التراقص الامريكي على الاوهام والكوارث

الامريكان يعتاشون على وقع اوهامهم الواسعة يعتمدون فيه على القوة والخيال و يتراقصون على نشوة معلومة مغلوطة ساعدت على ايصال الأوضاع إلى درجةٍ من التداخل والاختلاط، والتشابك وعقدٍ من الصعب تفكيكها والخروج منها ، يستندون فيها على خبرا ملغوما هنا وهناك لعل وعسى يحقق لهم شيء من هذا وذاك وخاصة بعد ان حل مشروع إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، لإعادة هيكلة الشرق الأوسط المشؤوم، و أدى إلى غزو العراق وتدمير الدولة العراقية وزرع عوامل الحرب الأهلية الطائفية في مجتمعه واليوم بعد ان سقطت اهدافهم الخبيثة في العراق وسورية وخربت البنية التحتية والامنية والسياسية والاجتماعية وزرعت الخوف والفزع في حياة ابنائه تعمل بصمتٍ على تثبيت أقدامهم على الأرض مُتذرّعة بأنهم يحاربون الجماعات الارهابية المُتطرّفة ويمدونهم في الخفاء والعلن و لفرض هيمنتهم على العالم عن طريق الكثير من الوسائل والأساليب، ويحاولون فرض رأيهم على كل ما يجري في هذا العالم الكبير الذي أصبح قرية صغيرة بفعل التقنية الحديثة، وأدوات العولمة المنتشرة التي تمسك بخيوطه .

ان حروب أمريكا في المنطقة والعالم وصناعة وافتعال الإرهاب في الشرق الأوسط لا يوجد من لا يعرف نتائجها ، تلك الافعال والتدخلات العسكرية في العقود الأخيرة في المنطقة والعالم وانتهت جميعا بكوارث مفجعة ، فقد كابرت في هيروشيما وناكزاكي بجيوشها في فيتنام التي مارس فيها الجيش الأمريكي أبشع الجرائم ليس ضد الإنسانية فقط وانما شمل النبات والحيوان عندما انهمرت سمومها من طائراتها لتهلك الحرث والزرع والحيوان فوق كل الأرض الفيتنامية وتنتهي الحرب مهزومة في عام 1975 بعد سقوط سايغون في 30 ابريل ،وحربها في لبنان، ومشاركة حاملة الطائرات الأمريكية “أيزنهاور” في دك بيروت بالصواريخ، وقبل ذلك دعم الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، مروراً بدور في اشعال الحرب بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والعراق، وصولاً إلى غزو العراق عام 2003 ،ووضعت أفغانستان ككماشة في حربها امام الاتحادالسوفيتي السابق .

لكن ما شهدته المُعطيات على الأرض في الحرب التي اوشكت على الانتهاء في سورية وخصوصاً بعد الانتصارات التي تحققت في الجنوب السوري المواجهة للكيان الصهيوني وهزيمة الارهاب في العراق ، جعلت أميركا وحلفاءها يخرجون عن صمتهم من حكومات إقليمية وعالمية اخرى أيضا ،

فكان هذا الخروج في تعزيز الضربات على كل الجهات لصالح بقاء المجموعات الارهابية تحت ذرائع مختلفة وإعادة التموضع وإنشاء المزيد من القواعد العسكرية خاصة في الشمال والشمال الشرقي في سوريا والعراق وعلى الحدود القريبة منها وتعزيز قواعدها في الداخل التي يرفض اقامتها العراق على ارضه ويؤكد على دوره في العمل من اجل استقرار المنطقة او اي تهديد لدول الجوار،التي تسعى من خلالها التغيير في مخطّطاتها الاستراتيجية وإعادة التركيز على مَن يؤمّن لها الالتفاف والعودة إلى ما يريده الكيان الصهيوني .

لكن ظاهرة التغييرات الامريكية بشقّيه السياسي والعسكري تدل على أن الخسارة قد حلّت، فيما يفضل آخرون استئناف الحوار الطبيعي بين الاطراف لحل الازمات، ولا بدّ من الإذعان لرؤية تقتضي الانسحاب من سوريا بالطرق السياسية ، في موقف جعل حلفاء الرئيس ترامب وإداراته الداخلية يمتعضون من هذا التحولات السريعة وفشل تلك الممارسات الهدامة و هزمتها في المنطقة، ولم تتمكن وبكل تلك الأوهام وما بذلتها من اموال في تحقيق اهدافها و بعد ان هوت احلامها في المستنقع وتغيرت موازيـن القوى العالميـة واستجدت الاولويات في الصراعات الدوليـة لكي تضـع مصالح الدول ومنافعهـا اولا وآخـرا والتي قال عنها الرئيس الروسي بوتين مثلاً “إن على الولايات المتحدة الأمريكية التخلّي عن أوهام تحقيق تفوق ” ونحن نعرف كيف نفعل هذا وسننفذ هذه الخطط على الفور، بمجرد تحول التهديدات المقابلة إلى واقع”

لكن قد يكون عنصـر المفـاجئـة حـاضرا ، خصوصا إذا ما اخذنـا بعين الاعتبـار القرارات المتخبطـة والمتذبذبـه التي تهيمـن على تصرفات وعقليـة الرئيس الحالي للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب وما خطط له اصبح خارج الحسابات لان كلما كان سـائدا بالأمس حتى القريب من عقليـة حروب الغزو والاحتلال انهارت وماعـادت تتماشى مـع هذة التغيرات والاولويـات، بعـد أن اصبح الكثير من الاوراق التي يمكن اللجوء اليهـا لإحتواء الخصوم في متناول يد القوى الدوليـة في جانب الاخر بقصـد الضغط من اجل الاتفاق على تقاسم المصالح وتحديد مناطق النفـوذ، وليس من اجل خوض الحروب والمواجهات العسكرية المباشره.

عـليـه فـلا امريكـا ولا اسرائيل ولا السائرين في ركب سياساتهـا والمرتهنيين لأوامرهـا، ولا حلفـاءها الاقليميين من قوى او انظمة في نيتها المواجهـه العسكريـة وخـوض الحروب الشاملـة على الأقــل فـي المنظـور القـريب وخير دليل على ذلك المحاولات الجادة في سحب القوات العسكرية الموجودة في المنطقة والهروب بها الى حيث ما كانت فيه بعد الانكسارات المتتالية التي محقت هيبتها من قبل شعوبها.

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here