العرب والعراقيون…واسطورة الألم … والمعنى…

د.عبد الجبار العبيدي

——————————————–

لابد من كلمات يسيرات عما أقصد اليه من وراء هذا العنوان ،وما أريد ان يعرفه القارىء قبل قراءة مأساة عنوانها..الألم…في بلادي..

اول ما أحب ان يعرفه القارىء هو ان الاسطورة هي حكاية يصح فيها الوهم ويصح فيها الصحيح ،والاساطير قديمة جاءت في كتب الديانات القديمة وتآليف المؤلفين وفلاسفة الكلمة والتاريخ..وعماد الاسطورة في الألم والفرح هو معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر..وما واجههم وتجمع لهم من اشكاليات وأهوال قد تصدق وقد لا تصدق في حياتهم ..وكيف جابهوها بصدق وتحدي ..كما رواها القرآن الكريم في قصة محنة نوح والصالحين من رفاقه وكيف نجاهم الله من محنة الغرق ..كقوله تعالى:” نحن نقصُ عليك نبأهم بالحق،الكهف 13″.

وثاني ما احب ان يعرفه القارىء هو انني لم أقصد من وراء هذه السطور الا تقريب معنى الاسطورة ليفهمها الناس هل هي حقيقة أم هي وهمُ من وحي خيال البشر… ولم اقصد ان اقدم اجابات شافية ووافية لكل الاسئلة التي يطرحها العنوان .. على الذهن في موضوع الأسطورة..فمثل هذا العنوان لا يصلح لتأليف مقالة او كتاب لتقرير حقائق ،بل لفتح باب التفكير والمناقشة في اتجاه سليم وتوجيه الذهن لقضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث..كي لا نفقد الأمل في وجودنا لنصحح ما يحتاج الى تصحيح ،وتصفية ما يحتاج الى تصفية ..مما شابنا من عدم الدقة في أعمالنا ومعتقداتنا..وكيف نسينا القضاء والقدر..؟من هنا جاءت الأسطورة كعنوان على سبيل العضة والاعتبار كما في القرآن الكريم..كقوله تعالى:”تلك من أنباء الغيب نوحيها أليك،هود49″..

وثالث ما أحب ان يعرفه القارىء هو ان هذا العنوان ليس كتابا في فلسفة التاريخ..فالحقيقة تقول ان لا فلسفة للتاريخ بل حقائق يفرضها القدر . فهناك محاولات جادة من جانب نفر من الفلاسفة والمؤرخين وعلماء البشر الاجتماعيين لفهم القوى المسيرة للتاريخ..أو للعثور على قواعد تحكُم سير الحوادث لمعرفة حقيقة أسباب قيام الحضارات وأنهيارها..بعد ان كانت الحضارة أسطورة تحدث عنها المؤرخ والتاريخ..كما في اساطير الآولين..كقوله تعالى:” وقالوا أساطير الأولين أكتتبها فهي تُملى عليه بكرةً وأصيلا،الفرقان 5″.

فهل الاساطيرالتي دونت لنا من المعارف كانت انفع للناس من الوصول الى القمر..وأختراع البنسلين قياسا بالزمن ..؟ فقد دونت لنا كيف ان الانسان وفقَ الى صناعة “رغيف الخبز” الذي به ادام حياته لينتقل الى كل منجزات البشر..فسبب لهم هذا الأبتكار.. الأستقرار والأمن الذي به بهَرَ عيون البشر..من هنا كانت نقطة التحول في تاريخ انسان البشر..ولا زال رغيف الخبز يشغل بال الكثيرين..الذين حرموا منه بفساد وأنانية البشر..

واسطورة أخرى قالت لنا ان أنسان أخر من نفس نوع انسان البشراليوم.. كان في حياته لا يعرف عقيدة الله في البشر .. فظل كارها لعقيدة الحياة معتقدا انه الأفضل في حياة البشر..كما في فرعون وطواغيت البشر …ولا زال ذلك الانسان موجودا الى اليوم يتحكم بأرواح البشر باسم القبيلة وبأسم الدين…وبأسم الطائفة ، وما درى ان الله خلق القبيلة والقبيلة ليتعارفوا من اجل ان يحيا البشر..”الحجرات آية 13″ فلا مقدس بين البشر الا الحقوق بين انسان البشر..فأي اسطورة خلقت احسن منها في حياة البشر..فهل تنبهَ اليها اليوم من يدعي دين البشر..؟

من هنا عرفنا المقياس الحضاري بين الحضارة والاسطورة وما هي الميزات والفروق بين كل حياة البشر.فلا بد لنا من ان نعرف حياة العرب قبل الاسلام وكيف ان اسطورة الاصنام كانت تقربهم الى الله زلفى من معبود البشر..وكيف كانوا يتصرفون ويحكمون وكيف ينشئون العلاقة فيما بينهم لترضية آله البشر..نعم حققوا القانون بينهم فأنشئوا مجالس الملأ تحميها قوانين الاعراف التي صاغوها باساطيرهم ..لدرجة ان القرآن اعترف بها وخصص سورة كاملة لها سماها “سورة الأعراف”.فهل هؤلاء فعلا يستحقون ان نسميهم جاهلية ..في اساطير البشر؟ فكيف نسمي المعلقات من اداب الجاهلية..الم يكن في ذلك تناقض بين الحقيقة واسطورة البشر..؟

