عراقيون من هذا الزمان (*)81/ هادي راضي

رواء الجصاني

———————————————————————————

لكي لا تُتهم هذه الحلقات بأنها ذات سمات “طبقية!” وأنها تتخصص بالاستذكارات عن الادباء والفنانين، والمثقفين، وتنسى العمال والمهنيين، ها هي تتطعم بالحديث عن شخصية عراقية نادرة في العديد من السجايا والميزات، وأعني: هادي راضي (ابو حسن) الواسطي اللقب، والمعروف بالكربلائي والنجفي، و..العراقي الوطن..

وكنتُ اسمع في بغداد من اصدقاء ومعارف عن هادي راضي، ومنهم المسؤولان الشيوعيان آنذاك: فراس الحمداني، وحكمت فرحان، وعن نشاطاته الحزبية وشجاعتـه ولحين مغادرته الى براغ للدراسة في النصف الاول من السبعينات الماضية… ثم نتعارف هناك وجها لوجه حين وصلتها عام 1979 مكلفاً ببعض المهام السياسية والديمقراطية، ولنتقارب سوية في الصداقة ونشكل (لوبياً !) مع بعض الاحباء والاصدقاء..

كان هادي يتباهى علينا في حينها بأنه الوحيد من بين العراقيين في براغ، من الطبقة العاملة،.. ويمزح معنا تيمناً بالمقولة الشيوعية الشهيرة في الاربعينات بأن العمال هم الاساس، وان المثقفين والطلاب ليسوا سوى ورود على صدورهم، وقد كان الوسط العراقي كله، أو جلّه من الاخيرين.. وقد اراد – ابو حسن- ان يدرس في تقنيات المسرح، فحاول دون ان يحوز ذلك، فاستقر في دراسة مهنية، في السمكرة والحدادة واللحام، استمرت سنوات، وكان حينها غارقا ايضا في معمعان النشاطات الحزبية والطلابية والاجتماعية المختلفة، التي صبّت حينئذ في اشاعة التضامن مع العراق وشعبه ضد الدكتاتورية والارهاب..

وبعد انتهاء فترة دراسته، اوائل الثمانينات ، يغادر هادي راضي الى دمشق، ويبقى فيها برهة قصيرة، ومنها متطوعا الى صفوف الانصار الشيوعيين في كردستان العراق، وفي مختلف المهام، وقد حاز هناك – كما في براغ- على محبة الجميع كما يؤكد مشاركوه في الكفاح المسلح.. ولربما انتشر اسمه هناك ، بكنيته (ابو حسن) اكثر بكثير من مسؤولين سياسيين وعسكريين خلال تلكم الاعوام الخمسة. ثم مع تغير الاحوال، وتبدل الظروف، واساليب النضال،

يعود الرجل الى دمشق الشام، اواخر الثمانينات ليستقر فيها فترة من الوقت، ولنلتقي هناك من جديد فتزداد الصداقة وثوقاً، والعلاقة قربا .

وبعد لأيٍ كما يقولون، يضطر هادي راضي للرحيل الى السويد، والى يوتبوري تحديدا، ويتزوج فيها (1) ليستقر هناك الى اليوم، مع بعض زيارات الى براغ، ومنها مشاركته وعائلته في الملتقى الوطني العراقي ببراغ صيف عام 2018 .. وفي كل تلك المرات كان الرجل (ابو اماني حاليا، ابو حسن سابقا ) نفسه نفسه الصديق الوفي، والشخصية الانسانية الجميلة في الروح والعطاء.. كما أستمر في نشاطاته بقدر ما استطاع على درب ما اختطه من مسار سياسي، ووطني. وبقي الى اليوم قريبا من الناس- بل ملتصقا بهم- وكأنه لا يعرف غير تلك السجية الحميدة، وليس بقادر على العيش بدونها، وما عندنا – نحن المتقاعدين عن النضال!- سوى الدعاء لأنتصار القيم والمبادئ النبيلة، وعسى ان يُستجاب الدعاء ..

ونتواصل .. ونسمع ونتابع ان هادي في يوتبوري مرة ضمن هيئات منظمة الانصار. واخرى نشيطا في فعاليات البيت العراقي. وثالثة في صفوف التيار المدني. واخرى في التجمع الاسبوعي المستمر وسط (يوتبوري) منذ سنوات، انتصارا للعراق، وشعبه من اجل الأمان والاستقرار والأزدهار، وضد كل من، وما، يعيق ذلك… كما يزور العراق بعد 2003 مستذكرا بعض بغداد وكربلاء واربيل، وغيرها، ليتزود بما قد يعين على الغربة ولو بهذا الكمِّ او ذلك.

اما التزامات هادي راضي الشيوعية، في حزب الطبقة العاملة العراقية، فهي على ماشهدتً، ويُنقل: ثابتة دون حدود، بعيدا عن المناكدات والمشاكسات، والاجواء المعيقة للنضال بحسب ما يعتقد ويصرح به، ولربما كان ذلك ما زاد من محبة الناس له، شخصيا واجتماعيا، وعراقيا وطنياً لا تهمه الامتيازات أو المواقع، والتي ربما يستحقها أكثر من غيره..

لقد حفلت المجالس التي ضمت – وتضم- هادي راضي بكل جميل، ذكرياتٍ واستذكارات، واحداثاً ومحطات عراقية حميمة، الى جانب “قفشات” عديدة متنوعة المواقع والوقائع (2) وعساه يجهد فيوثقها، لما فيها من لطائف ومواقف نادرة ، تؤشر لبعض تاريخ الرجل، وروحيته العراقية والانسانية، وما أشد الحاجة اليها في حياتنا اليوم ..

—————————————————— بــراغ / اوائل آذار 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة

الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم… وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل..

1/ تزوج من العراقية الاصيلة ربيعة شلاش، ولهما بنت اسمياها أماني.

2/ ومن بين تلك الوقائع والـ”قفشات” على سبيل المثال: عملية توفيره طابعةً لمنظمته الحزبية الشيوعية في الفرات الاوسط.. وحكايته عن البعير الذي بقي يمشي، ويمشي في الصحراء.. وابتكارات فنية -“سمكرة” في بعض مواقع الانصار الشيوعيين .. وكذلك عن محاولة التعامل به (بيعا وشراء) بين سائقيّ سيارة اجرة على الحدود بين حلب والموصل، وهو يهمّ بدخول العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وغيرها وغيرها عديد..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here