وغيرهم عندما قال في بداية حياته الشعرية :

سمراء – – صبي نهدك الاسمر في دنيا فمي
نهداك نبعا لذة حمراء تشعل لي دمي
فكّي الغلالة – – واحسري عن نهدك المتضرّم
نار الهوى في حلمتيك أكولة كجهنم
محروقتان بشهوة تبكي وصبر ملجم
وغدا سيذوب النهد والشفتان منك – فاقدمي
فُكي اسيري صدرك الطفلين – لا – تظلمي
نهداك ما خُلقا للثوب- لكن – للفم

كان نزار في شعره شاعرا بسيطا – كما هو كل شعراء الغزل الحسي في كل العصور – وذلك تيسيرا على القراء – ولان دائرة قراء هذا الشعر اوسع دائرة على الاطلاق – فلا بد ان يكون شعرا للعامة : لغة واسلوبا ومفردات لكي يتسنى له ان ينشر على اوسع نطاق.
وكما ذكر شعراء الغزل في التاريخ العربي الطويل كل ما يتعلق بالمرأة من عطور وحلى وجواهر وملابس وذكروا انواع واوصاف كل هذه الادوات التجميلية بالتفصيل – فقد درج نزار ينظم اغراض شعره على غرارهم لكنه استبدل الطيب والكافور والعنبر والزعفران، بكرستيان ديور ومدام شانيل وغيره من العطور.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني) .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here