كيف السبيل لنهضة الأمة التي كانت تسمى مسلمة ؟

هذا سؤال كبير .. وخطير .. وهام جدا .. جدا .. يجب أن يهتم به .. ويجيب عليه كل من يزعم أنه مسلم .. ويهمه أمر الإسلام .. ويشغل باله هم هذه الأمة التعيسة .. البئيسة التي غابت عن الشهود والوجود دهرا طويلا !!!..

وكانت تسمى قديما الأمة المسلمة .. لأنها كانت خاضعة لنظام الإسلام في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية .. وكانت تعترف بالحاكمية لله ولشرعه وقانونه ..

فحق لها بكل فخر .. واعتزاز .. ذلك الاسم العظيم .. الأمة المسلمة ..

أما الآن فهي أمة تتحاكم إلى الطاغوت .. ويدير شؤونها العامة .. نظام العبيد وشرع الصليبيين واليهود .. ومنسلخة كليا من العبودية لله بالمفهوم الشامل الكامل لشهادة ( لا إله إلا الله ) .. وإن كان يوجد بعض الأفراد المسلمين .. الذين يدينون لله بكل شيء في الحياة .. وينكرون حاكمية البشر ..

لكن النظام العام في المجتمع .. هو نظام غير إسلامي .. وبالتالي فهو مجتمع غير مسلم بكليته العامة ..

وهذا لايعني أن كل أفراد المجتمع كفار .. وإنما يعني أن نظام المجتمع الذي يدير شؤونه .. هو نظام جاهلي طاغوتي .. أما الأفراد الذين ينكرون ويرفضون هذا النظام فهم مسلمون .. والذين يقبلون به فهم كفار .. ولو صامو وصلوا ..

لأن المعيار والميزان في الإيمان والكفر .. هو تحقيق شهادة ( لا إله إلا الله ) بمدلوها الشامل في الخضوع المطلق لله في الضمير والنظام .. فالذي يخضع لله في الضمير .. ولا يخضع له في النظام فهو مشرك ..

لأنه :

يخضع لله في جانب .. ويخضع لآلهة أخرى في جانب آخر ..

نقتبس من كلام سيد قطب رحمه الله .. لمزيد من التوضيح والتفسير:

( لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله .. فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد .. وإلى جور الأديان .. ونكصت عن لا إله إلا الله .. وإن ظل فريق منها يردد على المآذن : ” لا إله إلا الله ” دون أن يدرك مدلولها .. ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها.. ودون أن يرفض شرعية ” الحاكميـة ” التي يدعيها العباد لأنفسهم – وهي مرادف الألوهية – سواء ادعوها كأفراد أو كتشكيلات تشريعية أو كشعوب .. فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة .. فليس لها إذن حق الحاكمية ..!

إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية .. وارتدت عن لا إله إلا الله .. فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية ولم تعد توحد الله .. وتخلص له الولاء .

البشرية بجملتها بما فيهـا أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات : ” لا إله إلا الله ” بلا مدلول ولا واقع .. وهؤلاء أثقل إثما .. وأشد عذاباً يوم القيامة .. لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد – من بعد ما تبين لهم الهدى – ومن بعد أن كانوا في دين الله ) . ظلال القرآن ج 7 ص 65-66 ..

( فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله . . وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله – وحده – هو خالق هذا الكون المتصرف فيه . وأن الله – وحده – هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كله . وأن الله – وحده – هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويخضعون لحكمه في شأن حياتهم كله . . وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله – بهذا المدلول – فإنه لم يشهد ولم يدخل في الإسلام بعد . كائنا ما كان اسمه ولقبه ونسبه . وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله – بهذا المدلول – – فهي أرض لم تدن بدين الله , ولم تدخل في الإسلام بعد ). .

إذن نحن اليوم .. أمام جاهلية جهلاء .. وضلالة عمياء .. وردة كبيرة .. حتى الذين يتحدثون ويكتبون عن الإسلام – وما أكثرهم – لديهم غبش في الرؤية .. ولديهم حَوَل عن معرفة الطريق المستقيم .. ولديهم لوثات جاهلية .. وانحرافات فكرية .. وخلط بين المصطلحات الإسلامية والمصطلحات الجاهلية الغربية .. فيسعون بكل جهدهم للتوفيق بينهما .. ظنا أن هذا يساعد على إنتاج نظام يتماشى مع العصر الحديث ويرضى عنه أعداء الله !!!

ولكن:

الطريق الوحيد والأوحد لإنقاذ هذه الأمة .. وإيقاظها من سباتها العميق .. وإخراجها من الظلمات إلى النور .. هو إعادة غرس وزرع بذرة الإيمان .. وفهم شهادة ( لا إله إلا الله ) كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش قائلا لهم: كما ورد في الحديث :

( وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةٍ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا، يَقُولُ : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا ” . قَالَ : وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ ، وَيَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسِ لَا يَغْوِيَنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ ، وَتَتْرُكُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى . . رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ) .

