صلاح العبودية بالطاعة ..في فكر المحقق الصرخي

احمد الركابي

إن من حكمة الله الربانية أن جعل قلوب عباده المؤمنين تُحِسُّ وتتذوق وتشعر بثمرات الإيمان لتندفع نحو مرضاته والتوكل عليه سبحانه وتعالى. فإن شجرة الإيمان إذا ثبتت وقويت أصولها وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل وآجل في الدنيا والآخرة.

الإيمان بالله تعالى يورث الإنسان الحياة الطيبة المطمئنة خالية من المنغصات النفسية والاضطرابات الروحية، فروح الإنسان هادئة طيبة تعيش منسجمة مع ذاتها ومع محيطها، تحيطها السكينة والأمن، محصنة من عوادي النفس الإمارة بالسوء، يقول تعالى: ? مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [النحل:97].

فالمسلم الذّي يخشى الله ويتّقه يجب أن يعمل دوما على إرضائه ونوال رضوانه. ونوال رضوانه لا يكون إلاّ بطاعته والرّجوع لحكمه وتطبيقه والرّضا والتسليم به تسليما عقليّا يوافق الوجدان.

من هنا اكد القرآن على تركيز مفهوم أساسي للطّاعة بشكل يوحي بأنّه القاعدة العامة التّي تنبثق عنها أو تستند إليها كلّ أنواع الطاعات الأخرى ومثلما أدّى البحث العقلي إلى اقتران الطّاعة بالعبوديّة فإنّ القرآن كذلك نظر إلى هذه المسألة من هذه الزاوية حتى تظل الطاعة طاعة حقّة للمعبود الحق وتكون طاعة واعية مجزئة ومبرئة للذمّة.. ثمّ تكون أساسا أو قاعدة عامة تندرج تحتها كل الطاعات. ونظرة خاطفة للقرآن تجعلنا نسلّم بهذا الإطار العامل للمسألة. يقول المولى عزّ وجلّ (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) وفي آية أخرى (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) و (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) فكل دعوات الرّسل قرنت الطّاعة بالتقوى والعبوديّة. والقرآن شدّد على هذا الإطار إلى حدّ أن قرّر بطلان أعمال الإنسان إذا لم تكن في إطار طاعة الله والرّسول، يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) فطاعة الله وطاعة الرّسول هي الإطار العام والمحدّد لكلّ الطّاعة.

ولعل افضل تصوير لهذه الطاعة هو ما اشار اليه المحقق الاستاذ الصرخي في محاضرته الموسومة من بحث ( الدولة..المارقة…في عصر الظهور…منذ عهد الرسول “صلى الله عليه وآله وسلّم”) بحوث : تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي في 17 صفر 1438 هـ – 2016/11/18م وهذا مقتبس من كلامه الشريف جاء فيه :

((قال تعالى: ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) البقرة (249).
أقول لذوي العقول : من يدّعي أنّه يمتلك العقل، ممّن يتحدّث بالعقل، ممن يتقمّص أنّه عاقل ومن العقلاء خاصة أتباع المنهج التكفيري، أصحاب منهج المغالطات ومنهج الالتقاطية والتشويش والتشويه والمجادلة والمغالطة، الجهال المكّفرين للمناطقة ولأهل الكلام وللفلاسفة وللعقل والعقلاء ، أقول : جنود طالوت عندهم معركة، حرب، قتال، تجهيز، حالة إنذار، مسير، تدريب، هجوم، دفاع، اقتحام، ويوجد نهر، هل يوجد من يأتي بجواب لماذا مُنعوا من شرب الماء ؟!! جيش وماء، وجود الماء وعدم وجوده ممكن أن يترتب عليه النصر والهزيمة، الماء سلاح في المعركة ممكن أن يحقق النصر، ممكن أن يقلب النصر إلى هزيمة ويقلب الهزيمة إلى نصر، لماذا يمنع هؤلاء من شرب الماء من هذا النهر؟ لا نعلم ، الحكمة الله يعلم بها، العلة الله يعلم بها، على الجندي الإطاعة على المكلف الإطاعة على العبد الإطاعة لا يدخل هنا التفلسف والمغالطة والسفاهة هذا أمر الله، هذا هو كتاب الله، هذا هو قرآن الله، هذا هو كلام الله، نسلم بما جاء، ما هي الحكمة ؟ ما هي العلة؟ الله سبحانه وتعالى أعلم بها، إذًا الابتلاء والاختبار هو المحك في معرفة الإيمان الحقيقي .))

http://v.ht/Eh04

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here