هل هي العبارة الأخيرة؟

رسل جمال

ان غرق عبارة تحمل فوق طاقتها الاستيعابية من البشر، لا يعد خطأ عابر في بلد يضج بالأخطاء الجسيمة مع غياب معايير السلامة، وأختفاء الوعي لمفاهيم وقوانين الرقابة والمتابعة الميدانية، لمختلف مفاصل المؤسسات والمرافق، بل ان مثل هكذا حادثة هي متوقعة، أما الضجة الأعلامية التي رافقت الحدث عبر مواقع التواصل والقنوات الفضائية، فقد تفنن الجميع بشرح أسباب ومسببات الحادثة، واتخذها كالعادة تجار الأزمات فرصة لتصفية الحسابات، فكل قناة وجهة تغني لأجل ليلى!

أما حقيقة الأمر ان الكارثة اشبه بفقاعة عائمة انفجرت وسط فقاعات اخرى تنتظر دورها!
وسرعان ما ينسى الأمر برمته فنحن اكثر الشعوب التي تمتلك ذاكرة سمكية، فلا نتخذ موقف جاد، من جراء ما حدث أو يحدث أو الذي سيحدث.
ان الشعوب التي لا تحترم ذاتها، ولا تنتفض لكرامتها المهدورة، ستشهد كل يوم عبارة موت بكل بساطة، فغياب الجانب الرقابي والاستهتار بمعايير السلامة، وهذا ان دل على شيء يدل على الاستخفاف بالإنسان وحياته ومصالحه، فغياب عين الرقيب أضف اليها غياب سلطة القانون التي تملك اليد الحديدة لمحاسبة الرقيب والمقصر معاً، سيجعلنا نجلس على قنبلة موقوته تنفجر في أي لحظة كالتي انفجرت يوم نوروز.

كثيراً ما نكتب بعد وقوع الحدث ويكثر التحليل والنقاش والجدال حول السبب والمسبب، لنصل في نهاية المطاف إلى السبب الرئيسي وهو غياب النظام والقانون واستفحال الفساد، لكن ما الجديد ؟ ولطالما أعيب على بعض من يكتبون ويجتهدون في إبراز مواضع الخلل بل ويتكبدون العناء في التنقيب عن السلبيات في المجتمع، مع العلم انها ظاهرة للعيان ولا تتطلب كل هذا التنظير ، وكأنهم يزيدون الطين بلة!
فمن منا لا يعرف الخطأ؟ هل المشهد بحاجة ان نجعله اكثر سواد؟ فمن المستفيد من بث روح اليأس والتشاؤم وتسطير المشكلات.
ان الفرد العراقي المسكين ليس بحاجه لسماع المزيد من البؤس فأهل مكة ادرى بشعابها، هو بأمس الحاجة ليد حانية تخفف عنه مآسيه وترسم له غدا أفضل
عندما يكون طرفي المعادلة هما الفساد من جهة وغياب الضمير فمن البديهي ان تكون النتيجة كارثة، وستتكرر في كل مرة إذا لم يتعدى تفاعلنا مع هكذا حوادث تغيير الصور الشخصية في مواقع التواصل، إذا لم يعي المجتمع قبل المؤسسة الحكومية الدور الذي عليه ان يلعبه فان العراق على وشك ان يغرق بأكمله كتلك العبارة المشؤمة٠

ان هيبة الدولة بمفهومي لا تقاس بتطبيق النظام فحسب، بل بمقدار تمتع المواطن واطمئنانه على أراضيها ومياهها!
كثير ما نرى احتفالات دول العالم ومختلف المهرجانات التي تقام على اختلاف ثقافات تلك الشعوب الا اننا لم نشهد مثل هكذا حوادث على كثرة إعداد المحتفلين الا ماندر٠
ان قطار الفساد مازال يمضي مسرعاً، على مراى ومسمع الجميع، اللهم الا بعض المطبات التي قد تأخر وصوله للمحطة كغرف عبارة مثلا!
فتحدث ضجة لعدة أيام ويجبر الجميع لأضرار بعض التعاطف والتباهي، كتلك التي أظهرها محافظ الموصل فخانته الكاميرات لتلتقط له صورة وهو مبتسم!
سرعان ما يعود قطار الفساد ليكمل رحلته بسلام بعد ان تنسى الحادثة٠
ان معركة العراق مع الإرهاب انتهت ولكن معركته مع الفساد مازالت شرسة ولم تنتهي بعد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here