ويوضح سيد – رحمه الله – هذه القضية بأسلوبه الأدبي الرائع .. وفهمه العميق للإسلام الذي لا يدانيه أي شخص على الإطلاق في القرن الماضي والحالي .. فيقول:

( يجب أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين . . ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة . وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف ; وألا تقعدهم عنها لومة لائم , ولا صيحة صائح:انظروا ! إنهم يكفرون المسلمين !

. الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله – بذلك المدلول – فمن لم يشهدها على هذا النحو ; ومن لم يقمها في الحياة على هذا النحو , فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين . . المجرمين . .) ظلال القرآن ج 7 ص 124-125 ..

لقد كان كفار قريش يرفضون رفضا قاطعا .. أن يقولوا هذه الجملة الصغيرة المؤلفة من 12 حرف .. لأنها تتضمن نقلة كبيرة من سفح الجبل إلى القمة .. ومن العبودية للأوثان بكافة أشكالها الحجرية والبشرية والقيم والمفاهيم والعقيدة والأنظمة التي صنعها البشر .. إلى العبودية الخالصة لله في الشعائر التعبدية وفي النظام والقانون والدستور الذي وضعه الله ..

فما كانوا يرضون أن يقولوها – كما يقولها دهماء الناس الذين يزعمون أنهم مسلمون – ثم يبقون يتحاكمون إلى قانون رئيس القبيلة والعشيرة .. ويعبدون الله في الشعائر .. ويعبدون الطاغوت في النظام !!!

لأنهم يعرفون أن هذه إزدواجية .. وانفصام في العقل والفكر .. لا يقبلها أولو الأبصار والعقل السليم ..

وإنما يقبلها البلهاء والمخبولون ذوو الشهوات والأهواء والجاهلون لمعنى ( لا إله إلا الله ) ..

فلا ضير عندهم أن يرددوها عشرات المرات في اليوم .. وقد يصلون في المساجد .. وفي الوقت نفسه يقبلون التحاكم إلى القوانين الوضعية .. وبعضهم يؤمنون بعقيدة العلمانية والماركسية والقومية والديموقراطية والاشتراكية..

وهذا هوالشرك بعينه ..

ولكنهم لا يعلمون !!!..

ومن هنا تكون الخطوة الأولى في طريق نهضة الأمة .. إفهامها المعنى الحقيقي والصحيح لشهادة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. وتمثلها عمليا واقعيا في جميع شؤون الحياة ..

وهذه مرحلة صعبة وقاسية على النفوس التي تمردت على الطاعة المطلقة لله ..

سيستهزئون ويستسخرون ويقولون : أتريدون أن تعلمونا لا إله إلا الله .. ونحن نرددها مئات المرات في اليوم ؟!

وسيرددون نفس العبارات التي كان المشركون يرددونها :

( أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ ﴿٥﴾ مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ ) ..

إنهم لا يريدون أن يعبدوا إله واحدا في كل طقوس الحياة ..

فهم مستعدون للقبول بعبادة الله في طقوس الصلاة والصيام.. والحج.. والجنائز.. والنكاح والطلاق فقط ..

ولكنهم في نفس الوقت..

يريدون أن يعبدوا إله آخر في المحاكم والأسواق.. ومؤسسات الدولة .. التي يحكمها الدستور الذي وضعه الحاكم!!!

الخطوة الثانية :

هي تكوين عصبة مؤمنة تتمثل عمليا وواقعيا بمفهوم لا إله إلا الله .. يربط أعضاءها نظام محكم .. ومنهاج واضح المعالم .. تقوم بنشر هذا المفهوم بين الناس .. وتدعوهم للانضمام إلى العصبة المؤمنة.. كي يزداد عددها ويشتد ساعدها .. كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ..

الخطوة الثالثة :

الانخراط في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية .. والتسابق لإحراز أعلى الدرجات والمراتب في جميع اختصاصات الحياة .. والهيمنة على مفاصل الدولة والمجتمع .. والدخول إلى المدارس العسكرية .. مع الحذر الشديد والعمل على إخفاء المظاهر الدينية للطلاب .. إلا في الحدود الضيقة المتاحة .. كي يتمكنوا من ترسيخ أقدامهم في المؤسسات العسكرية .. والهيمنة عليها بعد ذلك ..

الخطوة الرابعة والهامة جدا:

عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية الهزلية .. المسخرة إلا حينما تصبح للجماعة المسلمة.. قدم راسخة في الجيش .. وقوة شعبية كبيرة .. بحيث إذا دخلت الانتخابات ضمنت الفوز بالأغلبية.. وأصبحت هي الحاكمة الفعلية .. وضمنت ألا ينقلب الجيش عليها.. كما حصل في الجزائر أواخر القرن الماضي .. وفي فلسطين المحتلة أوائل هذا القرن ..

الخميس 8 رجب 1440

14 آذار 2019

موفق السباعي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here