وحين قامت جماعة الاسلام وكتبت الوثيقة بموادها ال 72 مادة التي نظمت العلاقات وحقوق الناس ..وأتخذت من الحق والعدل واحترام الانسان سبيلا لحكمهم..هنا وقفة تأمل دون شِرك او كُفرٍ او لمزٍ ..هنا انا أقول وبملىْ الفم ألم تكن العرب هم الذين لم يفهموا طبيعة الامة التي نادت بالتمسك بالمُثل تمسك ايمان وأقتناع “ولله المثل الأعلى،النمل آية 60” ..أم نحن لا زلنا نقرأ الاسطورة على انها وَهم لا أقتناع..؟

اقف عند أدوار النشوء والظروف التي احاطت بالبشر..واعرض نظريات المفكرين فيهما بين النمو والركود لأصل الى نتيجة ان اساطير الآولين قدمت للبشر ما لم تستطع وثيقة الجماعة الاسلامية من تقديمه على مر الزمن..لان المسلمين لم يفهموا ان النص القرآني ثابت والمعنى متغير في صيرورة الزمن..وبسبب الايمان بالأساطير من عدمها في الوثيقة.هناك استقر

القانون ووحدة دين الاصنام والبشر ..وهنا بعد الوثيقة تعددت الافكار واختلفت وتباعد البشر من أول يوم مات فيه صاحب الوثيقة….هنا نقطة الأشكالية الغامضة لمعرفة الحقيقة التي يجب ان تبدأ ..بكلمة ..لماذا..؟ لنفهم حقيقة ما جاءت بها الدعوة ..لا اسطورة البشر ..؟

علينا جميعا ان نبعد العاطفة ونتمسك بالعقل ..فالحجة بالدليل..والحوار دوما اصله العقل ..وبه نستطيع الى القاء اشعة جديدة من الضوء على نواحي الحياة المختلفة في اسطورة الأصنام والوثيقة المغيبة اليوم عنا وكيف نعرض لهما من احوال البشر..

علينا هنا ان نناقش الكثير من الاراء المتداولة بيننا اليوم دون انحيازية النقد والتحليل..كفوبيا الاسلام ..المتمثلة بفتوحات الظلم والاجبار ..لا لنشر دين البشر..حتى نَصدق امام القارى بأننا حيادي الرأي والحقيقة لنقارن بين ما قدمته الانظمة السابقة للمواطن والوطن ..وبين ما قدمه رجال التغيير بعد2003 الذين كنا نأمل منهم سعادة الوطن..عبدالكريم قاسم بعد1958 قدم للوطن الكثير رغم تسرعه في حيادية السياسة بين مواطني الوطن..لكن حزب البعث بعد1963 بتقلباته المتنوعة لم يقدم سوى الناس قرابين للوطن ..وحين جاء التغيير بعد مخاض صعب في 2003 ..كنا نأمل ان التغيير جاء لصالح انسان الوطن..وما ظننا باصحاب المبادىء المطروحة امامنا كانوا أسوء من كل اساطير الزمن .

..ناهيك ان حرية الاختيار وحرية الرأي ،هما أساس الحياة الانسانية في الأسلام….فلماذا كان العكس في اسطورة الزمن ..؟ هنا توقف القلم عن ذكر الحقيقة.

كليشيهات تنقل لنا دون تفكير من الفقهاء والمؤرخين لنقنع القارىء بصدق ما نقول وندخلها مناهج التدريس لنعمي عيون وقلوب الاجيال القادمة..وهي في الحقيقة ما هي الا أفتراءات من بنات افكارهم لا تستند الى حقيقة ..بعد ان كتبوا بتباعد الزمن بين الحقيقة من عدمها…فهل يصح ان نعتمد عليها لنكتب لنا تاريخا على الصحيح تقرأه الاجيال خطئاً فتقع في خطأ تقدير الزمن ؟.

هنا اختلفنا نحن العرب بين عصر اصنام الاساطير وعصر الوثيقة ..ولم نصل الى نتيجة تبين ان عصر الوثيقة كان احسن من اسطورة الاصنام..فبقينا نمسك العصا من الوسط نميل حيث تميل الريح دون نتيجة في بحث أو تأصيل…

في هذه النقطة بالذات أختلفنا نحن العرب .. مع الأوربيين الذين وضعوا مشكلة الانسان واحواله وماضيه وحاضره ومستقبله موضع درس عميق..حين أطلقو العنان للفكر في بحث مشاكل البشر واعادة النظر في كل ما قامت به الانسانية من تجارب الماضي، وفتحوا

للانسانية ابوابا واسعة للتفكير والتغيير..من هنا بدأت الثورة العقلية عندهم ولا زالت متصلة الى اليوم..رغم وجود الدين لكنه معزولا عن امور البشر خلا الحقوق التي يتساوى فيها البشر فحل القانون والدستور بديلا عن تخريفات الكنيسة القديمة والقساوسة والكرادلة .. فتقدموا وصنعوا وطن..؟ فمتى نكون مثلهم في معرفة اسرار وثيقة الزمن..؟

فهل كنا نحن العرب والمسلمين قد قدمنا الاراء لعصر حضارة جديدة فعلا.. ام خُرافة لاسطورة جديدة من اساطير البشر ؟ هنا نقطة الاختلاف التي لابد من بحثها بعيدا عن الدين والعاطفة..اللتين ابتلينا بهما نحن العرب..لنفتح امام القارىء افاقاً واسعة التفكيروالتدبير ..علنا ان نلحق بالبشر..؟

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here