بارزاني في ذكرى رحيله الأربعين

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
[email protected]
3/3/2019
ملامح البعد الأمني في سياسة البارزاني (الحلقة الثالثة والاخيرة)

أولاً : نقل مكان التفاوض و الانتقال السري.
كنتيجة حتمية لما ذكرنا سابقاً من حياكة المؤامرات، و الدسائس من قبل الأعداء ضد البارزاني، ومحاولات الاغتيال المتكررة، والعقيمة منحت البارزاني الحق في الحذر منهم، و عدم الثقة بوعودهم، وإن التجارب العديدة في المراحل المختلفة من مسيرة البارزاني النضالية أثبتت صحة ماذهب إليه و —- في نفسه إلهاماً بأن يكون يقظاً، و حذراً تجاههم سواء في وقت السلم، أو الحرب.
إن البارزاني لم يكن يحسن الظن بالأعداء، خصوصاً العدو الأقوى ولذلك لم يأت بعد ثورة 1961 الى التفاوض مع مسؤولي السلطة إلى مكان، أو مدينة تحددها، بل كان على وفد السلطة أن تأتي إلى المكان الذي يحدده البارزاني، لأن التجارب التي مرت على حركة التحرر الكوردستاني، وتجاربه الشخصية قد أكدت على غدر هؤلاء بقادة و شخصيات الثورات الكوردية، وكان يؤكد بأن السياسة إذا خلت من الأخلاق، فلا يمكن اعتمادها، أوتصديقها.
وهناك أمثلة عديدة على صور الغدر والدسيسة من قبل الأعداء تجاه البارزاني تجنبنا ذكرها للإطالة و الملل.
ومن جانب أخر، وبسبب حرص البارزاني لزيارة كل قرية، أو مكان في كوردستان، و قت السلم، أو زيارة الجبهات في وقت القتال، كان لابد من التنقل من مكان إلى أخر، وبسبب تعرضه المستمر للمتابعة، ومراقبة الأعداء بحيث كان هدفاً مستمراً وحياً لنيرانهم دفعته إلى أن تكون كل تنقلاته سرية لا يعلمها، إلا القريبون منه وكوَن حساً أمنياً كبيراً حيث يقول (دانا أدمز شمدت) : وعدت إلى البارزاني في موضع جديد، و تبعته من هناك إلى معسكر أخر جديد في كهف سحيق، و من هناك إلى معسكر آخر في العراء على سفح شاهق، حيث جلسنا، و تحدثنا ملياً تحت النجوم، ثم عدنا إلى مقر وقتي ضرب معسكره في منتصف الليل بقرية هيران، ثم إلى كهف آخر، وإلى موضع استراحة تحت طُنف صخري عظيم مشرف على وادي خوشن، و ثم في قرية أخرى ليلاً قرب نبع ماء في بستان مسجد، حيث ودع بعضنا بعضاً… كانت تنقلاته سرية دائماً، ومع أن المفروض فينا أننا مرتبطون به ارتباطاً وثيقاً فقد نستيقظ يوم بعد يوم لنجد أن البارزاني قد اختفى أثناء الليل، و انتقل إلى معسكر آخر جديد، لا يعرف موقعه بالضبط إلا قلة من المقربين، كالرجال المسؤولين عن أمور حياته اليومية، و أفراد حرسه الخاص، و الاولون هم ممن اطلقت عليهم اسم (الاختصاصيين)، و بينهم (جميل) الذي يعد الشاي…
في معضم مفاوضات البارزاني مع الحكومات العراقية كان هو الذي يحدد مكان التفاوض، ففي المفاوضات التي جرت بعد انقلاب 8 شباط 1963 رفض أن يقابل رئيس أركان الجيش (طاهر يحيى) في رواندوز بناءً على طلبه، وطلب منه أن يتوجه إلى إحدى مقرات الثورة في قرية كاني ماران النائية.
ومرة انتظر أعضاء وفد الحكومة القادم من بغداد للقاء البارزاني لحل المشاكل التي بدأت تعترض تنفيذ اتفاقية 11 أذار 1970 أربع ساعات جالسين على الحصران في إحدى المقاهي قصاصاً لهم قبل أن يواجهوه .

ثانياً : الاعتماد على كلمة السر
ان كتمان الاسرار كانت صفة ملازمة للبارزاني طيلة فترة مسيرته النضالية.
ويذكر السيد مسعود البارزاني (بعد فترة قصيرة وجهوا دعوة للشيخ أحمد بزيارة الموصل، فلبى الدعوة، و ذهب إلى هناك واستقبل بمنتهى الاحترام، وبعد اسبوعين من الإقامة في الموصل أرسل أحد المعتمدين المقربين جداً إلى بارزان ليخبر مصطفى البارزاني بالتوجه إلى الموصل، ونقل له كلمة سر كان اتفق الشيخ أحمد مع أخيه عليها، و ذهب مصطفى البارزاني أيضاً إلى الموصل، ونقل فوراً إلى الدار الذي خصص لإقامة الشيخ أحمد …
وهذا دليل على البعد الأمني في تصرفات البارزاني لاعتماده الشفرة فيما بين البارزاني و غيره.
وفي الختام يمكننا التوصل الى أن البارزاني دافع عن حقوق الشعب الكوردي، فهو حائز على ثقة الشعب الكوردي، و الشعب يثق به، و هو الذي اتحد مع شعبه، و قاتل مع شعبه من أجل أن يحصل على حقوقه، و هو القائل (هدفي هو الأخذ بيد الشعب الكوردي إلى عيشه مستقرة آمنة) ولا يعرف معنى الأمان، ولا أهميته إلا من افتقد هذا الأمان، وإن أمل البارزاني هو ان يحقق لشعبه الأمان والطمأنينة وهو هدف لو تعلمون عظيم.

ثالثاً : موقف البارزاني مع ابراهيم كابارى
بعد أتفاقية اذار عام 1970 أستمر النظام على نهجه في محاولاته لأغتيال البارزاني وتم تجنيد (ابراهيم كابارى) وتكليفه لتنفيذ المخطط ولكنه اتصل بالسيد (مسعود البارزاني) و المرحوم(أدريس البارزاني)وأخبرهم بنوايا النظام ومخططه فتم تجنيده ليكون عميلاَ مزدوجاَ .
طلب النظام من إبراهيم تأييد صدق أدعاءه بمدى قربه من البارزاني بالتقاط صورة تذكارية معه ، ومن أجل كسب ثقة النظام وافق البارزاني على طلبه ، وعند التقاط الصورة أمر البارزاني ان يضع ابراهيم يده على كرسيى البارزاني لنفي أي أدعاء بأن الصورة تم تركيبها.
من جانب أخر فإن البارزاني كان يوجه ابراهيم بضرورة أخذ الحيطة والحذر من النظام لأن كشقه يعني نهايته ، وكان يعلمه كيف يطرح المعلومات ليعرف هدف النظام وعن أي نوع من المعلومات يبحثون.
إن تصرفات البارزاني وتوجيهاته ل إبراهيم ينبأ ببعده الأمني و سعة نظره .
إن أصل المقال مقتبس من مشروع كتابنا (البعد الأمني في سياسة البارزاني)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here