1991 – قصة وطن ومأساة تاريخ

بقلم رفعت الزبيدي

الخوض في وقائع تأريخية لحدث وطني مهمة وخطيرة جدا. باعتبار أن الحديث لايختلف عليه اثنان ففيه تتكون عناصر الخبر وبالتحديد من وماذا وأين ومتى ولماذا وهي عناصر أساسية في صياغة أي خبر أو تقرير اخباري وبالتالي يكون جزءا من أرشيف الأحداث. عام 1991 حدثت انتفاضة داخل ثلثي مدن العراق في الشمال والجنوب وبعض محافظات الوسط ضد نظام صدام حسين الحاكم آنذاك. الاختلاف كان في تفاصيل الحدث ونتائجه وكيفية قراءته أي في التحليل والاستنتاج لما حدث. سؤال مهم يبرز ونحن في شهر آذار ذكرى تلك الواقعة الوطنية المهمة لمن يراجع ذاكرته ويدقق في تفاصيل ماحدث، السؤال هل نعيش صدى ذلك الحدث؟ يبدو من مجريات الوقائع داخل العراق بعد العام 2003 والى اليوم أن المتبجحين بانتفاضة العام1991 مازالوا يعيشون وهما تاريخيا كما هي الأوهام الطائفية التي أرهقت العراق بمآسي وويلات من كتبوا وزوروا لأحداث وشخصيات بعضها مفتعلة ولا أساس لوجودها . كيف نعيش صدى انتفاضة العام 1991 ؟ أقول ، ليس كل من خرج ضد نظام صدام حسين هو بطل ومغوار وليس كل من قتل بعثيا هو رمز وطني وليس كل من خرج بعد العام 1991 من العراق هو مناضل ويستحق الأشعار المزيفة . فهناك رجال أوفياء للوطن لم يخرجوا من العراق هم أكثر نبلا وحبا للعراق من أولئك الذين زوروا وثائق أحكامهم في سجون نظام صدام حسين من سراق ومغتصبين او قتلة الى سجناء سياسيين وأصبحوا اليوم مناضلين ويتمتعون بحقوق مزيفة هي جزء من ملفات الفسادين المالي والاداري. كم هي نسبة الهاربين من الجيش العراقي عام 1991 واليوم هم أبطال ولهم حقوق السجناء السياسيين لمجرد أنهم عاشوا في مخيم يسمى رفحاء في المملكة العربية السعودية وانا على يقين أن رفحاء هذه لو كانت في ايران لما تجرأ أحد على سن هكذا قانون بل لأن رفحاء في السعودية فهو موضوع حساس طائفيا بين من جاءوا الى الحكم بعد العام 2003 وبين النظام السعودي المتورط في سفك دماء العراقيين ( طائفيا ) . النقظة الثانية في ملف انتفاضة العام 1991 أن الحديث لم يعطى موقعا مهما في تاريخ العراق الحديث وترك حديثه لمن يتاجر بالحدث لأسباب شخصية وأمزجة شخصية واعتبارات انتخابية لكسب الأصوات لصالح من كان وراء سن هكذا قانون وهو جزء من صفقة مشبوهة مع شركاءهم في العملية السياسية فقد تساووا مع أعدائهم من مرتزقة نظام صدام حسين من رجال الأمن والمخابرات، صفقة مقابل صفقة. فهل مواقف كهذه لها علاقة بقيم الأسباب التي من اجلها انتفضت أربعة عشر محافظة عراقية ؟ ان ما أدقق في كلماتي هذه هو العبرة في خواتيمها وليست عبارات تقال هنا وهناك. إنتفاضة آذار حدث وطني مهم وهي المعنى الحقيقي للثورة الوطنية باعتبار أن المنتفضين هم من عامة الشعب وبكل شرائحه على العكس من الثورات التي سبقت العام 1991 في العراق والمنطقة

برمتها باستثناء ثورة الشعب الايراني ضد الشاه عام 1978 بزعامة الامام الخميني . المؤسف حقا هو سرقة الانتفاضة من قبل الغوغائيين في الاحزاب او الموالين والمنتفعين منهم كما سُرقت تضحيات من نادوا بعراق فدرالي تعددي يحترم حقوق الانسان . الغوغائية موجودة داخل الوطن وخارجه هؤلاء يتاجرون بقيم الانتفاضة ، فمن يثور على الظلم والدكتاتورية يفترض أن ينطلق من حبه للحرية والوطن لاينتظر امتيازات بالغ بها أصحاب القرار في المنطقة الخضراء. وقد وقع الكثير من الأخوة في الحديث أن هذه الامتيازات المادية بدلا من أن تذهب الى غيرنا فنحن أحق بها، هذا وهم آخر .أقول أيضا لو كان هناك التحام وطني بين من كانوا شاهدا على وقائع انتفاضة آذام 1991 لتم وضع برنامج وطني يؤرخ تفاصيل الانتفاضة بجوانبها الايجابية والانسانية ، وعلى سبيل المثال كنت شاهدا على نبل واخلاق الكرد في مدينة السليمانية وهم يحملون وجبات الطعام لاطعام الجنود بعد سقوط ثكناتهم ومعسكرات الجيش وكانت العوائل الكردية تقدم لهم الأغطية وفتحت الجوامع أبوابها لهم. ذاكرة الوطنيين الأحرار تختزن القصص الكثير لتوثيقها وتعريف الأجيال التي لم تعاصر مجريات الانتفاضة بالاضافة الى اللغط الذي أحاط بها الى يومنا هذا. نحن أمام واجب وطني في تنقية مباديء الانتفاضة من النفعيين والانتهازيين وقد حولوها الى ضيعة مثل امتيازات رفحاء وفي المقابل يتم الانتقاص من الحدث ذاك من قبل الساخطين ضد ماجرى بعد العام 2003 ، فهناك شريحة مهمة من العراقيين مهمشين عانوا من ويلات الحصار الدولي الجائر بسبب غزو الكويت عام 1990 وقد ازدادت معاناتهم بعد مجيء لقطاء العملية السياسية الفاشلة عام 2003 . انتفاضة العام 1991 بعيدة في مجرياتها ومساحتها عن معسكر للاجئين في دولة بعينها او جماعة معينة ، هي استفتاء شعبي ومرحلة نضالية لم يستمر ليبها أكثر من شهر حتى انطفأت بسبب المواقف المتخاذلة من دول الجوار كايران والسعودية والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بزعامة السيد محمد باقر الحكيم آنذاك والذين لم يفهموا اللعبة الاقليمية والدولية ومكر النظام السابق وانشغلوا بلطميات الارث التاريخي المزيف. للحديث بقية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here